أهمية الثقافة الذاتية في تطوير المجتمع

 

شبكة النبأ: لا ينبغي أن يعتمد شرائح المجتمع على الجهد الحكومي في كل شيء، صحيح ان الحكومة يقع عليها واجب دعم الثقافة ونشرها، وترويج الانماط السلوكية المتحضرة، عبر برامج ثقافية متنوعة، تقوم بها مؤسسات الثقافة الرسمية، ولك هناك دور كبير ومهم يقع على عاتق الجهد الفردي، بمعنى ينبغي على الفرد ان يجدّ ويسعى لتحقيق سقف جيد من الثقافة العامة التي تدعمه في مسيرة حياتة المتعددة المسارات والاوجه.

وثمة امور كثيرة تؤكد اهمية التطوير الثقافي الذاتي للفرد، حتى لو كان حاصلا على شهادة عليا، فالتعليم يختلف عن الثقافة، بمعنى يمكننا من خلال التعليم ان نحصل على فرد متعلم لكنه ليس مثقفا، لهذا ينبغي أن يسعى الانسان بجدية عالية في مجال التثقيف ذاتيا، وقد نلاحظ  في حياتنا انساناً متعلما، حاصلا على شهادة عليا، لكنه قد يفتقر للعمق الثقافي، حيث يتضح هذا في طبيعة سلوكه وافكاره وعلاقاته، كذلك ربما صادفك انسان لم يحصل على فرصة التعليم الجيدة، لكنه يبدو مكتنزا من الناحية الثقافية، ويبدو للجميع ذا فكر انساني متنوع، وقد نلاحظ أناسا يدّعون الثقافة، ويتبجحون بالاطلاع الواسع، وباكتسابهم للمعرفة والتجارب المتنوعة، لكنهم في واقع الحال غير ذلك.

أي أن الثقافة حالة واضحة ملموسة نراها في السلوك ونعرفها من خلال الكلام والرأي، بمعنى هي ليست إدّعاء، وانما انعكاس مباشر يظهر في طبيعة سلوك الانسان وتعامله مع الآخرين، فضلا عن طريقة التفكير ونتائجه، التي تظهر كنتيجة لعمق ثقافته واطلاعه واكتسابه الفعلي للثقافة من حيث العمق الانساني لها، وليس الثقافة السطحية التي لا تدخل الى عمق الانسان، ولا تؤثر في سلوكه وفكره بصورة آنية متعادلة، لذلك يرى المختصون والمعنيون بالثقافة من حيث تأثيرها ونتائجها، أنها ينبغي أن تسهم بقوة في عمليات التغيير الذاتي والمجتمعي في الوقت نفسه، خاصة اذا قام الانسان بما عليه من جهد لتحصيل الثقافة بطريقة سليمة وجادة.

علما ان الفعل الثقافي لا يمكن ان يكون هامشيا او شكليا او سطحيا، بل لابد ان يدخل الى العمق ويسهم في تغيير الانسان نحو الافضل في السلوك والتفكير، لذا لا يمكن أن نطلق على الثقافة بأنها فاعلة، ما لم يكتسب الفعل الثقافي قوة التأثير في تحسين حياة الانسان، ومن البديهي ان العمق الثقافي للفرد سوف ينعكس على المحيط الذي ينتمي اليه، او يتحرك فيه، بمعنى أن الانسان الذي يحتفظ بالعمق الثقافي الجيد، لابد أن يكون ذا تأثير جيد على محيطه العائلي او العملي او المدرسي، من هنا يطالب المصلحون والفلاسفة، بأهمية اكتساب العمق الثقافي، وليس السطحي او المتسرع، الامر الذي يجعل من الثقافة غير مؤثرة وليست فاعلة.

وطالما أننا نعيش في عصر يتميز بالسرعة والحيوية، فإننا في هذه الحالة نكون في حاجة ماسة لتحصيل الثقافة الساندة للفكر والسلوك، والمصححة لهما، لذلك اصبحت الثقافة الجوهرية العميقة، من مستلزمات المضي قدما في مواكبة المستجدات التي تحدث على الارض، وحتى يتلافى الفرد والمجتمع السكون في آخر الركب، لاننا نلاحظ المجتمعات المتأخرة تعيش في واد والعالم المتقدم يعيش في واد آخر، والسبب الاكيد كما هو واضح، عدم سعي الافراد والمجتمع نحو تحصيل الثقافة ذاتيا، واعتمادهم على الجهد الحكومي، او جهد الاخرين في هذا المجال، لذلك نلاحظ عجز المجتمعات المتأخرة ثقافيا عن مجاراة الشعوب المتطورة ثقافيا، لأن التطور الثقافي الفردي ينعكس بصورة غير مباشرة على التطور المجتمعي، ليس في مجالات الثقافة فحسب، وانما في عموم مجالات الحياة.

قد يحاول الانسان ان يجد مفاتيح ومنابع كثيرة للثقافة وابوابها، وقد لا يصل الى ما يصبو اليه، ولكن في جميع الحالات، ليس امام الانسان سوى السعي المتواصل لتطوير الذات ثقافيا، وعدم الاعتما كليا على ما تقوم به المنظمات او الاخرين، أي أن هناك منظمات ثقافية مدنية تتحرك باتجاه تطوير المجتمع، ولكن في حقيقة الامر قد يفتقر هذا الجهد للتناسق والتخطيط المسبق، فضلا عن افتقاره للجوهر او العمق، حتى يكون مؤثرا وفاعلا في المحيط الذي يتحرك فيه او يستهدفه، لذلك لابد ان يذهب الانسان بجهده الفردي لكي يثقف نفسه، حتى يكون قادرا فكريا وسلوكيا، ويصبح فردا فاعلا ومنتجا في مجتمعه، وليس ساكنا مستهلكا لما يرد له من خارج سعيه الذاتي في مجال تثقيف النفس!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/آب/2014 - 21/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م