ملف النازحين على طاولة الحكومة الجديدة

 

شبكة النبأ: الأخبار والتقارير التي تردنا يومياً من صالات اجتماع التحالف الوطني، أن المسؤولين الأفاضل ما يزالون يحومون حول دائرة ضيقة في المنطقة الخضراء المحصنة تحت الحراسة المشددة بغية الوصول الى صيغة مرضية للكيانات السياسية داخل التحالف، كما ترضي ايضاً الكيانات والكتل السياسية الاخرى في البرلمان، والخروج بحكومة جديدة ترتدي هذه حلّة التعددية والمشاركة الواسعة.

وهذا أمر حسن بالطبع، ومطلوب، بل ان معظم المراقبين من سياسيين واعلاميين يعدون نشوء الازمة السياسية الاخيرة، بسبب التخلّي عن رداء الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة. لكن ماذا عن انعكاسات هذه الازمة وآثارها على حياة الانسان العراقي. حسب الاحصائيات فان حوالي مليون ونصف المليون انسان فقد بيته وعمله وهام على وجه في الهضاب والسهول بحثاً عن الأمان، فيما علق المئات منهم في قبضة عناصر "داعش" فقتل الرجال والشباب، واختطفت النساء والفتيات.

مشاهد النزوح الجماعي لضحايا إرهاب "داعش" باتت في مرأى ومسمع جميع افراد الشعب، حتى الطفل الصغير الذي يجلس قبالة الشاشة الصغيرة، فهو يلاحظ المشاهد المؤلمة وغير الطبيعية لاطفال من سنّه يعيشون غير الحالة الجميلة والآمنة التي يعيشها، ثم ان هؤلاء النازحون لا ينسون أن الصراع المرير على الحكم في بغداد كان من اسباب فقدانهم الأمان وتعرضهم للمعاناة والمأساة  التي يعيشونها، بمعنى أن الواجب اليوم، وقبل أي يوم آخر النظر بأكثر من عين عليهم وايجاد الحلول الناجعة لمعاناتهم.

بينما الملاحظ ان الهمّ السياسي هو سيد الموقف حالياً في المنطقة الخضراء المحصنة، فمن جانبه يركز الدكتور حيدر العبادي، رئيس الوزراء الجديد، جهده على معيار الكفاءة والنزاهة في تشكيل الحكومة و توزيع الحقائب، وجاء في بيان صادر من مكتبه انه "سيرفض اي مرشح من الكتل السياسية لشغل المناصب الوزارية ما لم يتمتع بالكفاءة والنزاهة والخبرة الجيدة بالإضافة الى البرنامج الذي سيدير به وزارته".

وفي نفس الخط السياسي المتناغم، يدعو الدكتور الجعفري، رئيس التحالف الوطني الى نفس المعايير لشغل الحقائب الوزارية، وفي بيان صادر من مكتبه بعد اجتماع ضم ممثلي الكتل السياسية في التحالف الوطني وأشار البيان إلى أن "المُجتمِعين اجمعوا على إعداد البرنامج الحكوميِّ للمرحلة المقبلة، والذي يتكفـَّل مُعالـَجة الوضع الأمنيِّ، واستراتيجية القضاء على الفساد، وتطوير القطاع الاقتصاديِّ، والصناعيِّ، والاستثماريّ".

في مقابل الاهتمام بملفات الفساد والاقتصاد والامن، هنالك من يطالب بحصة كبيرة للنساء في الحكومة القادمة..!، فالى جانب الحصة المقررة للنساء في البرلمان وهي (25) بالمئة من عدد النواب يجب أن يكونوا من النساء، حسب "دستور بريمر"، فان النائبة عن اتحاد القوى الوطنية، انتصار الجبوري، تقول انها تقود حملة مدعومة من البرلمان ومنظمات مجتمع مدني، وحتى منظمات دولية ودول اجنبية، لتعيين ما نسبته (30) الى (50) بالمئة من النساء في الحكومة المقبلة مع وزارتين سياديتين..! وفي تصريح مدهش حقاً لهذه النائبة أن "سبب فشل الحكومة، عدم وجود نساء في السلطة التنفيذية.."!!.

ان الملف الانساني في الازمة الراهنة التي يشهدها العراق، تتقاطع فيه قضايا امنية وعسكرية، وايضاً اجتماعية واقتصادية الى جانب التداعيات السياسية، فحسب المتابعين والمراقبين، ينبغي البدء من بؤرة الازمة والصفيح الساخن الذي يعيش عليه سكان المناطق التي تستهدفها "داعش"، فالضربات الجوية – مثلاً- يجب ان لا يتوقع منها المسؤولون في بغداد، مكاسب سياسية وعسكرية في الميدان، وهو ما يؤكده خبراء من أن "داعش" وما لديها من خبرة وتجربة اكتسبتها في سوريا، بامكانها التكيّف من الوضع الجديد والانتقال من مكان الى آخر، رغم تركيز الطيران الامريكي على وسائل النقل والمركبات لشل حركتهم. وهذا ربما يجرنا الى لعة "القط والفأر"، في حين تردنا اخبار يومية عن استمرار "داعش" في القتل الجماعي واختطاف النساء والفتيات وممارسة كل اشكال الجريمة المنظمة. وهو ما يسبب المزيد من الهجرة الجماعية والنزوح، ومن ثم تعاظم حجم المسؤولية على عاتق الحكومة الجديدة. وإذن؛ يجب ان ينصبّ الجهد العسكري – الجوي او البري- على حماية المدنيين – الحلقة الأضعف في ساحة المعركة، قبل ان يتحولوا الى لقمة سائغة لداعش.

أما في الخطوط الخلفية من المعركة، حيث استقر النازحون في أماكن إيواء مؤقتة في مدن شمال ووسط وجنوب العراق. واغلب الظن، أن هؤلاء بحاجة الى الماء والكهرباء والمواد الغذائية، في حين يشير مطلعون على اوضاع النازحين والموجودين في حسينيات او مدارس او اماكن مختلفة اخرى، أنهم يحتاجون الى ما يحتاج اليه أي مواطن آخر، من خدمات الصحة والتعليم، ثم فرص العمل.

ويبدو واضحاً من اسلوب عمل الحكومة في بغداد، أنها تتعامل مع هكذا ملفات بشكل سطحي – ترقيعي إن صحّ التعبير- وإلا فان مبلغ "المليون دينار" التي وزعت على كل أسرة نازحة من قبل حكومة المالكي المستقيلة، لن تلبي الحاجات المستديمة طوال الفترة القادمة التي ربما تطول لأشهر قادمة او حتى لعام كامل. وهذا ما أشّر عليه النائب محمد بحر العلوم من أن الحكومة تمتلك الأموال لكنها تفتقد الخبرة في إدارة ملف النازحين..

وربما تكون المصادفة في أن تكون المدارس معطلة وفارغة لتستقبل النازحين من أحداث الموصل منذ شهر تموز الماضي، وقد امتلئت مدارس عديدة في بغداد وسائر المحافظات بالنازحين، حيث اتخذت العوائل من الصفوف  الدراسية،  غرفاً للسكن، ومن دورات المياه وصنابير المياه في ساحات المدرسة، الى اماكن لغسل الثياب والصحون.. وقد نقل مراسلون مشاهد مؤلمة لنساء يظهرن تبرمهنّ من استمرار وجودهن في هذه المدارس مع قرب انتهاء العطلة الصيفية. هذه المدارس – حسب مصادر اعلامية- "تدار من قبل متطوعين وجمعيات خيرية دينية في غياب مساعدة الحكومة".

من هنا؛ يشير المراقبون والخبراء وايضاً منظمات المجتمع المدني الى مسؤولية الحكومة وهي تدشن نشاطها بحيوية مدعومة من تأييد سياسي واسع، في حل مشكلة النازحين وعدم تركهم للاقدار وللمساعدات الانسانية التي ترد من هنا وهناك، و ربما يأخذ النازحون هذه المساعدات بغير رضى قلبي، فهم في حالة استثنائية صعبة يقبلون فيها كل شيء. بيد أن الشعور الانساني والدوافع الاخلاقي والحضاري يحتم تقديم برامج ومشاريع متكاملة تزيل تقلل من الحالة المأساوية التي يعيشها النازحون، وهنالك دعوات من اطراف عديدة بإشراك الرجال والشباب في الحشد الشعبي الذي يتحول تدريجياً الى جيشاً متكاملاً في العدة والعدد لمقاتلة "داعش" وتطهير الارض من دنسهم، لاسيما وان الاراضي المتسهدفة في التطهير هي اراضي هؤلاء النازحين في الموصل وصلاح الدين وديالى وسائر المناطق الساخنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/آب/2014 - 20/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م