إشارات ضوئية لمرور الأفكار

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: مشكلة ازدحام السيارات في شوارع المدن يمكن حلها عبر تلك الاشارات المرورية ذات الالوان الثلاثة، والتي تشير الى التوقف او الاستعداد او المرور، ويقال ان عددا من الدول قد استغنت عن تلك الاشارات، لارتفاع مستوى التقيد بالأنظمة والقوانين المرورية فيها لدى المواطنين.

وحتى مشكلة مرور المشاة يمكن حلها ايضا، على الارصفة ولدى عبور الشوارع المزدحمة بالسيارات، من خلال تحديد مناطق معينة للعبور او بناء انفاق تحت الطرقات او جسور فوقها، اضافة الى الاشارات المرورية على الارصفة والتي تشير الى التوقف او العبور.

تقع الحوادث احيانا وربما كثيرا، رغم تلك الاشارات المرورية، وحتى بين المشاة على اقدامهم، تقع حوادث التصادم بينهم وما يحملون من حاجات في ايديهم او حتى على ظهورهم.

في الاسواق المزدحمة، في العراق مثلا، كثيرا ماكنت اشاهد الحمالين وهم يتشاجرون في ما بينهم، في سوق الشورجة او الرصافي، لا فرق بين من يسحب عربة خلفه او يدفعها امامه، وبين من يحمل الاغراض على ظهره، وهو ينادي من امامه بافساح الطريق له كي لا يصطدم به، لكن الحوادث تقع، وتحدث العديد من المشاجرات تبدأ بكلمة (ما تشوف) وتنتهي عند كلمة نابية او ربما صفعة او ضربة بقبضة اليد المنقبضة.

ماذا عن الافكار وزحامها في الرأس؟

كم فكرة يمكن ان تمر في ذهن الانسان في اللحظة الواحدة وكيف يمكن له ان يقوم بتبويبها وفرزها ثم التعامل معها منفردة او مجتمعة؟

عشرات او مئات وربما الاف الافكار، وهي بمجملها وبتواردها المستمر على ذهن الانسان تخلق نوعا من الارتباك في التعامل معها، وحتى طريقة التعامل تستدعي افكارا جديدة تضاف الى سابقتها.

ماذا عن الكتاب الذين يتخذون الكتابة حرفة لهم؟ كيف يتعاملون مع الافكار والتي هي مصدر عيشهم، اذ لولاها لما استطاعوا الكتابة وبالتالي الحصول على اجر لتلك الكتابة؟

كيف تأتيهم افكارهم التي يكتبون عنها، كيف يتعاملون مع ازدحامها في اذهانهم، هل توجد لديهم اشارات ضوئية مثلا تنظم تلك الافكار وظهورها على سطح الورقة، هل يحدث التصادم بين فكرة واخرى على اسبقية المرور والعبور وبالتالي الكتابة، من اين يستمد الكاتب اصلا تلك الافكار، هل هي جديدة، ام انها قد اشبعتها كتابات سابقة، ماهي اوجه الجدة والابداع فيها، الى اي فئة من الافكار تنتمي، الصحيحة ام الخاطئة، الخيرة ام الشريرة، الرشيقة ام المترهلة؟ ويمكن ان نطرح العشرات من الأسئلة ولا نتوقف، لان الأفكار تتوارد الى الذهن لحظة الكتابة حتى دون مجهود سابق.

يمكن الحصول على الافكار من اسواق معينة، واسمح لنفسي ان اسميها كذلك، على اعتبار ان الافكار مثل السلع تتوزع في اماكن متعددة، وانها تخضع لاشتراطات العرض والطلب، التي يحددها جمهور القراء، او المكان الذي يعمل فيه الكاتب، تبعا لاستقلاليته او عدمها، ولو ان الاستقلالية تخضع ايضا بالمحصلة النهائية الى متطلبات التسويق التي يضعها سوق المنتج للإعمال الكتابية (قصة – مسرحية – رواية – شعر – دراسة – مقالة).

هذه الاسواق التي اتحدث عنها يمكن ان تكون (حلقات الاصدقاء – سيارة النقل – التلفزيون – المطالعة – الباعة في الاسواق - المقاهي) او اي مثير اخر.

كاتب السطور يعاني من زحمة في الافكار في احيان كثيرة، ومن قلتها او انعدامها في احيان اخرى، وهو المطالب بستة مواضيع اسبوعيا، ثلاثة منها محددة سلفا، لكن الصعوبة تكمن في الثلاثة الاخرى المتبقية، والتي تكون محل صراع لا يهدأ حتى التوقف عند فكرة معينة والشروع في العمل عليها.

احيانا وحتى بعد الشروع، يجد الكاتب نفسه وقد ذهب الى فكرة غير التي بدأ بها، وهنا يجد نفسه قد استولد فكرة جديدة، يحاول اللحاق بانهيالها عليه، ولا تستطيع سرعة أصابعه على الكيبورد ان تلاحق جريانها في ذهنه.

ما الذي يطلقه العلم على هذه الحالة ؟ تسمية (تداعي الافكار) وتعني:

(توارد الافكار وتتابعها في مجال التصور والشعور - ارتباط الأفكار في الدماغ مع بعضها، بحيث عندما تثار فكرة معينة، تلحقها الأفكار المشابهة ، أو التي تتعلق بها).

هل يمكن تنظيمها؟ يمكن ذلك الى حد معين، لكنك لن تستطيع الاستمرار بهذا التنظيم مهما تكن صارما، ففي لحظة واحدة تهاجمك الافكار بكل قوة كالأشباح التي تظهر في الليل وانت في منتهى العزلة والوحدة، ولا مفر منها.

ستعود الى حالة الزحمة والارتباك، وحتى كل اشارات العالم الضوئية لا يمكن لها ان تنظم مرور تلك الافكار في ذهنك وعبر سطوح الورقة، الحقيقية او الافتراضية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/آب/2014 - 10/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م