الأزمة العراقية ودور مراكز الدراسات

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: منذ العام 2003 يتصدر العراق وما يحدث فيه جميع العناوين، رغم الاختلافات السياسية او الايديولوجية او الثقافية للمهتمين.. ولا يقتصر الامر على احداثه السياسية فقط، انه يمتد الى الاقتصاد والثقافة، وحتى الرواية العراقية اخذت نصيبا من هذا الاهتمام.

قد تطرأ احداث معينة تزيح الشأن العراقي الى درجات ادنى في سلم الاهتمامات، الا ان الاهتمام به يعود مجددا عند الحديث عن امريكا، جمهورية او ديمقراطية، وعند الحديث عن ايران ونفوذها الاقليمي، وعن تركيا وصراعها مع الاكراد، وعن السعودية وعدائها للشيعة، وعن سوريا وتبادل التاثير بينها وبين العراق، وعن لبنان واستعصائه الرئاسي، وعن الاردن وتوازناتها الصعبة، وكأن العراق في امتلاكه لاهتمام الاخرين كبندول الساعة يتمايل يمينا ويسارا.

منذ العام 2003 والعراق يعيش ازمته، وهي ازمة مستدامة، تختلط فيها طموحات الكرد القومية، وانكسار دور السنة التاريخي، وصعود الهوية الشيعية، وهي بمحصلتها ازمة قابلة للانفجار في كل وقت، رغم مايبدو من هدوء نسبي احيانا على السطح، الا انه هدوء عابر غير مقيم، الا بمقدار التحضير لعاصفة جديدة.

كان يمكن وهو افتراض بحكم التمني، ان تقوم تلك (الطموحات – انكسار الدور – صعود الهوية) بمعالجة تازماتها ومحاصرة الحرائق التي تشعلها خطوات اللاعبين السياسيين، وهم يلعبون بالنار فيما بينهم.

لم يحدث ذلك، لاسباب عديدة استفاض الكثير من الباحثين في ايرادها مورد البحث والتفسير والتعليل، وربما يكون غياب مراكز البحوث والدراسات عن الساحة سببا من تلك الاسباب التي قادتنا الى ماوصلنا اليه.

فمراكز الدراسات والابحاث، بما يمكن ان تقدمه من مقاربات جديدة للمشاكل والمعوقات في بلد مثل العراق يعيش مرحلة تحولات كبرى، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، يمكن ان تسهم في بلورة الحلول الصحيحة لتلك الازمة المستدامة، بجميع تجلياتها في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

تلك القضايا وغيرها كانت مدار الحوارات في ملتقى النبأ الاسبوعي، وبدأ الحديث مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، معتبرا بشكل عام ان جميع الحروب التي اندلعت، او ستندلع مستقبلا هي عبارة عن (خيرات) دائمة للحكام الذين يوقدون نيرانها، وهم بارعون كذلك في خلق الازمات التي تقود للحروب والنزاعات والتي تعطيهم مبررا للبقاء في الحكم..

انهم يذهبون بعيدا في الاستماع الى صيحات ونعيق الراي العام الذي شكلوه بشعاراتهم من الطبقات المسحوقة والهشة والمهمشة في المجتمع، وبالتالي بدلا من تحقيق مصالح تلك الطبقات والارتقاء بواقعها يقومون بزجها في حروبهم، ليصبحوا وقودا لنارها المستعرة.

هؤلاء الحكام ومن خلال التجارب التاريخية، يعانون من فقدان التوازن وفقدان الايمان بالله واليوم الاخر، لذا تراهم لايخافون وهم يلحقون الاذى بالاخرين.

مايقوم به هؤلاء الحكام واستغلالهم تلك الطبقات المسحوقة لمصالحهم، من خلال زجهم في حروبهم العبثية انه يشبه لعبة الروليت الروسية، وهو نوع من الحظ المميت، بسبب تلك الاطلاقة الواحدة، حيث يذهبون في رهاناتهم لتحقيق مصالحهم الى الحدود القصوى من خلال اطلاق تلك الرصاصة الوحيدة.

 يضيف معاش وهو يكمل شرحه لما يدور حولنا ان القرنين الاخيرين شهدا الكثير من الصراعات في مناطق النفوذ الاستعمارية دفاعا عن مصالح الاطراف المتنازعة، والتي تتمثل ب (الموارد الاولية – الاسواق الجديدة)، وفي مناطقنا الملتهبة استفادت تلك الدول من دراسات الاستشراق الاوربي الذي كشف نواقصنا وعيوبنا امامهم واستطاعوا من استغلال ذلك، وتطبيق نتائج تلك الدراسات عمليا على مجتمعاتنا.

كيف يمكننا الخروج من تلك الازمة المستعصية التي تعيشها مجتمعاتنا ودولنا والعراق تحديدا؟

يطرح معاش هذا التساؤل ويجيب عليه بقوله:

كاصحاب مراكز بحثية لا يجب ان يقتصر دورنا على توجيه الانتقادات للاخرين، بل يجب علينا ارتياد افاق جديدة ومقاربات مبتكرة، فالغالبية من الناس لا يعرفون طبيعة الازمة التي نعيشها ونمر بها.

يجب علينا من خلال مراكز الدراسات والبحوث ان نصنع بيئة آمنة يمكن العمل من خلالها على ممارسة التغيير، ويجب معرفة كيف نفعل ذلك، كما فعلته الكثير من الدول.

يعتقد معاش، ان صاحب القرار السياسي ومن خلال مراكز الدراسات يمكن له ان يقوم بذلك عبر سياسة تصفير الاعداء وتكثير الاصدقاء، والتأكيد على نبذ العنف، والحروب والتحشيد الطائفي.

يشترك الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في هذا الحوار مذكرا بان الطبقات المهمشة والمسحوقة في مجتمعاتنا قابلة دوما على انتاج تلك التنظيمات المتطرفة، والتي توجه نقمتها الى الحكومات، مما يؤدي بالحكام الى حرف مسارات تلك النقمات وتفريغها عبر حروب خارجية عبثية تشغل الناقمين عليه، او انه يقوم بمقاتلتها في لعبة من التدمير المتبادل.

يضيف العرداوي، ان ما يشهده العالم من عجز وتراجع في مطلع القرن الواحد والعشرين هو نفسه العجز والتراجع الذي شهده في القرن العشرين، فبعقة الدم الاوربية في اوكرانيا هي نفسها بقعة الدم في صربيا قبل الحرب العالمية الاولى.

اين يمكن ان نصل؟ يتساءل العرداوي، ويجيب بقوله الى اللامكان او عدم الوصول، وهذا يستدعي من صاحب القرار السياسي ان يستفيد من مراكز الدراسات والابحاث، وهذه المراكز عليها قبل ذلك ان تكون ملمة بعدد من النقاط الجوهرية للانطلاق منها وهي: (الطبيعة الجيوبولوتيكية للعراق– طبيعة النخبة السياسية ونمط تفكيرها - تركيز المشروع السياسي على الداخل وليس الخارج - جذب المكونات بشرعية المشروع السياسي). وقبل هذا يجب توفير البيئة الامنة لمراكز الابحاث تلك حيث بامكانها الابداع في تلك البيئة.

ولاجل توفير مثل هذه البيئة، على مراكز الدراسات ان تاخذ في نظر الاعتبار (الموقع الجغرافي للعراق ومايفرضه من تحديات عليه – طبيعة البلدان المجاورة وسياساتها – طبيعة المصالح التي تحرك كل طرف–  طبيعة النخب السياسية التي تتعاطى مع الملفات الخارجية والداخلية).

يختم العرداوي كلامه بالقول: ان صانع القرار السياسي يشعر بحكم ثقافته العشائرية انه بحاجة الى (مهوال) يهتف له وليس الى صاحب فكر او قلم يصحح له افعاله.

نحن بحاجة الى نمط جديد من المعرفة يتخطى حاجتنا الى الثقافة التقليدية، وهذا يمكن ان تقدمه مراكز الدراسات والبحوث في عملها اذا امتلكت الاليات اللازمة لذلك.

في مداخلته على الكلام السابق يرى علي الطالقاني مدير ادارة المؤسسة ان المراكز البحثية المستقلة هي اشبه بحديث خرافة في بلداننا ومنها العراق، على العكس من امريكا واوربا التي تتمتع فيها تلك المراكز البحثية بالاستقلالية في التمويل والادارة والبحث العلمي.

وان مراكز دراساتنا ومع ما تعانيه من مشاكل الاستقلالية والتمويل، فانها غير ملمة بالواقع المجتمعي للعراق، والذي يفترض ان تكون كذلك فيه..

يعتقد الطالقاني ان هناك طريقان لتفعيل دور مراكز الدراسات في بلدنا من خلال توفير الدعم الحكومي غير المشروط لها باشتراطات سياسية او جهوية، مع تشجيع الاموال الخاصة للاستثمار في تلك المجالات البحثية، لتربية كوادر جديدة وضخ دماء نشيطة فيها.

يرى عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث، وجوب نقد الذات اولا،  ضمن انتقاد الاخرين. وعدم العيش ضمن قوقعة اجتماعية أوسياسية. يجب على مراكز الدراسات ان تكون عاملا مؤثرا وفاعلا في صنع الاحداث التغييرية الكبرى في مجتمعنا والا يقتصر دورها على  التاثر بالاحداث الانية.

ويرى الصالحي ان الاستقلالية التي يتم الحديث عنها كشرط رئيسي لابداع المراكز البحثية، ليست عدم الانتماء بل هي عدم ادلجة هذا الانتماء.

ويتساءل الصالحي في ختام مداخلته، هل بامكاننا صناعة سياسي مستقبلي يعرف ما يدور حوله ويتخذ القرارات الصحيحة، وهل يمكننا تهيئة كوادر من مراكز الدراسات تستطيع ان تمارس الحكم ومسؤولياته التنفيذية وتتفوق فيه؟ اطمح الى ذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/آب/2014 - 7/شوال/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م