مأساة التركمان.. تكشف مظلومية الشيعة في العالم

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: قارن بعض المراقبين بين التضامن الدولي مع قضية العوائل المسيحية النازحة من الموصل، وبين نظرائهم في النزوح من العوائل الشيعية من تلعفر ومناطق اخرى شهدت وما تزال حرباً ضروس بين قوات الجيش وسرايا المتطوعين، وبين عناصر "داعش"، وكانت حصيلة المقارنة تفاوت في كبير في التضامن الاعلامي والجماهيري وحتى الرسمي مع العوائل المسيحية اكثر مما حُظيت العوائل الشيعية، وهي الآن بالآلاف، مع إدراكنا أن الوقت ليس للتفاضل إنما للتكافل والتعاون لاستيعاب هذه الازمة الانسانية المريعة، بيد ان المطالبة بالمزيد من الدعم والتضامن لجميع النازحين، هو ما يجب ان ينهض به الجميع.

بدايةً، لابد ان نعرف أن مسألة التضامن والدعم مع أي قضية كانت، ليس بالضرورة ان تستند الى قاعدة انسانية وعاطفية، وإلا فان هنالك شعوباً في العالم واجهت وما تزال مآسي مريعة بسبب الحروب والمعارك الاهلية، فكانت المجازر والابادة الجماعية والتشريد وغيرها، كما حصل في البوسنة وفي رواندا وفي بلاد اسلامية عديدة.

وآخرها وليس بأخيرها ما يجري في قطاع غزة، ففي الى جانب العشرات من الشهداء الفلسطينيين، يسقط من الجيش الاسرائيلي العديد من القتلى، سواء خلال عمليات القتال او بسبب انفجار الصواريخ الفلسطينية، لكن هل بوسع اليهود (الإسرائيليين)، الاستفادة من اجواء الحرب الدائرة لكسب تضامن المجتمع الدولي وشعوب العالم لما يمكن ان يصفوه بأنها مظلومية لليهود..؟! بالطبع كلا؛ لان العالم يعرف انهم السبب الرئيس في اشعال فتيل الحروب والفتن، وعدم قدرتهم في العيش مع الآخرين، سواء في فلسطين المحتلة، او اي مكان آخر.

أما بالنسبة للمسيحيين فان الخطاب المعروف عنهم في العالم أنهم "رموز السلام"، و"دعاة المحبة.." وغيرها من المفردات الايجابية المحببة الى النفوس، ومن ثم فهم ليسوا مثيري الحروب والفتن في العالم. وهنا يأتي دور التخطيط والبرمجة لنشر هذه الصورة في العالم من خلال وسائل الاعلام والسينما والمسرح وخلق المناسبات الاجتماعية التي تشجع على الحب ونبذ الكراهية، مثل "عيد الحب" وغيرها.. وتكون الفكرة اقرب الى الاذهان واكثر تفهماً عندما يكون المسيحيون في بلادنا أقلية، عندئذ تتشكل صورة لمظلومية خاصة دون الصور والمشاهد الاخرى، فهؤلاء يكونوا ضحايا العنف والارهاب في بلاد المسلمين، بما ليس لهم أي صلة او علاقة به، الامر الذي يستدعي الاسراع في انقاذهم من محن التشريد والتهديد بالموت قبل الآخرين!.

من هنا نفهم، ان السر في الاحترام الذي يحظى به المسيحيون في المنطقة وسط الازمات السياسية، مردّه الى الصورة الايجابية المنتشرة في الاذهان. يكفي ان يتحدث البعض عن الاوضاع الجيدة التي يعيشها اللاجئون من دول المنطقة في اوربا وامريكا، ويقارن بين وضع العراقي والمصري والسوري هناك، ووضع المسيحي في هذه البلدان تحديداً وبلدان اخرى.

وبعد هذا، لنتساءل؛ كم هي حجم الصورة الايجابية الموجودة في العالم عن الشيعة؟، وهل وصلت قضاياهم وأفكارهم، بل وحقيقة ما يجري حولهم وضدهم الى اهل العالم؟.

هناك إيحاء نفسي، وأحياناً قناعة راسخة لدى البعض من المثقفين والكتاب، بل عموم شريحة النخبة في المجتمع، بان المسلمين وتحديداً، الشيعة يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية عما يجري، ولا فرق عندهم في هؤلاء، سواء أكانوا اطفالاً أم نساءً أم شيوخ ومرضى وناس عاديون.

لنأخذ العلاقة بين الشعوب والحكام.. فهناك جدل واسع غير محسوم – للأسف- حول السبب في التدهور والانهيار في المجتمع والاقتصاد والسياسية في بلادنا، البعض يتهم الحكومة والساسة، وآخرون يحملون الشعب المسؤولية الكبرى للحديث الشهير: "كيفما تكونوا يولّى عليكم"، وأن السلطة والحكومة انما تصدر من رحم الجماهير، لذا فان الازمات الامنية التي يتسبب بها هذا المسؤول او ذاك، يتحملها الشعب الذي جاء بهذا المسؤول الى مكتب الرئاسة او الزعامة!.

بينما لنلاحظ الشعب الكردي الذي نراه اليوم يستوطن أرض خصبة وثرية بالزراعة والمعادن في العراق، ويرفل بقدر لابأس به من الاستقرار، فانه هو الآخر تنطبق عليه "كيفما تكونوا يولّى عليكم". فقد زُجّ في حروب اهلية ضروس، ثم تعرض لمحنة التشريد والتغرّب في البلدان، لكن لا أحد يتهم هذا الشعب بانه هو الذي جاء برموزه وقادته، سواءً في الجانب العشائري متمثلاً في حزب مسعود البارزاني، او في الجانب الاكثر وعياً وثقافة، متمثلاً في حزب الطالباني. إنما الجميع تتضافر جهودهم لنشر قضيتهم ومعاناتهم عبر العالم، ولديهم الشواهد الحيّة والنابضة عن تلك المعاناة، مثل مأساة حلبجة، ومأساة الانفال وغيرها.

لكن ماذا عن قضايا الشيعة؟!.

كم من قضية عادلة.. ومأساة حقيقية ومظلومية مدوية تعرض لها الشيعة في العقود الاخيرة على الاقل؟، ثم كم حجم التفاعل في العالم مع هذه القضايا والمحن؟.

يبدو ان نمط تفكير البعض لدينا، بان الشيعة والسكان المنكوبين في هذه المدينة او تلك، يتحملون مسؤولية ما يقع، وهو ما يترك اثره على الموقف والمبادرة والبحث عن الحلول، ترك اثره على الذهنية غير الشيعية وغير المسلمة، فالتركمان الشيعة – مثلاً- اصبحوا من حيث ارادوا أم لا، جزءاً من الحرب الطائفية في العراق، هذه الافتراضات والايحاءات هي التي تهمش قضايا التشيع في العالم، وتفرغها من محتواها الانساني، ثم تضفي عليها مزيداً من المظاهر السياسية، والعالم اليوم، لا يتضامن مع القضايا السياسية بقدر ما يتضامن مع قضايا الطفل والمرأة والجرحى والمعوقين والايتام والارامل والمحرومين من التعليم والغذاء السليم والمكان الصحي.

وللحقيقة نقول: ان المعاناة التي يعيشها التركمان الشيعة في العراق، والجرائم الفظيعة التي ارتكبت ضدهم، لا تحسب كجرائم إبادة انسانية في العالم، إنما هي قضية داخلية خاصة بالعراقيين وحكومتهم ومشاكلهم السياسية، وهذا الاستنتاج له تمهيد من بعض الشيعة، فضلاً عما نتوقعه من أن يكون الشيعة في العالم مصدر إلهام وقوة وتماسك لما لديهم من تراث حضاري وعقول وقدرات هائلة.

فاذا اردنا ان يكون هنالك صدىً واسعاً لمأساة النزوح الجماعي للتركمان الشيعة، ودعم وتضامن لما تعرضوا له من تصفيات دموية وسلب ونهب، لابد من عمل جماعي – شيعي عبر العالم، وليس فقط في العراق، كما يكون الامر كذلك للشيعة في البحرين وفي السعودية ولبنان وفي أي مكان آخر في العالم. بحيث يفهم العالم أن الشيعة ليسو الحلقة الأضعف في معادلة الصراع السياسي الذي تديره اطرافاً اقليمية ودولية، بل العكس، فهم الحلقة الاقوى والاكبر الاكثر تأثيراً على الحدث والمستقبل، فاذا كان العالم يريد رؤية الاستقرار والامن في المنطقة بما يضمن مصالحه الاقتصادية، فان الشيعة يشكلون حجز الزاوية في مدى تحقيق هذا الاستقرار والامن الذي ينعكس على المحيط الاقليمي والدولي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/تموز/2014 - 28/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م