الصبر طريق النجاح

أسحار رمضانيّة (٩)

نزار حيدر

 

 {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

 هذه الآية تقرر معادلة في غاية الأهمية، وهي: انّ فعل السوء بجهالة فقط والتوبة منه بلا إصرار، والمشفوع بالإصلاح والوعد بعدم تكراره والعودة اليه مرة اخرى، تكون نتيجته المغفرة، ما يحثُّ على عدم اليأس، والاّ فالعكس هو الصحيح.

 انّ اليأس من رحمة الله تعالى هو السهم القاتل الذي يصيب الأمل، واذا مات الأمل في حياة الانسان تحوّل الى ميّت الأحياء، كما يقولون، فاليأس هو السبب الحقيقي لانزلاق الانسان في المهاوي السحيقة، فعندما يخطئ المرء ثم يتصور ان لا مجال أمامه للتوبة، فسيكرر الخطأ تلو الخطأ حتى يصل الى مرحلة الياس الذي يدفعه لارتكاب الجريمة ولسان حاله قول الله عز وجل {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} لان اليأس يدفع بالإنسان الى ان يستمرئ الخطأ الذي يتضخّم ليتحوّل الى جريمة، فيكون مصداقا لقول الله عز وجل {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}.

 ان اليأس يسبب الفشل، لان النجاح يحتاج الى مثابرة والى استقامة وإصرار وعزيمة حتى تحقيق الهدف، وان مع الياس تختفي كل هذه المفاهيم في حياة الانسان، ولذلك لم نجد ناجحا في العالم وفي التاريخ أصابه الياس في اية مرحلة من مراحل حياته، والا لما كان يصرّ ويصبر ويواصل حتى تحقيق ما كان يصبو اليه، فهذا رسول الله (ص) صبٓرٓ على مضض الطريق بالرغم من كل التحديات والمواجهات بشتى اشكالها، حتى انزل الله تعالى عليه النصر فقال تعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} بل نجد ان القران الكريم يتحدث عن لحظة ما قبل الياس كموعد لتحقيق النصر، فيقول تعالى {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} ليظلّ المرء صابرا ومستقيما ويقِضاً ليواصل طريقه بكل إصرار ومثابرة، فلا ينقلب على عقبيه في لحظة من اللحظات الحاسمة، كما لا يغيّر او يبدل بمجرد ان تتصدى لمشروعه الأمّعات والمطبّلين والمزمّرين والنفعيّين.

 ولخطورة الياس فقد حذر منه القران الكريم ومدرسة اهل البيت (ع) كثيرا جدا، فقال تعالى {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} اما أمير المؤمنين (ع) فيقول {قٓتٓلٓ القنوطُ صاحِبٓهُ}.

 ان الياس يكون في احيان كثيرة ذريعة للهرب من المسؤولية او لتبرير الفشل، ولذلك فان الآيس إما انه لا ينوي النجاح او انه أعجز من ان يحققه فتراه يرمي بنفسه على اليأس عند اول مواجهة.

 هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان عدم يأس المرء وهو يواصل مشواره لتحقيق الهدف، دليل واضح على صدقه وإيمانه ويقينه بقضيته وهدفه، ولذلك تراه يتحمل كل شيء من اجل تحقيق الهدف، ولو كان كاذبا او مترددًا او خائفا او آيسا لما تحمل كل شيء من اجل ما يصبو اليه، فهذا الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، الذي ضرب اروع الأمثلة في الصمود فتحمّل السجن اكثر من ربع قرن على ان ينطق كلمة واحدة يعبّر فيها عن تنازله عن حق شعبه وقبوله بالعبودية، فما الذي دفعه الى كل هذا الصبر والصمود اذا كان آيسا من قضيته؟ وما الذي دفعه لطرد الياس اذا لم يكن صادقا مع نفسه ومع قضيته ومع شعبه؟.

 ان الصبر نتاج عدم الياس، والأخير نتاج الصدق، ولذلك قال أمير المؤمنين (ع) {فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الاِْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلاِيمَانِ عُودٌ} فمصداق الصدق لا يتحقق مع الياس ابدا.

الشجرة الخبيثة

أسحار رمضانيّة (١٠)

 {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}.

 قد يكون مصداق هذه الاية المباركة اليوم بعض الأنظمة الشمولية التي تصدّر النٓكِد من الخير للعالم، والكثير جدا من الشر، خاصة للعالمين العربي والإسلامي، الشر المتمثل بإنتاج ورعاية وتصدير جماعات العنف والإرهاب، او رعايتها في مناطقها حتى يقوى عودها فتقف على قدميها لتبدأ بممارسة القتل والتدمير والذبح والتفجير وإرعاب الأبرياء ونشر الفوضى.

 ولعل من ابرز مصاديق الآية اليوم هو نظام القبيلة الفاسد الحاكم في دول الخليج، وخاصة في الجزيرة العربية وقطر، وعلى الخصوص الاول الذي ظلّ يفيض منه الشر على مدى ثلاثة قرون تقريبا، وذلك بسبب كونه نظاما خبيثا لا يمكن ان ننتظر منه الا الخبث.

 ان كل الدراسات المتخصصة التي كُتبت عن هذا النظام الجاهلي البدوي الفاسد، سواء العربية منها او الاسلامية او العالمية، أكّدت على انّه المنبع الاول لكل فساد شهده العالم العربي والإسلامي، سواء على الصعيد الاقتصادي او السياسي او الدبلوماسي في العلاقات العامة او حتى على الصعيد الأمني والعسكري، ليتوّج كل ذلك بدوره في رعاية الإرهاب، منذ تأسيس أوّل تنظيم إرهابي في أفغانستان بداية العقد الثامن من القرن الماضي ولحد الان.

 وليس في ذلك ايّة غرابة، فالسلطة التي تقوم على أساس القتل والتدمير، وعلى أساس الغزو والغارات والذبح واللصوصية، وعلى أساس التكفير فتحكم على كل من لا يدخل في طاعتها بالكفر والشرك والارتداد، وعلى أساس التحالف مع واحدة من أسوأ الاحزاب (الدينية) والمسمى بالحزب الوهابي الذي اعتمد الثنائي (القتل والتدمير) لنشر مبادئه الهدّامة، ان مثل هذه السلطة ومثل هذا النظام لا يمكن ان يُنتج غير الشر ليصدّره للعالم، وقديما قيل (وكلّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ) ولذلك يمكن القول وبكل ثقة، ان مصدر كل المشاكل التي تمر اليوم على بلداننا، هو نظام القبيلة الفاسد الذي يغذّي العنف والإرهاب والكراهية والحقد وثقافة الغاء الاخر والنعرات الطائفية.

 انه يرعى اليوم العشرات من الفضائيات الطائفية التي تغطي سماءنا بغيوم الكراهية والتكفير، كما انّه يرعى عدة اخرى من هذه الفضائيات التي تضلّل الرأي العام من خلال الاخبار الكاذبة والصور والأفلام المفبركة وتغيير المفاهيم والمصطلحات والعبارات، من قبيل وصف الارهابيين في العراق وجرائمهم البشعة بثورة السنّة، وكأنّ سنّة العراق لم يجدوا سوى هؤلاء الارهابيين المتخلفين للتعبير عن مصالحهم ومطاليبهم!!!.

 ان النّبتة الخبيثة التي انتجت (آل سعود) و(الحزب الوهابي) هي التي تُنتج اليوم كل هذا الشر، وهو امر طبيعي جدا، كما يعبّر عن ذلك القران الكريم في الاية الشريفة اعلاه، عندما حصر انتاج مثل هذه الأنظمة الخبيثة (النكِد) من النبات الطيب في كلمتين هما (لا و إلّا) وصدق الله تعالى عندما حدّثنا عن مثل هذه النبتة والشجرة الخبيثة بقوله {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } وشتّان ما بينها وبين الشجرة الطيبة التي حدثنا عنها القران الكريم بقوله {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. }.

 ان الجزيرة العربية بلد طيب اختاره الله تعالى ليكون مهبط الوحي والتنزيل، والنبوّة الخاتِمة، فمنه انطلق نور الرسالة الانسانية الخالدة، ومنه انطلقت مدرسة اهل البيت (ع) ومنها شع نور القران الكريم على الكون، فلماذا يتركها المسلمون اليوم بيد نظام القبيلة الخبيث الذي استبدل نور القران بظلمة الجهل والتخلف؟ والرحمة المهداة بالعنف والإرهاب؟ والحب بالكراهية؟ لماذا لا يتعاونون لإسقاط هذا النظام الخبيث وإعادة الجزيرة العربية الى سابق عهدها كما أرادها الله تعالى، بلد النور والهداية والعلم والحب والتعاون على البر والتقوى؟ ومصدر القيم الانسانية والتعايش؟.

 كما ان على المجتمع الدولي ان يرفع يده عن نظام القبيلة الفاسد، ليلقى مصيره على يد شعبه وبدعم وإسناد شعوب العالمين العربي والإسلامي، فلا ينظر الى مصالحه الاستراتيجية بعين ضيّقة وأنانية، فإذا كانت هذه النظرة تحميها لحين، فإنها سوف لن تحميها كل حين، فالارهاب الذي منبعهُ نظام القبيلة والحزب الوهابي سيصل الى المجتمع الدولي إنْ عاجلا ام آجلا، ففي ظل نظام العولمة لا معنى لمفهوم الأمن القومي بالطريقة والأسلوب الكلاسيكي القديم، ابدا، فإما ان يسلم المركب وأهله كُلّهم، او لا يسلم احد.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/تموز/2014 - 16/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م