في التغيير الذاتي.. فرص عمل في المائدة الرمضانية

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: ما أن يطرق مسامعنا "المائدة" في شهر رمضان المبارك، حتى يتبادر إلى أذهان البعض، أصناف المأكولات والمشروبات التي تصطف في موائد الإفطار الجماعي في ليالي هذا الشهر الكريم، وهي سنّة حسنة وجميلة للغاية، تبعث في النفس شعوراً بالارتياح، حيث يجتمع الصائمون من كل فئات المجتمع في مكان واحد. وثمة سنّة حسنة تضاف إلى هذه الموائد، وهي تخصيص وجبات غذائية أو ما يعرف بـ "السلّة الرمضانية" التي تقدمها بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية إلى العوائل ذات الدخل المحدود.

هذا العطاء الكريم في هذا الشهر الكريم، يمثل نسمة لطيفة تهب على وجوه العاطلين عن العمل وذوي الدخل المحدود، لكن ماذا عن تأثير هذه النسمات الخفيفة على واقع هؤلاء العاطلين وايضاً الطبقة المستضعفة والفقيرة في المجتمع؟.

ان شهر رمضان المبارك يمكن أن يتحول الى فرصة ذهبية لمعالجة ظاهرة الفقر والبطالة بشكل علمي وممنهج، فما الذي يمنع الميسورين وأصحاب الأيدي البيضاء من أن يسهموا في ايجاد فرص عمل بما توفر لقمة العيش، كما يسهموا في توفير مائدة الافطار لعشرات بل لمئات الصائمين؟.

سماحة الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- في كتابه "شهر رمضان فرصة للبناء والتقدم"، يضيء لنا طريق استثمار هذا الشهر الكريم لمعالجة ظاهرة الفقر والبطالة، ولو أن سائر الشهور ربما تضم فرصاً كثيرة في هذا المجال، بيد ان أجواء شهر رمضان ربما تدفع إلى الاسهام في هكذا عمل عظيم ذو ابعاد اجتماعية واقتصادية بل وحتى سياسية. وهناك مثل معروف يقول: "اعط الصياد ديناراً تعطه غذاء يومه، واعطه شبكة تعطه غذاء العمر".

ولا ننسى ما للبطالة من آثار مدمرة على الإنسان نفسه أولاً، ثم على المجتمع، وعلى البلد بأكمله، وفي الوقت نفسه ينبه سماحته إلى مآل خطير للبطالة على البلد، وهو "هدر الطاقات والقدرات بلا مبرر.."، وهذا بحد ذاته يؤكد الحاجة إلى برمجة وتخطيط لتوفير فرص العمل والاستفادة ما أمكن من القدرات الذهنية والعضلية في المجتمع بالاستفادة من فرصة شهر رمضان.

وبما أن قضية البطالة، من المشاكل المعقدة والشائكة في جميع انحاء العالم، وحلها يحتاج إلى تظافر جهود وتوفر شروط وعوامل عديدة، فان سماحة الامام الراحل يرى البداية في حلول أولية كخطوة أولى على الطريق، وهي إطلاق أسبوع واحد في شهر رمضان المبارك على تحت اسم "اسبوع العمل"، كما هو الحال في "اسبوع الشهداء أو اسبوع النظافة أو اسبوع الصحة.. الغاية من تحديد هذا الأسبوع هو لفت الأنظار إلى المشاكل التي تواجه المجتمع من خلال ظاهرة البطالة وطرح السبل الكفيلة لحل هذه المعضلة، فلابد ان تشكل لجان لهذه الغاية؛ منها تقوم بأعمال التوعية لحث العاطلين عن العمل، وحثّ أرباب العمل على توفير مستلزمات العمل لهؤلاء العاطلين. ولجان اخرى تقوم بتوفير السيولة المطلوبة و الرأسمال المطلوب والضروري لتوفير الأنشطة الاقتصادية لهؤلاء العاطلين. ولجان اخرى تقوم بتوفير أماكن العمل من مصانع ومتاجر يجد فيها العاطل عن العمل مناله الذي يطمح إليه، وبهذه الطريقة يمكن لهذه اللجان ان تنقذ ملايين العوائل من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة".

نحن نلاحظ مشاريع توزيع المساعدات العينية والمادية للعوائل المتعففة في معظم بلادنا الاسلامية، ولاسيما في العراق، وهو امر حسنٌ ومطلوب، لكن لنلاحظ ايضاً الفرق الشاسع بين أدوات منزلية وكهربائية استهلاكية، - مع أهميتها- وبين ماكنة خياطة – مثلاً- بامكانها ان تنتج اكثر مما تستهلك..؟ هذا بالنسبة للمرأة الارملة والمعيلة لاطفالها، كذا الحال بالنسبة لرأس المال لشاب مقبل على الزواج او معيل، يتمكن بها ايجاد فرصة عمل ولو بسيطة يرتزق بها ويخرج من مستنقع البطالة القاتل.

أما اذا اردنا حقاً حلولاً جذرية لهذه المعضلة، فاننا بحاجة إلى قرارات وإجراءات على مستوى الدولة، يحددها سماحته في أمرين:

الأول: العدالة في توزيع الثروة.

الثاني: تحطيم القوانين الكابتة للحريات، وإزالة المعوقات عن طريق النشاط الاقتصادي.

طبعاً؛ لابد من التذكير أن الخطوات الاولية والبسيطة التي مر ذكرها، تمثل بالحقيقة تمهيد الطريق لاتخذا هكذا خطوات جذرية واساسية، فالمطالبة بالعدالة في توزيع الثروة، أو إزالة العقبات أمام حرية العمل والابداع والانتاج، يعني أن لدينا شريحة لا بأس بها من حملة الهمم العالية ومن خبرته الاسواق وورش العمل، وإلا ما الفائدة من حرية العمل ووجود الاموال الطائلة والثورات، لكن دون وجود التجارب والخبرات الكافية لاستثمار هذه العوامل الاساس للعمل والانتاج..

واكثر من ذلك، فان خطوات من قبيل الترويج لثقافة العمل انطلاقة من الاحسان والانصاف وتوفير أماكن او ورش عمل تفتح نوافذ الابداع والابتكار امام الشباب، وتوفير السيولة النقدية بالقدر الممكن، وغيرها كثير، من شأنها ان تفرض نفسها على النظام الحاكم، حيث من المعروف أن معظم أنظمتنا السياسية تقف عاجزة امام مشكلة البطالة وانتشار الفقر، لأسباب أهمها وأبرزها انتشار الفساد الإداري والمالي، وايضاً ارتباطها بمؤسسات مالية دولية او شركات نفطية واستثمارية عالمية، بل حتى بمصالح دول كبرى، الأمر الذي يدفعها لترحيل هذا الملف إلى وقت آخر، او تهميشه إلى الابد، فتأتي الخطوات المتخذة من مؤسسات خيرية وجمعيات مهنية وأطراف اجتماعية ودينية من داخل كيان البلد، لتشكل ما يشبه دوائر الضغط أو "اللوبي" على الجهاز الحاكم وفرض الأمر الواقع وإجبار الجهاز الحاكم على تغيير سياساته والتفكير أكثر مرة بمصالح الشعب قبل التفكير بمصالحهم الخاصة.

ورب سائل يسأل: هل حقاً كل هذا يمكن ان يحصل خلال شهر رمضان المبارك؟

التخطيط والبرمجة لمكافحة البطالة والفقر، ليس بالضرورة يعني زجّ الناس في العمل في أوقات الصوم وتحت الشمس الحارقة.. إنما الاستفادة من الأجواء الروحانية – الرمضانية التي تدعو إلى السكينة والاستقرار والتوجه إلى العبادة وتنقية النفوس وتطهير القلوب، لتوفير الاستقرار النفسي والاطمئنان القلبي لدى الإنسان على حاضره ومستقبله، فتكون الفائدة اثنتين: معنوية بين الإنسان وربه، ومادية بين الإنسان وأفراد المجتمع، بل وفي علاقته ببلده ووطنه.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/تموز/2014 - 13/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م