إسرائيل والحرب الاستباقية لتفجير الشرق الأوسط

 

شبكة النبأ: اختفى الشبان اليهود الثلاثة في 12 حزيران أثر خطفهم من الضفة الغربية المحتلة من الجانب الإسرائيلي، ثم عثر عليهم مقتولين في 30 من الشهر نفسه بالقرب من مكان خطفهم، وقد قامت الحكومة الإسرائيلية بحملة واسعة من القصف والاعتقالات استهدفت الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأدت الى مقتل واعتقال العشرات، فيما قامت فصائل المقاومة الفلسطينية بقصف المستوطنات والمناطق الإسرائيلية بالصواريخ وقذائف الموترز.

في اليوم التالي قام متطرفون يهود بخطف فتى فلسطيني (16 عام) وحرقه وهو حي، بحسب النائب العام الفلسطيني محمد عبد الغني العويوي خلال تشريح الجثة، وقد ولد هذا الحادث ردود أفعال غاضبة، قد تنذر بأزمة حقيقية بين الطرفين بعد ارتفاع الأصوات المطالبة بالانتقام.

وقالت إسرائيل إن طائراتها هاجمت عشرة مواقع في قطاع غزة لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبعد شن عملية أوسع في القطاع قريبا، وتعهد نتنياهو "بفعل كل ما هو ضروري" لإعادة الهدوء إلى البلدات الإسرائيلية الجنوبية التي تعرضت لهجمات صاروخية، لكنه حذر في الوقت نفسه من الإسراع نحو مواجهة أوسع مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة، سيما وان الحديث عن غزو بري إسرائيلي للقطاع بات خيارا قويا لدى الحكومة الإسرائيلية بعد ان عززت قواتها على طول الحدود مع غزة.

بالمحصلة النهائية، إسرائيل غالبا ما تسعى لحرب استباقية للحفاظ على امنها وحدودها من الاختراق والتهديد من قبل المقاومة الفلسطينية او اللبنانية، إضافة الى امتصاص الغضب الشعبي المتزايد من الداخل نتيجة للأداء السيء للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي هيمن عليها اليمين المتطرف، الذي لم ينجح حتى الان في عقد سلام دائم مع الجانب الإسرائيلي، إضافة الى فشلة في العديد من القضايا الخارجية، كالعلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة الامريكية، والملف النووي الإيراني، والاقتصاد الإسرائيلي، وحزب الله...الخ.

الخوف من الحرب الاستباقية (في حال لجئ اليمين المتطرف الى اشعال فتيلها في الشرق الأوسط) هو توقع ردة الفعل من الفصائل الفلسطينية، إضافة الى حزب الله، سيما وان حدود إسرائيل مع سوريا تشهد اضطرابات وصراع عنيف بين المتطرفين وقوات النظام، وان تداخل الخطوط في حرب إسرائيل قد يربك أوضاعها الداخلية ويفتح عليها أكثر من جهة، وهو ما لا تحتمله قدرتها الجغرافية والسكانية.

الغضب الفلسطيني يتفجر  

في سياق متصل اشتبك فلسطينيون غاضبون لخطف ومقتل فتى على يد من يعتقدون انهم يهود متطرفون مع الشرطة الإسرائيلية في القدس في وقت تراجعت فيه حدة القصف عبر حدود قطاع غزة بعد وساطة مصرية، وهتف مئات من المشيعين "بالروح بالدم نفديك يا شهيد" خلال جنازة محمد ابو خضير (16 عاما) بعد صلاة أول جمعة من شهر رمضان، وحمل المشيعون جثمان ابو خضير ملفوفا بالعلم الفلسطيني وجابوا به شوارع القدس الشرقية فيما كان متظاهرون فلسطينيون في مناطق أخرى من المدينة يرشقون الشرطة الاسرائيلية بالحجارة التي ردت باطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.

ولم ترد أنباء بعد عن سقوط ضحايا أو حدوث اعتقالات، واختطف ثلاثة مراهقيين اسرائيليين يوم 12 يونيو حزيران وبعدها شن الجيش الاسرائيلي موجة من الاعتقالات في الضفة الغربية المحتلة، وتفجرت الأوضاع بعد العثور على جثثهم ومقتل أبو خضير فيما يعتقد كثير من الفلسطينيين أنه عمل انتقامي، وشنت اسرائيل غارات جوية على قطاع غزة اثر اطلاق موجة من الصواريخ القصيرة المدى في الوقت الذي حذر فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من شن هجوم بري (بعد وضع الجيش الاسرائيلي على اهبة الاستعداد) اذا لم يتوقف اطلاق الصواريخ من القطاع الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

قالت اسرائيل إن ثلاثة صواريخ وقذيفتي مورتر أطلقت على أراضيها، واعترض نظام القبة الحديدية أحد الصواريخ في حين انفجر الباقي في أراض خالية، وقالت السلطات الاسرائيلية إن الجيش الاسرائيلي رد بقصف مدفعي لجنوب غزة من دون وقوع أي اصابات من الطرفين، وقالت حماس التي تحملها اسرائيل مسؤولية بعض الهجمات الصاروخية إنها تجري اتصالات بالوسطاء المصريين لمنع المزيد من العمليات.

وقال المتحدث باسم حماس سامي ابو زهري إن الحركة أكدت انها لا تسعى إلى مواجهة وان الاحتلال الاسرائيلي هو المسؤول عن التصعيد ضد الشعب الفلسطيني وان عليه التوقف عن ذلك، ونشرت إسرائيل قوات اضافية في القدس قبل تشييع جنازة أبو خضير كما منعت دخول الرجال دون الخمسين عاما إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة، وحثت القاهرة والقوى الغربية اسرائيل على ضبط النفس اثر مقتل الاسرائيليين الثلاثة وهم طلاب في المعهد الديني اليهودي في الوقت الذي اتهم فيه نتنياهو عناصر من حماس بالضفة الغربية بخطفهم، ولم تؤكد حماس أو تنف تورطها في الأمر. بحسب رويترز.

واستفز مقتل اليهود الثلاثة مشاعر الاسرائيليين ما أدى إلى قيام عشرات من اليهود المتطرفين باعمال شغب ضد العرب كما اشتبكوا مع الشرطة، وبعد ساعات على دفن اليهود الثلاثة الذي بث على الهواء مباشرة خطف ابو خضير من حي عربي في القدس وعثر على جثته المتفحمة لاحقا، وقالت عائلة ابو خضير والرئيس الفلسطيني محمود عباس إن الفتى كان ضحية عمل انتقامي وحملوا حكومة نتنياهو اليمينية المسؤولية، في حين وصف نتنياهو الجريمة بأنها "شنعاء" ودعا الشرطة إلى فتح تحقيق سريع للعثور على منفذيها، في الوقت الذي قالت فيه السلطات الاسرائيلية إنها لا تعرف بعد ما إذا كان أبو خضير بالفعل ضحية جريمة كراهية.

وقال الجيش الاسرائيلي إنه احتجز أربعة جنود لنشرهم رسائل معادية للعرب على مواقع التواصل الاجتماعي، وذكر متحدث باسم الشرطة إن وحدة مكافحة الجريمة الإلكترونية تشن حملة ضد التحريض العنصري عبر الانترنت سواء من اليهود أو المواطنين العرب، ورغم تعهده بضرب حماس إثر مقتل اليهود الثلاثة لا يزال نتنياهو مترددا في شن هجوم واسع على غزة قد يؤدي إلى تقويض العلاقة المتوترة مع عباس، وانهارت مفاوضات السلام التي ترعاها الولايات المتحدة بين الجانبين في أبريل نيسان الماضي بعدما أبرم الرئيس الفلسطيني بشكل مفاجئ اتفاق مصالحة مع حماس.

وقال يوفال شتاينتز وزير الشؤون الاستراتيجية المقرب من نتنياهو في حديث إلى الإذاعة الاسرائيلية إن التصعيد قد يؤدي إلى تقويض الجهود الدولية الرامية للتوصل إلى اتفاق يكبح برنامج ايران النووي في مهلة تنتهي في 20 يوليو تموز، وقال "ربما لا نريد تحويل انظار العالم الآن أكثر من اي وقت مضى عن البرنامج النووي الايراني الذي يعتبر تهديدا لوجود اسرائيل أكثر من الإرهاب وأكثر من اعمال الشغب".

تزايد الدعوات للانتقام في إسرائيل

الى ذلك تتزايد دعوات الانتقام بكثرة على شبكات التواصل الاجتماعي بعد مقتل ثلاثة إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة ومقتل شاب فلسطيني حيث ينشط الكترونيا آلاف النشطاء الإسرائيليين المجهولين ومن بينهم جنود يحرضون على كراهية العرب والفلسطينيين، وأتت دعوات الكراهية خلال مجموعة من الصور الشخصية "سيلفي" التي نشرها إسرائيليون على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يطالبون "بالانتقام"، وانطلقت دعوات الانتقام عبر صفحة على موقع «الفيس بوك» بعنوان "شعب إسرائيل يطلب الانتقام" والتي حصلت على 35 ألف معجب قبل إزالتها.

وأعيد إطلاق الصفحة والتي حازت على 4000 معجب، وعلى الصفحة، نشرت عدة صور تظهر جنودا غطوا وجوههم ويطالبون بالانتقام باسم وحداتهم العسكرية وأغلبهم من وحدة المشاة العاملة في الضفة الغربية المحتلة، ويشير رودي سعدة وهو صحفي متخصص في وسائل الإعلام الاجتماعية "كالعادة، فإن المتطرفين هم فقط من يتم سماعهم"، وبحسب سعدة فإن "الجنود يقومون بإخفاء وجوههم ولكنهم لا يقومون بإخفاء أسماء وحداتهم العسكرية، هذه الوحدات منتشرة في الأراضي الفلسطينية ولكنهم ليسوا الأكثر تعليما في الجيش".

وليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها الجيش الإسرائيلي نوعا من "الشغب الإلكتروني" ولكنه أكد هذه المرة انه سيتعامل "بحزم" مع الجنود الذين يظهرون على شبكات التواصل الاجتماعي رافعين شعارات عنصرية تدعو إلى الثأر والانتقام، وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي "من المؤسف استغلال الحداد الوطني من قبل عناصر سياسية تلجأ إلى الاستفزاز والتحريض في محاولة لإقحام الجيش"، وأعلن المستشار القانوني للحكومة والمدعي العام إصدار تعليمات للشرطة بفتح تحقيق في دعوات "تحرض على العنف" وعلى "مهاجمة أبرياء" ظهرت على هذه الشبكات كما جاء في بيان صادر عن وزارة العدل، وأضاف البيان "نعتبر التحريض على العنف في غاية الخطورة سواء كان يستهدف اليهود أم العرب". بحسب رويترز.

وشارك نحو 200 شخص في تظاهرة معادية للعرب في القدس وأطلقوا شعارات مناهضة للعرب، واعتقلت الشرطة الإسرائيلية نحو 47 متظاهرا يشتبه في مهاجمتهم فلسطينيين أو مشاركتهم في أعمال عنف ضد قوات الأمن، ومن ناحيتها، رأت النائبة عن حزب ميريتس اليساري زهافا غال اون في مقابلة مع الإذاعة ان "هنالك علاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وبين أعمال العنف في الشارع" مشيرة إلى أنها طالبت مرارا دون جدوى وزير الأمن الداخلي اسحق اهرونوفيتش بالتدخل لمعاقبة العنصرية على الإنترنت، وخلال فترة اختفاء الشبان الثلاثة في جنوب الضفة الغربية المحتلة لمدة 18 يوما، حاول إسرائيليون التجمع إلكترونيا باستخدام وسم ‘#برينغ باك اور بويز‘ أو "أعيدوا لنا أولادنا" بالإنجليزية عبر "تويتر" و"فيس بوك" وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، وأدت هذه الحملة الإلكترونية إلى مظاهرة ضخمة في تل أبيب شارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين وعائلات الإسرائيليين الثلاثة.

وعلى الجانب الفلسطيني أطلق الفلسطينيون وسم ‘#دونت بيرن اور بويز أو "لا تحرقوا أولادنا" بعد خطف وقتل الشاب الفلسطيني محمد أبو خضير وحرق جثته، بينما نجحت دعوة أطلقت على موقع "فيس بوك" لمنتدى معاد للعنصرية في تجميع 3000 شخص خلال ساعات للتظاهر ضد العنصرية والدعوات إلى الكراهية والانتقام على الإنترنت في القدس.

عملية ثأر محتملة

فيما قال سكان فلسطينيون في شعفاط وهي ضاحية عربية في القدس إنهم رأوا فتى يرغم على ركوب سيارة من أمام متجر (سوبرماركت)، وذكروا ان اسم الفتى محمد أبو خضير ويبلغ من العمر 16 عاما، وقال مصدر أمنى إسرائيلي ان الشرطة تشتبه بان خطف الفتى وقتله قد يكون ثأرا لمقتل ثلاثة شبان إسرائيليين عثر على جثثهم بعد ثلاثة اسابيع تقريبا من اختطافهم في الضفة الغربية، وتتهم إسرائيل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقتل الشبان ولم تؤكد الحركة ذلك او تنفيه.

وأبلغ مسؤول رفيع في حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن أسرة الشاب المفقود تعرفت على الجثة، وقال ديمتري دلياني عضو المجلس الثوري لحركة فتح "ان حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو تتحمل مسؤولية الارهاب اليهودي الذي يمارسه المستوطنون بغطاء حكومي وحزبي اسرائيلي وخاصة عملية الاختطاف والاغتيال الارهابية التي تمت بحق الفتى الفلسطيني محمد حسين ابو خضير في منطقة شعفاط".

وقال وزير الأمن الداخلي اسحق اهارونوفيتش ان من السابق لأوانه تحديد الدافع، وقال للصحفيين "نعلم ان فتى خطف على ما يبدو ونرى صلة بين الحادث والعثور على جثه، لا يزال الحادث قيد التحقيق في معامل البحث الجنائي ومن جانب محققين"، وشارك عشرات الالاف من الاسرائيليين في تشييع الشبان الثلاثة، وأثناء دفن الشبان في موديعين نظم مئات الإسرائيليين احتجاجا وسدوا البوابة الرئيسية للقدس وهتف البعض "الموت للعرب"، وقبل صدور بيان نتنياهو ذكرت وكالة الانباء الفلسطينية (وفا) ان الرئيس الفلسطيني طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي "بإدانة خطف وقتل الفتى محمد أبو خضير كما أدنا نحن خطف وقتل المستوطنين الثلاثة". بحسب رويترز.

كما طالب عباس إسرائيل "باتخاذ إجراءات حقيقية على الأرض لوقف اعتداءات المستوطنين وحالة الفوضى التي خلفتها الأعمال التصعيدية الإسرائيلية وما نتج عنها من أجواء خطرة أدت إلى استشهاد خمسة عشر مواطنا منذ بداية شهر حزيران الماضي"، وتصاعدت التوترات في الضفة الغربية حيث اعتقل نحو 40 فلسطينيا اثناء مداهمات اسرائيلية في إطار حملة اسرائيل لإضعاف الحركة الاسلامية في الضفة الغربية المحتلة، وأصيب أربعة فلسطينيين بالذخيرة الحية في ساعة مبكرة من الصباح أثناء الاغارة على مدينة جنين.

وقال الجيش الاسرائيلي إن السلطات أزالت منزل الفلسطيني زياد عواد الذي اعتقل هذا الشهر بتهمة قتل ضابط شرطة اسرائيلي خارج ساعات الخدمة في ابريل نيسان الماضي، وقال اللفتنانت كولونيل بيتر ليرنار المتحدث باسم الجيش ان الغرض من قرار الازالة هو الردع، وأضاف "تنفيذ قرار الازالة هو للردع وتوجيه تحذير شديد للإرهابيين والمتواطئين معهم بأن أفعالهم سيكون لها عواقب وخيمة"، ورفضت المحكمة الاسرائيلية العليا طعنا مقدما من جماعة اسرائيلية مدافعة عن الحقوق ضد قرار الجيش بإزالة المنزل الواقع في قرية اذنا القريبة من مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة.

وينسف الجيش الاسرائيلي او يزيل منازل النشطين الفلسطينيين منذ عقود لكنه أوقف هذه الممارسات عام 2005 قائلا انها جاءت بنتائج عكسية لجهوده الساعية لوقف الهجمات، وقال محمد شقيق زياد الذي يعيش في نفس المبنى الذي يقطنه 15 فردا آخرين من الأسرة الكبيرة ان الجنود الاسرائيليين جاءوا الساعة الثالثة صباحا ودمروا المنزل الساعة السابعة، واستطرد انه كان يظن ان الجنود سيدمرون بيت شقيقه فقط لكن كل شيء دمر وليس لديهم الان مكان آخر يذهبون اليه، وقال مركز هموكيد الاسرائيلي المدافع عن حقوق الانسان ان الحكم يناقض القانون الدولي والقانون الاسرائيلي "بعدم معاقبة الفرد عن أفعال الاخرين"، وأضاف "الضحايا الرئيسيين هم سكان المنزل المزال لا الجاني المشتبه به".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/تموز/2014 - 9/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م