الكرامة الثورية وقابلية القسمة على اثنين

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل يمكن للكرامة الإنسانية ان تتجزأ؟، كأن تنتفض ضد حالة معينة، وفي نفس الوقت تستكين لها؟، لا يمكن استيعاب مفاهيم مثل الحرية والعدالة والمساواة الا من خلال الكرامة الانسانية. فهي اساس رئيسي تقوم عليه حقوق الانسان في شرعياتها الوضعية او الالهية.

وهي قيمة عليا، لا تكتسب، بل تولد مع الانسان، على العكس من قيم اخرى يمنحها المجتمع او الاخرون للانسان كوضعية ودور له في مجتمعه او بين الاخرين من اقرانه، هذه القيم مثل الشرف والعزة والكبرياء والشهرة وغير ذلك.

هذه القيمة للكرامة، بطبيعتها الفطرية لا تخضع لأي عوامل او وظائف تستتبع ادوار الانسان في المجتمع، انها قيمة بحد ذاتها، لاعلاقة لها باي شيء اخر.

الكرامة الانسانية تختلف عن المعنى اللاهوتي الذي يحمله المقطع الاول وهو (الكرامة) فهي الامر الخارق للعادة وغير المقرون بالتحدي ودعوى النبوة يظهره الله على ايدي اوليائه.

انها المعنى الذي صاغته الفلسفة، وهو: المبدأ الاخلاقي الذي يقرر أنّ الإنسان ينبغي أن يعامل على أنّه غاية في ذاته لا وسيلة، وكرامته من حيث هو إنسان فوق كلِّ اعتبار.

وهي في اللغة، الغطاء الذي يوضع على رأس الجرة او القدر، ومعروف ان رفع الغطاء يكشف عما في الداخل، ويستبيح الجوهر والمضمون الذي يستره الغطاء.

الكرامة الانسانية، هي قيمة الإنسان. ولا اختلاف على ذلك، لكن الاختلاف يقع على معنى القيمة ومفهومها تبعا لتطور الادراك البشري ولجريان الزمن على المفاهيم.

لكن المؤكد ان أية قيمة عادلة (تُكتشف أو يخترعها الإنسان أو الطبيعة وتعطي للإنسان صفات إنسانية جديدة تزيد في احترام الإنسان وتحسن حياته تصبح جزءا من هذه القيمة وتزيدها غنى. بالتالي فإن هذه القيمة تحتوي الحقوق الإنسانية العالمية العامة المتعلقة بالفرد والتي لا تقبل التقسيم).

فالكرامة اذن، هي احترام المرء ذاته ، وهي شعور بالشّرف والقيمة الشخصيّة يجعله يتأثّر ويتألّم إذا ما انتقص قَدْره.

انتقاص القدر هو ذاته اذا وقع علي من شخص اكن له الغضينة والحقد، او اكن له المحبة والود، فهو انتقاص واحد، ولا تصدقوا امثالنا التي درجت على تبجيل الاهانة وتقديسها اذا كانت من الحبيب نحو محبه، كما في المثل الدارج (ضرب الحبيب مثل الزبيب) لان الضرب في كل الاحوال استباحة وهدر للكرامة الانسانية.

لا تسمح السطور بالحديث عن الكرامة الانسانية المهدورة للعراقيين قبل العام 2003، وساقصر حديثي عليها بعد ذلك العام، الذي ارتفعت بعده وتيرة الحديث عن الكرامة نتيجة مفاهيم جديدة عملت الديقراطية رغم علاتها على تبيئتها في المجتمع العراقي، فاصبحنا نسمع بحقوق الانسان، واخذنا ندافع عنها، وعن حرية التعبير وحريات اخرى، والحق في السكن وفي التظاهر وغيرها الكثير، وهي مفاهيم تندرج ضمن الكرامة الانسانية، والتي غيبتها سياسات الهدر المتواصل طيلة عقود قبل العام 2003.

نبرة الحديث عن الكرامة الانسانية، استطالت واخذنا نسمع الحديث عنها في دول اخرى، دول الانتفاضات وما يسمى الربيع العربي، وهي كلها وعبر المتظاهرين ترفع تلك اللافتة العريضة (الكرامة الانسانية) وتداخلت مع قيم اخرى مثل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة.

الكرامة الانسانية وعبر التثوير، ومن خلال الكثير من النماذج، لم تستطع ان تحافظ على وحدتها الفطرية بل انقسمت الى اجزاء متعددة وتشظت تبعا للمواقف والتطورات التي تقود ها المصالح.

في العراق لم يختلف الوضع كثيرا.

التظاهرات التي انطلقت في المناطق والمحافظات السنية من العراق، رفعت شعارات اطلاق سراح الحرائر من السجون الحكومية، وشعارات رفض الاقصاء والتهميش، والارتفاع بها الى مصاف الحفاظ على الكرامة الانسانية عبر الانفصال والتقسيم او الاقاليم والفيدرالية، لم تستطع تلك الكرامة الحفاظ على وحدتها الفطرية، وانقسمت وتشظت عبر الهدر الجديد لها، لكنه هدر لا يثير الشعور بانقاص القدر ويستدعي الثورة والانتفاض عليه.

التقارير التي ترد من المناطق التي تسيطر عليها داعش، تثير الاستغراب حول معاني الكرامة والعزة والشرف التي رفعت كشعارات ثورية طيلة اكثر من سنة ونصف، وتتحدث التقارير عن انتحار عدد من النسوة بعد اغتصابهن، او فرض الاتاوات على السكان، او اقتحام منازل وزراء ونواب سنة وطرد عوائلهم منها، او التدخل في الشؤون الشخصية للسكان عبر التضييق والمنع للكثير من الامور، اضف الى ذلك، اعلان التوبة الذي يتقدم به الثوار الى افراد داعش، والتنازل لهم عن ادارة مدنهم ومناطقهم وحتى سلاحهم.

لا تعد تلك الأفعال في نظر اصحاب الكرامات الثورية هاجسا مقلقا للاستباحة والهدر، وان الكرامة الانسانية التي خرجوا رافعين شعارات تدين هدرها  من قبل الاجهزة الحكومية هي غيرها من قبل داعش ومقاتليه.

هناك افتراضان لا ثالث لهما لهذه الحالة المتناقضة:

الافتراض الاول: اما ان تكون الشعارات التي رفعت في تلك التظاهرات شعارات غير حقيقية وواقعية وتخفي اشياء تحتها لاعلاقة لها بالحرائر او الاقصاء والتهميش.

الافتراض الثاني: ان ما يحدث الان مقبول بحدوده الدنيا الحالية، ويمكن القبول بحدوده العليا، طالما ان القائم على هدر الكرامة ينتمي الى ما انتمي اليه، وان ما يبدر منه استكين له واقبل به.

بهذا تكون الكرامة الثورية قابلة للقسمة على اثنين او حتى اكثر من ذلك، طالما ان ما ينتقص من القدر يخضع لاجتهادات وتفسيرات اقرب الى الطابع الثوري منه الى الطابع الانساني.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تموز/2014 - 6/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م