الإيثار مفتاح النهوض

نزار حيدر

 

أسحار رمضانيّة (٢)

 {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

 ان واحدة من اعظم القيم التي يجب ان تشيع في المجتمع، اي مجتمع، لينجح، هي قيمة حب الانسان لغيره ما يحب لنفسه، فلا يستأثر بالخير، مثلا، ويمنعه عن غيره، أكان هذا الخير حياة فارهة او فرصة سانحة او ما الى ذلك، فكلما شاع حب الخير بين الناس، بعضهم للبعض الاخر، جرى بينهم التعاون عليه، والعكس هو الصحيح، وان مصدر هذا الحب هو الإيثار، الذي حث عليه القرآن الكريم بصفته مفتاح التكامل الاجتماعي الذي يعتمد التكافل اولا وقبل اي شيء آخر.

 ان المجتمع الذي يحكمه مبدأ الإيثار لهوَ مجتمع متكافل، يساعد بعضه البعض الاخر من اجل ان ينجح ويتقدم، والعكس هو الصحيح، فالمجتمع الذي تحكمه صفة الاستئثار والاستحواذ، فالحاكم يستأثر بالسلطة والغني يستأثر بالثروة والعالِم يستأثر بعلمه وهكذا، لهو مجتمع متسافل وفاشل لان الانسان - الفرد فيه يطغى على الانسان - المجتمع، ولذلك تنمو فيه الطبقية المقيتة التي تقتل التكافل والتكافؤ بكل أشكاله.

 علينا ان نشيع ثقافة الإيثار في المجتمع، ليساعد بعضنا البعض الاخر في النهوض والتنمية والتقدم وعلى مختلف الأصعدة، فلا يظنّنّ امرءا ان بإمكانه ان ينهض لوحده في مجتمع متثاقل الى الارض، فالفرد جزء من منظومة، لا ينهض أحدٌ فيها اذا ظلّت مرمية على الارض، والى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين (ع) بقوله {لكِنِّي أَسفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا}.

 ان الإيثار هو مفتاح النهوض بكل المنظومة الاجتماعية والتي نحن جزءاً منها، فلقد ورد عن أئمة اهل البيت (ع) في الحث على الإيثار، كقول الامام علي (ع) مثلا {الإيثار أعلى المكارم} و{الإيثار أعلى الإيمان} ما يعني ان هناك ارتباط عضوي بين اسلام المرء وإيمانه من جانب مع الإيثار من جانب اخر، كما ان {الإيثار غاية الإحسان} على حد قوله عليه السلام، وهو فضيلة وعكسه الاحتكار او الاستئثار فهو رذيلة، على حد قول أمير المؤمنين (ع).

 ليكن كل واحد منا مصدر خير لمن حوله، بكلمة طيبة او استشارة تهدي الى اقتناص فرصة او يدٌ كريمة تساعد في النهوض وتحقيق النجاح، وإيّانا والاستئثار فان نهايته الهاوية.

فعل الخير بلا ثمن

أسحار رمضانيّة (٣)

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا* أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}.

 عندما يتيقّن المرء انّ عمله لن يذهب سدى، وان هناك من يسجّله له، وسيثيبه عليه في الدنيا قبل الآخرة، فلا يضيع عمل عامل من ذكر او أنثى، فلماذا يبخل عن فعل الخير؟ لماذا ينتظر من الناس ان يردّوا له جميل فعله وحسن صنيعه؟ أيهما افضل أثرا وأعظم جائزة؟ ردُّ جميل على فعل خير من إنسان؟ أم عدم تضييعه من قبل خالق السماوات والأرض؟.

لماذا نربط الإقدام على فعل الخير، بشكره من العبد، او برد جميل من آخر؟ لماذا لا نفعله لله الذي لا تضيعُ عنده الودائع؟ وهو القائل في محكم كتابه الكريم {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}؟.

 لو انّ كل واحد منّا قرر ان يفعل الخير بلا ثمن، لشاعت في المجتمع ثقافة العمل الصالح، والتي ستصبّ، في نهاية المطاف، في الصالح العام، وهو المطلوب.

 لقد ضٓمِنَ الله تعالى ان يحفظ أعمالنا مهما استحقرها صاحبها او الآخرين لبساطتها مثلا او لقلّة اثرها، فلماذا لا نجتهد في العمل أيّا كان موقف الآخرين منه؟.

 ان عمل الخير كقطرات المطر قد نتصورها بسيطة الأثر صغيرة الحجم، الا انها لو تجمّعت لأمكنها ان تدمر مدن بأكملها اذا ما تحوّلت الى سيلٍ هادر، فلماذا نستخفّ بعمل لصغره او نستحقر آخر لقلّة اثره، وهو لو تراكم في الواقع المعاش لترك اعظم الأثر؟.

 ومن اجل ان يترك العمل اثره، ينبغي ان يتميّز بما يلي:

 الف؛ ان نطمئِنّ لأثره، فلا نقدم على عمل نعرف مسبقا انه زائل مع زوال لذته، فلقد قال أمير المؤمنين (ع) {شتان ما بين عملين، عملٌ تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى اجره}.

 باء؛ ان لا يصاحب العمل مٓنٌّ او أذى يلحق بالآخرين، لان الله تعالى ضمن ان لا يضيع اجر العمل اذا كان حسنا تصاحبه التقوى التي تعني، من بين ما تعني، ان لا يتجاوز على حق الآخرين او خصوصياتهم، ولذلك ورد في القران الكريم قوله عز وجل {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} وقوله تعالى {وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

 وفي قوله تعالى دلالة واضحة على ذلك، اذ يقول {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وقوله {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}.

 جيم؛ ان يكون العمل في محلّه، يملأ فراغا او يسد ثغرة او يستجيب لتحدي، فلا يكون بطرا مثلا، فلقد جاء في القران الكريم قوله {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} فالأجر يتعاظم كلما كان العمل مؤثرا في الزمان والمكان والظرف.

 دال؛ الصبر على العمل لتتحقّق الاستقامة والديمومة وعدم التراجع بمجرد ان يتعرض صاحبه لنقد او هجوم لاذع او التشكيك في نواياه والطعن في خلفياته، فإذا كان المرءُ واثقا من نواياه ومن أهدافه وأدواته ومنطلقاته، فلماذا يتراجع، مثلا، اذا شكّك أحدٌ بعمله؟ او طعن بنواياه؟.

 يقول الباري عز وجل في محكم كتابه الكريم {أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} وصدق أمير المؤمنين عليه السلام الذي يقول {إن صبرتَ جرى عليك القدر وانت مأجور، وان جزِعتَ جرى عليك القدر وانت مأزور}.

 وكل رمضان وانتم بخير.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تموز/2014 - 4/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م