عرش إسبانيا الجديد المثقل بالأزمات والفساد

 

شبكة النبأ: بعد جملة من فضائح الفساد المالي والسياسي التي هزت العرش الاسباني، تنحى على أثرها الملك الاسباني السابق خوان كارلوس عن عرشه ليسلمه بشكل رسمي الى ولده الملك الجديد فيليب السادس بعدما ادى القسم امام البرلمان، ويرى بعض المراقبين ان الملك فيليب السادس (46 عاما) سيواجه الكثير من التحديات والقضايا العالقة "السياسية والاقتصادية" التي تحتم عليه ايجاد خطط وسياسات عاجلة، على رأسها الأزمات المالية المتتالية ومعالجة الوضع الاقتصادي، والبطالة المتزايدة، ومكافحة الفقر، هذا بالإضافة الى مشكلة اقليم "كتالونيا" ذو الحكم الذاتي الساعي للانفصال. وتبرز قضية انفصال إقليم "كتالونيا"، ذو الحكم الذاتي والتي تعد من أكثر المناطق المتطورة اقتصادياً في إسبانيا، فهي تقدّم نحو ثلث الإنتاج الصناعي وفيها أحد أهم الموانئ الإسبانية على البحر المتوسط.

وفي محاولة لتعزيز وحدة البلاد استهل الملك الجديد زيارته الاولى منذ ان اصبح ملك للبلاد، الى اقليم كاتالونيا وسيحاول الملك الشاب استخدام نفوذه للتقريب ودفع الحوار بين حكومة اليمين في مدريد وبين القوميين الكاتالونيين، وتبني الحكومة الاسبانية رفضها لاستقلال الاقليم الى دستور عام الف وتسعمئة وثمانية وسبعين الذي يستند الى مبدأ عدم قابلية تقسيم الدولة، مع منح هذه الاقاليم حكما ذاتيا موسعا.

من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان قضايا الفساد التي شملت بعض افراد العائلة الحاكمة، وخصوصا تلك التي تتعلق بتهمة التهرب الضريبي الموجهة إلى كريستينا شقيقة الملك الجديد فيليب السادس ربما ستشكل اولى العثرات، حيث وما زال يتعين الانتظار لمعرفة تأثير الفضيحة على شعبية الملك. وأوجز الكاتب خوسيه ابيتسارينا مؤلف كتاب عن الملك الجديد الوضع بالقول "منذ بداية هذه القضية، نأى بنفسه، لكن لن يغيب عن اذهان الناس ان هذه هي شقيقته".

ويذكر أن التحقيقات التي أجريت مع الأميرة في فبراير الماضي بمحكمة مايوركا كانت حدثا غير مسبوق في تاريخ العائلات الملكية، وتسببت بحرج بالغ للملك السابق خوان كارلوس لدرجة استبعاد ابنته وزوجها خارج البلاد، ثم منعها من ممارسة الالتزامات الملكية، وكانت التحقيقات نفسها السبب في غياب الأميرة عن حفل تنصيب شقيقها ملكا على البلاد.

وعليه فأن رؤية المستقبلية لهذه المملكة الأوربية تحت حكم الملك الجديد اضعف مما تبدو، كون قيادة أسبانيا مثقلة بالأزمات بعد ازدياد الضغوط والانتقادات الداخلية نتيجة ملفات الفساد المختلفة التي طالت أعضاء الأسرة المالكة، في وقت تعاني فيه إسبانيا من أزمة اقتصادية طاحنة، ناهيك عن نقص الخبرة السياسية وادراة البلاد للحاكم الجديد، وهو ما قد يضع اسبانيا أمام تحديات كبرى على مختلف الاصعدة.

مطالب الإسبان

وفي هذا الشأن أظهر استطلاع للرأي أن معظم الإسبان يريدون من ملكهم الجديد فيليبي السادس لعب دور أكبر في السياسة وأن يساهم في مد الجسور بين الأحزاب والمناطق التي تعاني من خلافات في البلاد. وحاول النظام الملكي في إسبانيا البقاء خارج الخصومات بين الفصائل المختلفة في السنوات الأخيرة على الرغم من أن كثيرين يعترفون بالفضل لوالد فيليبي الملك السابق خوان كارلوس في انتقال البلاد السلس الى الديمقراطية في السبعينيات بعد النظام الدكتاتوري بقيادة فرانشيسكو فرانكو.

وذكر الاستطلاع الذي نشرته صحيفة الباييس الإسبانية أن ثلاثة أرباع الإسبان يعتقدون أن فيليبي الذي أدى اليمين الدستورية بعد تنازل والده له عن العرش يجب أن يعمل بنفسه على حث الأحزاب على الاتفاق لحل مشاكل اسبانيا في حالة فشل الساسة في ذلك. وتتفق نتائج الإستطلاع مع غضب شعبي واسع بشأن الخلافات السياسية بين حزب الشعب الحاكم المحافظ وحزب العمال الاشتراكي وهو حزب المعارضة الرئيسي خلال مناقشات في الآونة الأخيرة لتشريعات تتيح زيادة الشفافية ومحاربة الفساد.

ونتيجة لزيادة الشعور الانفصالي في قطالونيا خسرت اكبر الأحزاب السياسية الكثير من الأصوات في المنطقة الغنية وخارجها. كما انهار الحوار تقريبا بين الأحزاب في قطالونيا ونظيرتها في مدريد. ووجد الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة متروسكوبيا لصحيفة الباييس وشارك فيه 600 شخص أن 91 في المئة يعتقدون أن هناك حاجة ملحة لمزيد من الاتفاقات السياسية لحل مشاكل اسبانيا. وقال 75 في المئة إنهم سيساندون اي مساع للملك الجديد للتوصل الى اتفاقات من هذا النوع.

وفي استطلاع آخر نشرته صحيفة لافانجارديا ومقرها برشلونة عبر معظم الاسبان عن استمرار تأييدهم للملكية البرلمانية وليس النظام الجمهوري. وأظهرت الاستطلاعات أن فيليبي يتمتع بشعبية أكبر من والده خوان كارلوس الذي تنازل عن العرش بعد سلسلة من الفضائح التي أدت إلى انخفاض التأييد الشعبي. وأشعلت مسألة انتقال العرش جدلا حول حدود الدور الدستوري للملك وسط حاجة للتغيير بعدما شهدت البلاد سلسلة من قضايا الفساد ووسط تراجع المساواة الاجتماعية والدعم المتزايد للنزعة القومية القطالونية قبل استفتاء مقرر في المنطقة. بحسب رويترز.

ووجد الإستطلاع الذي نشرته لا فانجارديا وأجرته شركة فيدباك بين على عينة من ألف شخص بينهم 200 من اقليم قطالونيا أن الدعم للنظام الملكي يبلغ 52 في المئة تقريبا. وكانت الاستطلاعات خلال العقد الماضي تظهر بشكل عام إرتفاعا في نسبة الداعمين لقيام نظام جمهوري وخصوصا في الفئة تحت سن الأربعين عاما.

القضاء الاسباني

الى جانب ذلك قرر قاض اسباني الابقاء على الاتهامات الموجهة الى شقيقة الملك كريستينا بارتكاب "جنح ضد الخزانة العامة وتبييض رؤوس اموال" مما يمهد لمحاكمة لا سابق لها في تاريخ البلاد. وخلص القاضي خوسيه كاسترو في محكمة بالما في جزر الباليار في نهاية تحقيقاته الى ان اينياكي اوردانغارين زوج كريستينا، وشقيقة الملك مع عدد آخر من المشتبه بهم "يجب ان يبقوا متهمين". وقالت المحكمة ان هذا القرار قابل للاستئناف.

وكانت النيابة العامة ألغت أول اتهام ضد كريستينا باستخدام النفوذ في ربيع 2013. لكن القاضي اتجه بعد ذلك إلى تقصي شبهات بالاحتيال الضريبي وتبييض أموال عن طريق شركة آيزون التي تملك كريستينا وزوجها 50 بالمئة منها ويبدو أنها مولت بحوالي مليون يورو من أموال عامة. وتكشف حسابات آيزون اعتبارا من 2004 عن نفقات مخصصة لتجديد فيلا العائلة في برشلونة بقيمة 436 ألف يورو، ونفقات خاصة تبلغ 262 ألف يورو.

وامضى القاضي اكثر من عامين في التحقيق في الشبهات بتعواطؤ كريستينا مع زوجها بطل الألعاب الأولمبية السابق في كرة اليد إيناكي أوردانغارين الذي اتهم رسميا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2011 باختلاس 6,1 ملايين يورو من الأموال العامة مع شريك له. وكان لقرار الاتهام الذي يقع في 227 صفحة وقع القنبلة على العائلة المالكة إذ اكتشفت أنها لم تعد تتمتع بحماية هائلة. بحسب فرانس برس.

على صعيد متصل تسببت الأميرة كريستينا في أول كارثة قد تقوض المزيد من شعبية الأسرة الحاكمة، وهي إدراجها رسميا ضمن قائمة المتهمين في قضية الفساد الكبرى، بعدما أكد القاضي أن الأميرة كانت على علم بكل جرائم زوجها دوق بالما دي مايوركا. حيث اكد احد التقارير الصادرة أن الأميرة البالغة من العمر 49 عاما قد لا تكون متورطة فعليا في أعمال اختلاس الأموال العامة، ولكنها كانت على دراية كاملة بكل ما قام به زوجها وتسترت عليه، مشيرا الى أنها متورطة في عمليات غش ضريبي وغسيل أموال، وهي جرائم يمكن أن تصل عقوبتها للسجن 11 عاما، ولم يصدر عن الأميرة رد رسمي حتى الآن، ولكن من حقها قانونا الطعن على التقرير أمام محكمة بالما دي مايوركا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تموز/2014 - 2/رمضان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م