|
اعادت الازمة السورية رسم خارطة مذهبية جديدة منذ عام 2011 وعملت
على تصعيد حدة الشحن الطائفي والمواجهة، في الوقت الذي تقوم به
التنظيمات "الجهادية" من السلفية التكفيرية باستقطاب المقاتلين، كانت
هنالك ميليشيات شيعية تقاتل الى جانب بشار الاسد لحماية المراقد
الشيعية. وقد تصاعدت حدة المواجهات والشحن الطائفي مابعد يوم 9 يونيو
2014 اي مابعد اجتياح "داعش" الارهابي الى مدينة الموصل ومدن عراقية
اخرى، لتتحول المواجهة الى العراق وتنتقل التنظيمات "الجهادية"
والمقاتلين الشيعة من سوريا الى العراق لتعلن مرحلة جديدة من المنازلة
هناك.
المرجعية اكدت ان يكون السلاح بيد الدولة وليست بيد الميليشيات، وان
يلتحقوا المتطوعين ضمن تشكيلات الامن والدفاع، الفتوى ادرجت ضمن الحل
السياسي. العراق وسوريا يشهدا الان شحن ومواجهات مذهبية طائفية أكثر من
الخلافات السياسية بين الشركاء الفرقاء. أعلن الملقب ابو بكر البغدادي
تهديده الى دول الجوار العراقي منها المملكة الاردنية والكويت
والسعودية، لكن وفق المعلومات والتحليلات الخاصة بالتنظيم، تأتي هذه
التصريحات خارج قدرته التنظيمية وقوته العسكرية. ما حققته "داعش" من
انجازات في العراق وسوريا تأتي بسبب ضعف الحكومات وغياب السلطة وسوء
السياسات وهذا لا يمكن قياسه في دول الجوار العراقي.
وفي سياق ردود الافعال، أعرب وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبدالله
بن زايد آل نهيان لوزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في اتصال هاتفي
عن دعم بلاده اللامحدود للحكومة في مواجهة الارهاب في إشارة إلى هجوم "داعش".
اما المملكة العربية السعودية فقد اعربت عن قلقها لما يجري في العراق.
وأكدت مصادر اعلامية خليجية بأن اغلب دول الخليج بما فيها السعودية تقف
ضد ممارسات تنظيم "داعش" وتدين تصرفاته رغم اختلافها مع السياسات
الخاطئة للحكومة العراقية ودعمها لبعض الاطراف السياسية السنية في
العملية السياسية.
"ولاية" الموصل
فبعد سيطرة "داعش" على الموصل فرض سيطرته الادارية من خلال تعينات
ادارية الى"ولاية" الموصل بزعامة الملقب "أبو مسلم التركماني العفري"،
فاضل احمد الحيالي بالاعتماد على ضباط خدموا في النظام السابق ما قبل
2003. البغدادي يعتمد سياسة بان تكون رايته هي الوحيدة بين التنظيمات
ويفسر ذلك لدواعي شرعية من وجهة نظر ايدلوجيته والحوكمة، هي عادة خطوة
باتجاه الطلب من بقية المجموعات المسلحة مبايعته وترك السلاح. التنظيم
استفاد من تجربته في ادارة "ولاية" الرقة والمدن الاخرى ليعيد تطبيقها
في العراق.
عوامل قوة "داعش"
هيكلية التنظيم
إن ابرز عوامل القوة التي يتمتع بها تنظيم "داعش" هو البنية
التنظيمية من الداخل حتى يوم 10 يونيو 2014، لكن الان تغيرت هذه البنية
بسبب سعة انتشاره واعتماده العمل الشعبوي وليس النخبوي بكسب المقاتلين.
يقوم التنظيم على اساس تنظيمي صلب مغلق اكثر من بقية التنظيم، وهنالك
حلقة مغلقة داخل قيادة التنظيم التي لا تتعدى اصابع اليد، يقوم بتنفيذ
مهام التنظيم ضمن مبدأ توزيع المهام والمسؤوليات. فرغم إن ابو بكر
البغدادي هو شخص لا يتمتع بالخبرات العسكرية والادارية، لكنه استعان
بقيادات مقربة منه لإدارة التنظيم وفق خبرات عسكرية واستخبارية معتمدا
في ذلك على خبرات الجيش من النظام السابق ماقبل عام 2003 ليتحول الى
شبه مؤسسة عسكرية ودولة عائمة عبر الحدود.
الجغرافية
ان الجغرافية التي رسمها ابو بكر البغدادي مابين العراق وسوريا،
جاءت مترابطة جغرافيا وهنالك ايضا تداخل ديموغرافي ـ سكاني على وجه
التحديد المناطق الغربية والشمالية الغربية من العراق والشمالية
والشمالية الشرقية من سوريا. هذه الجغرافية كانت عبارة عن نقاط تمركز
متباعدة مابين الرقة في الشمال الشرقي السوري والموصل شمال العراق
والانبار في الطرف الغربي. عمليات "داعش" خلال السنوات القادمة وما بعد
عام 2012 واعلان امارة الرقة، كانت البدء بتنفيذ خارطته. التنظيمات "الجهادية"
في سوريا استنزفت وفقدت الكثير من قوتها في مواجهة نظام الاسد، لكن "داعش"
كان يتجنب المواجهة ويبتعد شمالا وشمال شرق سوريا ويسيطر على مناطق
جديدة ويتمترس بها ويتمدد تدريجيا. هذه الجغرافية مكنته من التحرك
وتنقل مقاتليه عبر المناطق داخل سوريا وداخل العراق ومابينهما ايضا.
المشكلة ان دول المنطقة لن تنتبه الى زازال "داعش" ولم تأخذه مأخذ الجد
ولم ترتقي ردود افعالها الى التهديدات المحتملة.
مسك المعابر الحدودية
تميز داعش بالكثير عن بقية التنظيمات الجهادية وتفوق ايضا على
القاعدة ميدانيا وعلى الارض، ومسك الحدود اعطته الكثير من القدرات منها
خنق بقية التنظيمات والسيطرة على تدفق المقاتلين بالاضافة الى انها
تمثل مورد مالي من خلال الجباية ومصادرة شحنات السلاح والمواد الداخلة
والخارجة. لذا استطاع داعش التنقل والحركة والمناورة بقدراته العسكرية
لوجستيا.
الملاذات الامنة والحواضن
استغل داعش خلافات المكون السني في العراق مع الحكومة المركزية،
ونصب نفسه بديلا الى السنة في العراق، فصعد خطابه الطائفي بشكل اكثر
مابعد الانسحاب الاميركي من العراق 2011 ودعا المناطق السنية الى حالة
من العصيان. قيادات التنظيم هي قيادات عراقية تتمتع بأصول عشائرية في
المنطقة الغربية، على وجه التحديد في محافظة الانبار المعروفة بطابعها
العشائري اكثر من بقية المدن العراقية وكذلك مدينة الموصل. ومثل ذلك
ملاذات وحواضن اجتماعية مناطقية بالإضافة ملاذات جغرافية في وصحراء
الانبار والمناطق الغربية وظفها بالتدريب والتخفي.
الغطاء السياسي والعشائري
حصل "داعش" على غطاء سياسي من قبل اعضاء في البرلمان العراقي وفي
الحكومة الذين يمثلون المكون السني وكذلك زعامات عشائرية، مقابل ان
يكون ورقة ضغط على الحكومة العراقية.
هذا التداخل خلق حالة من التشويش والارباك لدى الرأي العام بسبب
التشابك التنظيمي مابين "داعش ومجلس الحرب" ـ بعض العشائر. التصريحات
التي يطلقها زعماء العشائر والسياسيين منح "داعش" الحماية والتفرغ الى
تنفيذ عملياته على الارض. يشار ان قيادات العسكر اختفت من المشهد وظهرت
رايات "داعش" الوحيدة على الارض وعلى وسائل الاعلام.
التمويل
يتمتع التنظيم بتمويل واسع، حتى اعتبرته تقارير الوكالات
الاستخبارية والمعنيين في شؤون القاعدة بأنه اكثر التنظيمات ثراء ليصل
رصيده الى مايقارب ملياري دولار اميركي. التنظيم يعتمد سياسة الغزوات
اي تنفيذ هجمات على مخازن اسلحة ومعدات ومصادر الطاقة والمواد الغذائية
من سايلوات ومخازن الحبوب. حصل التنظيم على التمويل من داخل سوريا
بالسيطرة على المعابر الحدودية ومصادرة الشحنات الداخلة وفرض الضرائب
على البعض منها كذلك استولى على مخازن اسلحة الجيش الحر في المنطقة
الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا.
التقارير المعلوماتية ذكرت بأن اجتياج "داعش" الى مدينة الموصل
العراقية يوم 9 يونيو 2014 حصل فيها على 450 مليون دولار وسبائك ذهبية
بالاضافة الى استيلائه على ترسانة من الاسلحة والعجلات. واستولى في
اعقاب ذلك على بعض المصارف التابعة للدولة في مدينة حديثة وراوة
والقائم ـ مركز طريبيل الحدودي مع المملكة الاردنية الهاشمية. تحقيقات
وكالة الاستخبارات المركزية اظهرت حصول "داعش" على دعم مباشر من حكومة
قطر ومن مشايخ ومنظمات قطرية، تقارير اخرى اتهمت مشايخ سعودية وافراد
بتقديم الدعم والتبرعات رغم فرض السعودية الكثير من القيود والإجراءات
لمنع تسرب الاموال والمقاتلين، لكن السعودية لا تخفي دعمها الى شخصيات
سياسية وزعامات عشائرية ضد حكومة بغداد. التنظيم يحصل على الاتاوات
ايضا والضرائب التي يفرضها على المناطق التي يسيطر عليها.
التحالف مع التنظيمات "الجهادية" في العراق
وفقا الى معلومات موسوعية فأن ابرز المجموعات المسلحة و"الجهادية"
هي:
ـ "المجلس العسكري لعشائر العراق" يضم المجلس 78 عشيرة سنية، ويمتلك
المجلس فصائل مسلحة تتوزع على مدن الرمادي والخالدية والكرمة والفلوجة
وقرى ومناطق مختلفة من محافظة الانبار، في بغداد في مناطق أبو غريب
واليوسفية والتاجي والطارمية، وهي تمثل حزام بغداد. هذه المناطق تعتبر
خاصرة بغداد من الناحية الامنية، وما يزيد المشهد تعقيدا، هو انها تمثل
مكون مذهبي واحد وهو المكون السني. هذه المناطق لا تبعد الا بضعة
كيلومترات ربما لاتتجاوز العشرين كيلومتر عن مقرات الحكومة، مركز بغداد.
وهي تمثل ايضا ملاذات وحواضن الى "داعش" وسبق ان استعرض التنظيم في
شوارعها قبل اسابيع من اجتياج مدينة الموصل. إستخباريا وإمنيا تعتبر
اكثر خطورة من غيرها، هي تمثل خلايا نائمة ممكن ان تظهر بشكل فاعل على
شكل منظم وغير عشوائي ومن داخل هذه المناطق هنالك خلايا وكتائب فاعلة
مرشحة لتنفيذ عمليات ارهابية وسط مركز العاصمة بغداد.
اهم التنظيمات "الجهادية"
ـ جيش المجاهدين وهو خليطاً من مقاتلين سابقين في فصائل مسلحة سنية
مابعد تشكيل الصحوات 2007 وتضم مايقارب اربعة آلاف مقاتل تنشط في مدن
الكرمة والفلوجة وابو غريب ومناطق زوبع واليويسفية في بغداد.
ـ الجيش الإسلامي العراقي وهو ثالث أكبر فصيل، تأسس بعد عام 2003،
يتألف من خليط مقاتلين بانتماءات وطنية وإسلامية، وبعضها قومية عروبية
ويمتلك نظاما داخلياً عسكرياً لمقاتليه وتبنّى عمليات عسكرية. ويتركز
في محافظة نينوى وصلاح الدين، معروف بامكانياته الاستخبارية في تعقب
العاملين مع الحكومة العراقية في مناطقهم ويدير نشاط اعلامي واسع.
ـ كتائب ثورة العشرين، هي أول جماعة "جهادية في" العراق، انطلقت
نواتها من بغداد، تتكون من خليط من إسلاميين جهاديين وصوفيين تتركز في
بغداد والانبار وصلاح الدين.
ـ جيش رجال الطريقة النقشبندية وهي خليط من حزب البعث العراقي،
بزعامة عزة الدوري ويضم مسلحين إسلاميين ينتمون إلى الحزب الاسلامي ـ
جماعة الإخوان في العراق. تنشط في نينوى وكركوك، على وجه الخصوص وبعض
مناطق بغداد. تُعتبر الجماعة ذات عقيدة عسكرية بحتة في ما يخص الجانب
القتالي وتشترط على عناصرها اتباع النظام العسكري السابق المتبع في
الجيش العراقي المنحل.
الانترنيت والتواصل الاجتماعي
وفقا الى تقرير تناولته ال "بي بي سي" في اعقاب اجتياح الموصل
والمدن الاخرى وضع التنظيم خطة معقدة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي
للترويج لنفسه. ونشطت عدة حسابات على موقع تويتر تمثل "داعش" في العراق
وسوريا، وتنقل مباشرة آخر تطورات عمليات التنظيم، بالإضافة إلى نشر صور
عن تحركاته. وأطلق مسلحو "داعش" حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لرفع
راياته بعد اجتياح الموصل، البعض منها رفعت في اوربا على وجه التحديد
في لندن وامستردام. وينشر التنظيم، خاصة على موقع تويتر، صور وبيانات
لإبراز قوته العسكرية وتقدمه الميداني في العراق. وتشمل المواد
المنشورة "هاشتاجات"، وروابط، وصور، ومقاطع فيديو، وغيرها. وقد نشر ما
يقرب من 40 ألف تغريدة في يوم واحد أثناء الاشتباكات الدائرة مؤخرا في
العراق. النشاط الاعلامي استقطب اعداد جديدة من الشباب ومن مقاتلي
تنظيمات جهادية اخرى. وكشفت ال بي بي سي ايضا عن حملة التحاق مقاتلي
جدد من اوربا خاصة من بريطانيا.
إن الانجازات التي حصل عليها "داعش" في العراق بعد اجتياح الموصل
ربما تكون عنصر مفاجأة ليست الى العراق بل الى الولايات المتحدة واطراف
دولية واقليمية. التهديدات التي تشهدها دول الجوار العراقي اليوم ربما
لا تكون عبر الحدود بقدر ما تكون من الداخل بسبب حالة الوهج والاستقطاب
التي حصل عليها التنظيم. التنظيمات "الجهادية" تظهر في الدول الضعيفة
التي تعاني من فراغ السلطة وغياب الاصلاحات والفساد. دول الجوار
العراقي لديها استشعار بالتهديدات وهنالك إجراءات استخبارية ومعلوماتية
احترازية الى جانب الخطوات العسكرية.
إن تجربة "داعش" في سوريا وتحالفاته مع بقية الفصائل والكتائب منها
الاسلامية وغير الاسلاموية، نتج عنها خلافات وانشقاقات ومواجهات مسلحة
وصلت الى كسر العظم، وهذا مابات متوقعا في المشهد العراقي بعد ان شكل
ابو بكر البغدادي محاكمه الشرعية وفرض تعاليمه الاسلاموية في "ولاية"
الموصل. النزاعات سوف تكون على الغنائم والزعامة والسيطرة على الثروات
وهو ما بات مرجحا في الفترة القادمة، ذلك من شأنه ان ينتزع عوامل القوة
من "داعش" في العراق وسوريا.
* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة
النبأ المعلوماتية |
