الاخلاق في المجتمع

حاتم حميد محسن

 

 الاخلاق هي الطريقة التي يعيش بها كل فرد حياته، لكنها على الاغلب تتعلق بالطرق التي نتفاعل بها مع الاخرين. وبهذا يمكن التفكير في الاخلاق بطريقتين: اما من منظور الفرد ضمن المجتمع، او من وجهة نظر المصلح الاجتماعي. بكلمة اخرى، أستطيع السؤال: "كيف يجب ان اتصرف تجاه الناس حولي؟" او السؤال، "كيف يجب ان يُنظّم المجتمع؟"

هذان المنظوران للأخلاق كلاهما ورد ضمن أخلاق عمانوئيل كانط ذات الصفة الالزامية والمطلقة التي أطلق عليها بـ Kant’s Categorical Imperative، والتي تؤكد اننا حينما نتصرف في حياتنا، فيجب ان نتصرف كما لو كنّا نشرّع قواعد لكل المجتمع: "نتصرف وفي نفس الوقت نكون فيها ضمن قانون عالمي دون اي تناقض"، كتب ذلك كانط مؤكدا "انه لا يستطيع عمل استثناء اخلاقي لذاته. لأن الناس الآخرين هم صنّاع لقواعد اخلاقية تماما كما انا، هم يستحقون ان يُعاملوا كغاية بذاتهم، بدلاً من ان يكونوا مجرد وسائل لغاياتي الخاصة". لذلك فان اخلاق كانط هي حول الواجبات التي ندين بها للآخرين.

ولكن هناك اتجاه اخلاقي آخر، يبرز حينما نأتي لإدارة المجتمع، وهو اتجاه يزداد قبولاً وشعبيةً. عندما نسأل كيف يجب ان يتصرف حكام المجتمع سواء كانوا رؤساء او امراء او مدراء مستشفيات، فان العديد من الناس يقولون ان قراراتهم يجب ان ترتكز على ما يُحتمل ان يكون لها افضل النتائج لجميع الناس الذين يتأثرون بها. هذا الاتجاه في الاخلاق يسمى بـ التحصيلي consequentialism، لأنه يرى ان الناس يجب ان يقرروا ما يجب القيام به من خلال النظر للنتائج المحتملة لطرق السلوك المختلفة والمتنافسة.

لذا نحن نستطيع النظر الى الاخلاق اما من منظور فردي، او من منظور الحكومات والمجتمعات والمصلحين الاجتماعيين. بعض فلاسفة الاخلاق النفعيين – بما فيهم جون ستيوارت مل – كانت لديهم احيانا الرغبة في التأرجح من احد الاتجاهين الى الآخر، او على الاقل لا يكونوا واضحين حول ما يتحدثون عنه في وقت معين. لكن مؤسس النفعية Jeremy Bentham (1748-1832) لم يكن فقط فيلسوفا وانما ايضا مصلحا اجتماعيا (ومصمم للسجون). كتاباته كانت تنصب اساسا على تحسين المجتمع وكان اتجاهه تحصيليا او نفعيا (يعتمد على المحصلة). بالنسبة لبنثام يرى ان اختبار اي مؤسسة قائمة، او اي اصلاح مقترح، هو ان نسأل: هل ان محصلته ستزداد ام ستقل من حيث الكمية الكلية للسعادة في العالم؟

يرى Stuart Greenstreet ان عقوبة السجن لا تعمل كوسيلة لمنع الجريمة، ذلك لأن ارتفاع نسب تكرار الجريمة من الذين اُطلق سراحهم يعني ان السجن يساهم حقاً في زيادة نسبة الجريمة. هو يؤكد ان الطريقة الفعالة لخفض الجريمة هي بإزالة جذور الجريمة الكامنة في الفقر والحرمان. يقوم غرينستريت بتقييم السجن بطريقة نفعية، ويجادل بان له نتائج سيئة بسبب ارتفاع نسب تكرار الجريمة. السجون هي جامعات للجريمة، خاصة في المدى البعيد. واذا كان الهدف من نظام العدالة الجنائية هو حماية أفراد المجتمع بدلا من الرغبة بالانتقام من المعتدين، عندئذ فان معالجة الفقر تكون هي الطريقة الاكثر فاعلية.

 غير ان هذا الموضوع لازال يترك لنا سؤالين بلا اجوبة. اولا، ماذا عن الجرائم التي يرتكبها الناس ذوي الوظائف الجيدة والتعليم اللائق؟ التحرر من الفقر لا ينهي مشكلة معاقبة مثل هؤلاء الاشرار. وثانيا، ماذا يجب ان نعمل تجاه المجرمين الذين اُلقي القبض عليهم لكننا لانزال في طور عملية ازالة الفقر، وهي العملية التي تأخذ عدة عقود؟

..................................................

Ethics in Society, Philosophy Now – Issue 102 –May/Jun 2014.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/حزيران/2014 - 30/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م