"داعش" من يقود العمليات في العراق

جاسم محمد

 

يسعى "داعش" للسيطرة على قضاء تلعفر لأسباب إستراتيجية وسط نزوح الاف العائلات وهنالك تضارب بالاخبار حول من يسيطر على المدينة حيث اعلنت الحكومة العراقية صد هجمات "داعش" مابعد اجتياح الموصل، ينفي بعض الاخبار التي وردت على لسان بعض المجموعات المسلحة بينها فصائل البعث ورجال الطريقة النقشبندية، بأن "داعش" مجرد فصيل من الفصائل المشاركة بـ" الثورة" على حد لسانهم، وان دورها انتهى وسينتهي بتعيين مسؤولي ادارة مدنية الى الموصل والمدن العراقية الاخرى.

تلعفر، هي مدينة تقع في شمال غرب العراق في محافظة نينوى يسكنها نحو 425 الف نسمة حسب، اغلب سكان مدينة تلعفر هم من التركمان من الطائفة الشيعية بالاضافة الى الطوائف والاديان الاخرى ابرزها الايزيدية، تبعد عن غرب الموصل بـ 30 ميلاً، وعن جنوب الحدود العراقية التركية بحوالي 38 ميلاً وعن شرق الحدود العراقية السورية بحوالي 60 كم.

تدفق المقاتلين الاجانب الى العراق

الاخبار والوثائق عكست وجود ارتال "داعش" وبأعداد كبيرة، وتدفق الى تنظيمها في العراق اعداد جديدة من داخل سوريا، حتى باتت التقارير الميدانية من داخل سوريا تقول بان حدة المواجهات والعمليات العسكرية انخفض معدلها وان نظام الاسد علق الكثير من عملياته بسبب انسحاب ميليشيات شيعية من سوريا الى العراق للمشاركة بالقتال ضد "داعش". التقارير الاعلامية ذكرت بان مقاتلي حزب الله استلموا مسؤولية حماية المراقد الشيعية في سوريا. يشار ان ايران اكدت وجودها في العراق من خلال مقاتلي لحرس الثورة الايرانية، على مستوى مستشارين واخرين مقاتلين. التقارير ذكرت وصول مجموعات من الحرس الثوري الى الداخل العراقي، ايران تجد نفسها طرفا في الازمة العراقية التي باتت تهدد امنها القومي.

المشهد السوري يبدو انه انتقل الى العراق مع وجود غالبية اطراف الصراع، الشيء الوحيد الذي اختلف هو المكان، لكن ربما حدة المواجهات سوف تكون اشد من سوريا بسبب ما يمثله الشيعة من غالبية في العراق وتمسكهم بالمرجعية الدينية وحماية المراقد المقدسة ربما اكثر ما موجود في سوريا بالاضافة الى ان نفوس العراق التي تصل الى مايقارب ثلاثين مليون نسمة وسعة مساحة الجغرافية.

استطاعت "داعش من استقطاب مقاتلي اجانب جدد حيث اظهرت وسائل الاعلام الاجنبية باللغة الانكليزية عن جلسات حوار لمقاتلي شباب اجانب من بريطانيا ودول اخرى ومن اصول اسيوية ـ الباكستان تدعو فيها التحاق المقاتلين الاجانب للقتال في العراق، وهذا ما اثار قلق رئيس الحكومة البريطانية كاميرون أكثر من عودة المقاتلين الاجانب الى بريطانيا اكثر من قلقه على المجازر الجماعية التي ترتكبها "داعش" ضد العراقيين، ردود فعل بريطانيا تضمنت وضع تنظيمات "جهادية" جديدة على قائمة الارهاب. كذلك اظهرت بعض المواقع "الجهادية" في اليمن منها مجموعة حاتم اليمني، تبارك فيها ما حققته "داعش" في العراق. واطلق داعش حملة الكترونية في 20 يونيو 2014 لدعم عمليات التنظيم في العراق وسوريا. كما يطلق هاشتاج جديدا على تويتر باسم [#جمعة_نصرة_الدولة_الاسلامية] مطالبا داعميه حول العالم بتصوير أنفسهم وهم يرفعون راية "داعش" ونشر صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي. وفقا لتقرير نشرته ال بي بي سي، يختار التنظيم صورا قد يكون لها وقع قوي، يفترض أن يولد شعورا بالخوف لدى أعدائها، وأن يحصل على إعجاب مجموعات متطرفة أخرى.

العراق يختلف عن سوريا

لعبت جغرافية سوريا وامتداد حدودها مع تركيا على وجه التحديد وكذلك مع لبنان الى فتح معابر حدودية لعبور المقاتلين والمتطوعين الاجانب ابرزها بوابة انطاكيا. في المشهد العراقي ربما الجغرافية تختلف وهي اصعب من سوريا بالنسبة الى "داعش" وربما بسبب تحديد "داعش" في معبر اليعربية ـ القامشلي عبر محافظة الموصل الى المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا ابرزها الحسكة والرقة وكذلك معبر القائم ـ دير الزور مع صحراء الانبار الذي اصبح الان اقل اهمية في اعقاب اجتياح الموصل يوم 10 يونيو 2014. هذه الجغرافية ربما لا تعطي مقاتلي "داعش" من الاجانب من خارج سوريا للتدفق بنفس الحجم الذي كان يتدفق على سوريا من المعابر التركية، هذا ربما يكون السبب وراء إصرار "داعش" للسيطرة على مدينة تلعفر بسبب موقعها الجغرافي مع تركيا وسوريا ايضا. امنيا ولوجستيا ممكن اعتبار محاولة "داعش" للسيطرة على تلعفر هي خطوة استباقية واحترازية. إن مايحدث من تحرك في المنطقة الشمالية والشمالية الغربية يعكس خارطة "داعش" اكثر مايعكس خارطة المجموعات المسلحة الاخرى وهي من تدير القتال في العراق وسوريا وتؤكد اعلان الموصل ولاية لها لتنفي ما تأتي من تصريحات من المجموعات المسلحة الاخرى المتحالفة مع "داعش". الصور الواردة من مدينة الموصل وعلى بعض الفضائيات اظهرت سيطرة مفارز "داعش" على المدينة ورفع راياتها السوداء على سيارات وعجلات عسكرية عراقية تم الاستيلاء عليها مابعد الاجتياح.

الملثمون

إن قيادات الجيش السوري الحر المنشقة عن النظام كانت تظهر على العلن وبوسائل الاعلام رغم وحشية النظام وهي تدير العمليات وتقاتل النظام، مايجري في المشهد العراقي، ظهرت بعض الصور الخجولة التي تظهر احد "القيادات" العسكرية متقدمة برتبة لواء اركان ملثم! يقابله ظهور زعامات "داعش" و مجموعات "جهادية" تظهر باوضاع مستريحة منها ظهور احمد الدباش زعيم جيش المجاهدين.

الشيخ حسن الناصري، شيخ عشيرة الرئيس ال بو ناصر ـ العلم بان مقاتلي "داعش" تحاصر منطقة العلم والعوجة ـ محافظة صلاح الدين، والذي اعلن برائته عن ما تقوم به "داعش" والمجموعات المسلحة وحزب البعث ووصفهم قائلا "اولئك لايمثلون شيء الى صدام حسين" شهود عيان من ناحية العلم والعوجة اكدت بان المقاتلين كانوا يرفعون الرايات السوداء الداعشية في محاصرتهم للمناطق. يبدو ان المشهد في مدينة صلاح الدين وكذلك في مدينة سامراء رافضا الى حركة التمرد هذه، على خلاف مايجري في مدينة الموصل والانبار.

"داعش" لا تراعي صورتها في الاعلام

"داعش" ذلك التنظيم التي لا تراعي حرمة دماء المسلمين الاديان الاخرى، وكذلك هي لا تراعي تحسين صورتها امام المجتمعات التي تسيطر عليها او من خلال وسائل الاعلام، حساباتها فقط السيطرة ومسك الارض والاستيلاء على الثروات والزعامة. ان "داعش" تقصد اعطاء صورة وحشية شرسة دموية عن تنظيمها من اجل اثارة الرعب في نفوس خصومها. "داعش" تقطع الرؤوس ولاتدفن ضحاياها لإعطاء الصورة الدموية عن نفسها. تجارب العراقيين مع التنظيم في المواجهات الطائفية عام 2005 ـ 2006 كانت تعلق رؤوس ضحاياها والجثث على امتداد اعمدة الشوارع وسط مدينة بغداد لاثارة المزيد من الرعب. اليوم هي تضم تحت عبائتها فصائل"جهادية" ومجاميع مسلحة اخرى وهي تعيد مشهد "مجلس شورى المجاهدين" ـ القاعدة في العراق مابعد 2003 .

ابو محمد المقدسي

المملكة الاردنية الهاشمية افرجت منتصف شهر يونيو 2014 عن ابو محمد المقدسي بعد سنوات من الحبس، ابرز منظري الفكر "الجهادي" الذي عرف بانتقاداته الى ابو مصعب الزرقاوي وطلب منه ان يتقي الله بدماء المسلمين، واعاد نصيحته الى ابو بكر البغدادي مطلع عام 2014 من سجنه، لكن يبدو ان البغدادي اصر ان يرتكب ذات الاخطاء التي ارتكبها الزرقاوي. الخطوة الاردنية ممكن تفسيرها بانها خطوة ذكية وإستباقية لاحتواء ومواجهة اي استقطاب داعشي الى شباب الاردن المغرر بهم، حيث اعلنت مجموعة تضم 200 مقاتلا فرعا الى"داعش". المملكة لاردنية عرفت عنها بدولة المؤسسات وتمتلك القدرة اكثر من القوة لاحتواء التطرف ومواجهة الارهاب والتعايش مع الاسلام السياسي ابرزها جماعة الاخوان، رغم ماتشكله من صداع الى القصر الملكي. يشار ان الاردن هو حجر الزاوية في معادلة امن المنطقة وسداد الامان بدونه سيكون هنالك توسع لمنخفض التطرف والارهاب.

"داعش" ومواجهة الاكراد

باتت إستراتيجية "داعش" معروفة بالسيطرة على مصادر الطاقة والثروات في سوريا والعراق، وعكست عمليات التنظيم في دير الزور ذلك. لذا مصفى بيجي كان ومايزال ابرز الاهداف التي يقاتل من اجلها، لكن المعادلة ممكن تختلف في حالة فرض سيطرة الكرد عليها وعلى مدينة كركوك بالكامل بدلا من القوات العراقية. العمليات الميدانية على الارض بعد يوم 10 يونيو 2014 كشفت عن تجنب "داعش" الدخول باي مواجهة مع الكرد، ربما يكن ذلك لأسباب تعبوية، ان عدم رغبة "داعش" فتح اكثر من جبهة وفي نفس الوقت الكرد انفسهم لايريدون فتح حرب جديدة هم في غنى عنها. التقارير المعلوماتية ذكرت بانه كان هنالك حالة تماس واحدة عند محافظة دهوك اقصى الشمال، لكن تراجعت "داعش" عندما تأكدت بانها قوات بيشمركة وليست الحكومة المركزية. وحدث اشتباك محدود جدا في منطقة جلولاء ـ محافظة ديالى يوم 19 يونيو 2013، بسبب تعرض "داعش" الى بعض المناطق المتنازع عليها مابين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان. هذه الخارطة بضمنها بيجي ومصفى بيجي تعكس خارطة التنظيم اكثر من بقية المجموعات المسلحة.

استنفار شيعي

تعيش بغداد حالة من اعادة التنظيم على مستوى الامن والدفاع وحالة استنفار شعبي بعد فتوى الامام السيستاني "بالجهاد الكفائي" بعض المعنيين بالمرجعية الشيعية ذكروا، بان هذه الفتوى لم تطلق الا مرة واحدة منذ مطلع القرن الماضي المراقبين وصفوا فتوى الامام السيستاني بانها جزء من الحل السياسي اللازمة في العراق وقد اكدت المرجعية ثانية على ضرورة تشكيل حكومة وطنية وعدم السماح بتأجيل اجتماعات البرلمان العراقي. المرجعية الشيعية اكدت على مواجهة تهديدات "داعش" في اعقاب تهديد العدناني باجتياح مدينة كربلاء المقدسة والنجف الاشرف وهي دعوة للدفاع عن العراق لا تتحدد بطائفة معينة. الشيعة في العراق اعتبرت حمل السلاح دفاعا عن النفس امام اي تهديد لاجتياح مدنهم وتهديد مراقدهم. يشار بأن الفتوى الشيعية اوضحت يوم 20 يونيو 2014، بأن عمليات تعبئة المقاتلين والتطوع يكون ضمن تشكيلات قوات الدفاع العراقية النظامية وليس الالتحاق بالمليشيات الشيعية التي تقاتل الى جانب الحكومة. المرجعية اكدت ان يكون السلاح بأيدي الدولة لتجنب اساءة استخدامه.

"داعش" ممكن تستخدم السلاح الكيميائي

تهديدات "داعش" لايمكن التنبؤ بها، فهي تعتمد عنصر الصدمة والرعب، اي عنصر المفاجأة. لقد تناولت صحيفة الديلي تلغراف بنسختها الانكليزية ليوم 20 يونيو 2014، بأن "داعش" سيطرت على ماتبقى من منشأة المثنى. قالت المصادر الاعلامية ، إن قوة من قيادة عمليات سامراء يوم 6 يونيو 2014 تمكنت، من صد هجوم مسلح على منشاة المثنى التابعة لوزارة العلوم والتكنلوجيا في منطقة الثرثار غربي مدينة سامراء. ذكر Damien McElroy في مقال على الديلي تلغراف بنسختها الانكليزية يوم 19 يونيو 2014، بأن داعش هاجمت منشاة المثنى المعروفة بترسانتها الكيميائية واستطاعت الوصول الى مخزني المنشأة والتي تضم مواد كيميائية تالفة بضمنها مادة "السارين" السامة. وبرغم ان ترسانة الاسلحة الكيميائية فاقدة المفعول، لكن ماتزال تمثل قلق الى الغرب والى واشنطن، وهنالك مخاوف من اعادة استخدام المواد الكيميائية السامة في مواجهتها مع القوات العراقية او ضد اهداف غربية داخل او خارج العراق. كانت منشأة المثنى تابعة الى هيئة التصنيع العسكري ماقبل 2003 بإشراف منظومة التصنيع العسكري. يشار ان منشأة المثنى تعد اكبر منشئات صنع المواد الكيميائية منذ مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي حتى تفكيكها مطلع منتصف التسعينيات من قبل فرق التفتيش الدولية.

رؤية باتريوس تعارض مهادنة اوباما

لقد اظهرت "داعش" الكثير من التوسع في جغرافية اهدافها داخل العراق ماقبل وبعد اجتياج الموصل، وهي تنفذ توجيهات العدناني المتحدث باسم "داعش" الذي دعا فيها مقاتليها [الى عدم التوقف والاستمرار لغرض الاجهاض على الخصم]. توسع "داعش" اثار الكثير من المخاوف عند الغرب امام مهادنة اوباما، ورغم ما اتخذه من قرارات بإرسال بضعة مئات الجنود وعدد من المستشارين وتحريك حاملة الطائرات ربما تكون لحماية السفارة الاميركية ومصالحها في العراق اكثر من القيام بعمليات عسكرية واسعة ضد "داعش" في العراق. مجموعة ال 300 من الخبراء التي ارسلها اوباما الى العراق هي مجموعة نخبة قتالية، وهي على غرار المجموعة القتالية التي اعتقلت مطلوبين في ليبيا مثل ابو انس او ابو ختالة داخل ليبيا. وهذا يعني ان جهود الولايات المتحدة سوف تركز على الاستخبارات وليس الجهد العسكري، ربما ينتج عنها اقتناص واصطياد قيادات "داعش".

 التقارير والتقديرات اكدت في وقت سابق بان الجهود الاميركية في العراق سوف لا تتعدى الجهد الاستخباري وتزويد العراق بالمعلومات الاستخبارية، هذه الخطوة تحتاج وقت اطول كون العمليات العسكرية تحتاج تغذية عسكرية من شبكة عملاء ومعلومات على الارض.

الجنرال باتريوس في مقابلة خاصة الى Con Coughlin وWhitehead محرري شؤون الدفاع في الديلي تلغراف في نسختها الانكليزية يوم 19 يونيو 2014، أكد فيها قائلا " الولايات المتحدة يجب ان تهاجم جيش الارهاب في العراق والتي ممكن ان تهدد امن الغرب." هذا التصريح يأتي من باتريوس عراب الصحوات في العراق عام 2006 وعراب محاولة تحويل طالبان الى حركة سياسية اكثر من حركة "جهادية" وهو الرئيس السابق الى وكالة ال "سي اي اية". كان رأي باتريوس يتعارض مع مهادنة اوباما التي اصبحت ابرز سماته وفقدت ثقة المنطقة بها. إن مايجري في العراق بات حالة صعبة لايمكن معالجتها بالحسم العسكري، يذكر ان الحرب ضد "داعش" والقاعدة لا يوجد فيها حسم عسكري بقدر. ان الاوضاع خاصة في الموصل لايمكن اعادتها الى وضعها السابق، كون التقسيم جاري مهما كانت النتائج. الوضع في مدينة صلاح الدين والانبار ربما يكون اهون. الرهان مازال قائما على الحل السياسي الذي من المتوقع ان ينحصر في التوافق الاميركي الايراني. باتت التنظيمات "الجهادية " القاعدية تتوسع في المنطقة عبر الحدود، فما تنتهي جبهة الا بفتح جبهة جديدة، يحتاج ذلك الى تظافر اقليمية ودولية لمواجهة الارهاب وتجفيف منابعه ضمن سياسات سريعة عسكرية واخرى جذرية بعيدة الامد .

* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/حزيران/2014 - 27/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م