ذرائع إسرائيلية لفرض حرب على الفلسطينيين

 

شبكة النبأ: ربما وجدت الحكومة الإسرائيلية من حادثة خطف الشبان الإسرائيليين فرصة مؤاتية لشن حملة من الاعتقالات والقصف الجوي، إضافة الى ممارسة المزيد من الضغط السياسي والاقتصادي على السلطة والشعب الفلسطيني، كرد فعل على اتفاق المصالحة الأخير بين فتح وحماس والذي أنهى قطيعة دامت لسنوات بين أكبر حركتين داخل الأراضي الفلسطينية، على حد تعبير الكثير من المحللين.

كما أظهرت ردود الأفعال الإسرائيلية حجم الغضب الذي اخفته جراء التحركات السياسية التي قامت بها السلطة الفلسطينية بعد فشل المفاوضات حول قيام الدولة الفلسطينية تحت رعاية الولايات المتحدة الامريكية، سيما على المستوى الدولي بعد ان وقع عباس طلبات الانظام الى المنظمات الدولية، وخطوة التصالح مع حماس، والتي تعتبرها الحكومة الإسرائيلية منظمة إرهابية تهدد وجود إسرائيل كونها لا تعترف بها كدولة من الأساس.

وقد أشار معظم المراقبين، ان ردود الأفعال المبالغ فيها، والتي عبر عنها الساسة الفلسطينيين بـ"سياسة العقاب الجماعي"، انما جاءت كنوع من الانتقام العسكري ضد السياسية الفلسطينية، وان إسرائيل لا تعرف غير لغة التهديد والعدوان العسكري، كما أشار بعض الباحثين.

من جهته اتهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في جدة الجهة التي خطفت الاسرائيليين الثلاثة بانها تريد ان "تدمرنا" وتوعدها بالمحاسبة، وقال عباس امام وزراء خارجية دول منظمة التعاون الاسلامي ان "من خطف الفتيان الثلاثة يريد ان يدمرنا وسنحاسبه"، واضاف "لا نستطيع مواجهة اسرائيل عسكريا انما سياسيا" مدافعا عن التنسيق الامني مع اسرائيل مؤكدا عدم اللجوء الى السلاح وانه لن تكون هناك انتفاضة أخرى، وقال في هذا الشأن "من مصلحتنا ان يكون هناك تنسيق امني مع اسرائيل لحمايتنا، اقول بكل صراحة لن نعود الى انتفاضة اخرى تدمرنا كما حدث في الانتفاضة الثانية".

في سياق متصل قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده والفلسطينيين تراشقوا بإطلاق النار في أعنف اشتباكات في شوارع الضفة الغربية المحتلة منذ بدء البحث عن ثلاثة شبان إسرائيليين مختفين منذ مدة، وقال مسؤولو مستشفى إن ثلاثة فلسطينيين أصيبوا بأعيرة نارية في الاشتباكات التي جرت الليلة الماضية في جنين التي شهدت معارك دامية إبان الانتفاضة الفلسطينية قبل عشر سنوات، ولم ترد تقارير عن وقوع خسائر بين الإسرائيليين، وقال الجيش الاسرائيلي في بيان إن نحو 300 فلسطيني بعضهم "ألقوا المتفجرات وفتحوا النار" واجهوا الجنود الذين دخلوا جنين بحثا عن الشبان الثلاثة المختفين.

وتتهم إسرائيل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بخطف الثلاثة قرب مستوطنة يهودية، وقال البيان "رد الجنود بالذخيرة الحية" مضيفا أن 30 شخصا "يشتبه بأنهم ارهابيون" اعتقلوا في الضفة الغربية ليرتفع بذلك عدد الفلسطينيين الذين ألقي القبض عليهم إلى 280، وسمع في جنين دوي اطلاق نار كثيف أثناء الليل لكن الجيش الاسرائيلي منعهم من الاقتراب من مكان الاشتباكات، وقالت إسرائيل إن عمليتها في الضفة الغربية تتكون من شقين الأول هو العثور على المفقودين الثلاثة -جلعاد شاعر (16 عاما) ونفتالي فرانكيل (16 عاما) وهو إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية وايال يفراح (19 عاما)- والشق الثاني هو توجيه ضربة قوية لحماس.

واتهم بيان صادر عن مكتب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل باستخدام اختفاء الشبان "ذريعة لإنزال أشد العقوبات بحق شعبنا وحصاره" فيما يمثل انتهاكا للقانون الدولي، واتسعت العمليات الإسرائيلية التي بدأت بالتفتيش من منزل الى منزل في مدينة الخليل التي اختفى فيها الشبان الثلاثة لتشمل مداهمات في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية استهدفت مؤسسات يعتقد أنها تمول وتدعم حماس، وأضاف بيان الرئاسة الفلسطينية "سياسة العقوبات الجماعية التي تنفذها حكومة الاحتلال ضد أرضنا وشعبنا تتطلب من العالم بأسره ومؤسساته وشعوبه ليس فقط الإدانة والتنديد بل الفعل والعمل والضغط بكل السبل على إسرائيل وحكومتها للكف عن هذه السياسة غير الأخلاقية وغير الشرعية".

وفي حين استمرت عمليات الجيش داخل الخليل جرى تقليص الوجود الكثيف للقوات حول المدينة، وتركت بعض حواجز الطرق عند مدخل المدينة بلا جنود وهو ما يسمح للعربات بدخول المدينة والخروج منها بحرية، وانسحبت وحدات المظليين التي كانت تتمركز على طريق قريب، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقر للجيش بالضفة الغربية قرب الموقع الذي يعتقد أن الشبان الثلاثة خطفوا عنده "نعرف اليوم أكثر مما كنا نعرف قبل أيام قليلة لكن لا يزال أمامنا طريق علينا أن نسير فيه"، وقالت إسرائيل إنها منعت (في إطار حملتها الأمنية) جمعية خيرية مقرها بريطانيا من العمل في الضفة الغربية المحتلة متهمة منظمة "الاغاثة الإسلامية عبر العالم" بأنها مصدر تمويل لحركة حماس.

وقالت منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم إنه لم يتم إبلاغها بشكل مباشر بأي عقوبات عليها، وأصدرت بيانا في موقعها الإلكتروني يقول إنها "مندهشة وتشعر بقلق بالغ" من الأنباء التي أوردتها وسائل الإعلام، وقال البيان "لم تسمع منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم شيئا عن هذا القرار من حكومة إسرائيل أو أي مصادر رسمية، وكل ما نعرفه أوردته وسائل الإعلام"، وقال مسؤولون في منظمة الإغاثة الدولية في فلسطين ومقرها في قطاع غزة وهي أحد أفرع منظمة الإغاثة الإسلامية إنهم ليست لديهم معلومات عن القرار الإسرائيلي، وفي جامعة بيرزيت القريبة من مدينة رام الله الفلسطينية صادر جنود إسرائيليون ملصقات وأعلاما لحماس كانت بحوزة جماعة طلابية مرتبطة بالحركة.

وقال الجيش إن الجنود فتشوا نحو 900 موقع حتى الآن، ولم ترد اي انباء عن الشبان المختفين ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها ولم تطلب أي فدى، ولم تؤكد حماس مسؤوليتها لكنها لم تنفها أيضا، وقال الناطق باسم حماس سامي أبو زهري في مؤتمر صحفي في غزة إنه بغض النظر عن الجهة المسؤولة عن خطف الشبان فإن "المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني بكل أشكالها وذلك من أجل تحرير الأرض والمقدسات والأسرى"، وقال الجناح المسلح لحركة حماس في قطاع غزة إن ستة على الأقل من أعضائه قتلوا عندما انهار نفق حفرته الجماعة قرب الحدود مع إسرائيل للتسلل إلى الدولة اليهودية. بحسب رويترز.

وأصدرت حماس وعشرة فصائل فلسطينية أخرى بيانا مشتركا قالت فيه إنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام العملية الأمنية الإسرائيلية في الضفة الغربية فيما يمثل تهديدا بالمقاومة المسلحة، وفي وقت لاحق أطلق نشطاء صاروخين من قطاع غزة على اسرائيل أسقط أحدهما نظام القبة الحديدية الإسرائيلي لاعتراض الصواريخ، وقال الجيش إنه لم يقع أي ضرر من جراء الصاروخين، ويتوقع خبراء أمنيون أن يزداد استياء الفلسطينيين من القيود الإسرائيلية في الضفة الغربية مع اقتراب شهر رمضان الذي يبدأ في 28 أو 29 من يونيو حزيران.

حملة اعتقالات

الى ذلك أعلن الجيش الإسرائيلي أن إسرائيل اعتقلت 51 أسيرا فلسطينيا محررا كان أفرج عنهم عام 2011 في إطار اتفاق لمبادلة الأسرى وذلك في سادس أيام البحث عن ثلاثة شبان يهود مفقودين يعتقد أنهم خطفوا في الضفة الغربية المحتلة، وتتهم إسرائيل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بخطف الشبان الثلاثة، وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن أكثر من 65 فلسطينيا اعتقلوا بينهم 51 أسيرا كانوا ضمن مجموعة تشمل 1027 أسيرا أفرجت إسرائيل عنهم قبل ثلاث سنوات مقابل اطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته حماس عام 2006.

وتابع المتحدث اللفتاننت كولونيل بيتر ليرنر "نبذل جهدان متوازيان، الأول هو إعادة الفتيان والثاني هو أن نجعل حماس تدفع ثمن تصرفاتها"، وقال الفلسطينيون إن غالبية الأسرى المحررين الذين اعتقلوا من جديد ينتمون لحماس واتهموا إسرائيل بخرق اتفاق مبادلة الأسرى.

وقال قدورة فارس رئيس نادي الأسير الفلسطيني "ما تقوم به إسرائيل سياسة انتقام وليس اجراءات أمنية"، وصرح مسؤول مصري بأن القاهرة التي تتواصل مع حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى تساعد إسرائيل في جمع معلومات قد تؤدي إلى العثور على الشبان المفقودين.

لكن المسؤول نفى تقارير اعلامية إسرائيلية وفلسطينية أفادت بأن مصر تبذل جهود وساطة، وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أسفر اتفاق للمصالحة عقده مع حماس في ابريل نيسان عن قرار إسرائيلي بتعليق محادثات السلام معه إن من نفذ الخطف لم يجلب للفلسطينيين في الضفة الغربية سوى الحملة العسكرية الإسرائيلية. بحسب رويترز.

وصرح ليرنر بأن الجيش الإسرائيلي داهم مؤسسات تقدم دعما معنويا لحماس مثل محطة الأقصى الإذاعية التابعة للحركة، وأضاف أنه تمت مصادرة أجهزة كمبيوتر ووثائق، وقال "إنها عملية متعددة الأبعاد سواء على المستوى العلني أو السري وبالطبع ستسدد ضربة قوية لحماس وبنيتها التحتية ومؤسساتها وشريان حياتها وكل ما يبقي نشاطها مستمرا".

فيما شن الطيران الإسرائيلي غارات على قطاع غزة بحسب ما أفاد مصدر أمني فلسطيني والجيش الإسرائيلي الذي أوضح أن الغارات جاءت ردا على إطلاق صاروخ على الأراضي الإسرائيلية، وفي الضفة الغربية يواصل الجيش الإسرائيلي حملة اعتقالات ضد حركة حماس  حيث اعتقل 41 ناشطا من الحركة على خلفية اختطاف ثلاثة شبان إسرائيليين، وقام الجيش بعملية الاعتقالات مع تعزيزات مؤلفة من ألف جندي في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية ومخيم بلاطة للاجئين القريب منها، وتركزت العمليات في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة.

وقال مصدر أمني فلسطيني وشهود عيان إن طائرات حربية إسرائيلية نفذت غارات في خان يونس جنوب قطاع غزة دون أن تسفر عن إصابات، وقال المصدر الأمني إن "طائرات الاحتلال أغارت مرتين بالصواريخ على أرض خالية قرب مدينة أصداء (الترفيهية) غرب خان يونس ما أدى إلى إشعال حريق في المكان وأحدث حفرا كبيرة ولم تسجل إصابات"، وذكر شهود أن الطيران الإسرائيلي "شن غارة مماثلة على أرض خالية في شمال غرب خان يونس ما أدى إلى أضرار" دون إصابات أيضا.

التوافق الفلسطيني

من جانب اخر قال مسؤولون ومحللون إن اختفاء ثلاثة شبان يهود في الضفة الغربية المحتلة يهز المصالحة بين الفصائل السياسية الفلسطينية ويهدد استقرار حكومة التوافق الوطني الجديدة، وتتهم إسرائيل حركة المقاومة الإسلامية حماس بتدبير خطف الشبان الثلاثة واعتقلت 240 فلسطينيا على الأقل أثناء عملية بحث واسعة فشلت حتى الآن في التوصل لمكان الثلاثة، وترفض حماس تأكيد أو نفي أي علاقة لها بالخطف لكن كثيرا من الفلسطينيين يعتقدون أنها وحدها لديها المعرفة أو الشبكة اللازمة لخطف ثلاثة شبان واخفائهم عن العيون.

وقال المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري إن "تصريحات الرئيس عباس حول التنسيق الأمني غير مبررة وضارة بالمصلحة الفلسطينية وهي مخالفة لاتفاق القاهرة وللإجماع الوطني الفلسطيني وهي محبطة وقاتلة لنفسيات ومعنويات آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يتعرضون للموت البطيء في سجون الاحتلال"، لكنه قال إن حماس ما تزال ملتزمة بإعلان للمصالحة صدر في أبريل نيسان وأدى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في وقت سابق.

واستهدف الإعلان إنهاء سبع سنوات من الانقسام كانت خلالها الضفة الغربية تحت السيطرة الجزئية للسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب والتي يرأسها عباس في حين حكمت حماس قطاع غزة، وقال المحلل السياسي في غزة حمزة أبو شنب "حقيقة انه لا يوجد اعلان مسؤولية حتى الآن لربما يكون العائق الوحيد والشيء الوحيد الذي يمسك بالمصالحة من أن تسقط"، وقال مسؤول بالسلطة الفلسطينية طلب عدم نشر اسمه إن اتفاق المصالحة يدعو إلى كفاح سلمي ضد إسرائيل، وأضاف أن "الشراكة قد تصبح صعبة إذا اتضح أنها (حماس) مسؤولة عن اختفاء المستوطنين الثلاثة".

وقال هاني المصري المحلل السياسي بالضفة الغربية إن اتخاذ المزيد من خطوات التوافق يبدو أمرا غير مطروح في المناخ الحالي من الشك والغضب مع إحساس عباس بوضوح أنه جرى إحراجه عمدا، وأضاف المصري "لن نرى خطوات أخرى نحو المصالحة إذا كانت حماس من يقف وراء العملية وعلى أي مستوى كان القرار، هل كان على مستوى القيادة أم خلايا"، وتكهن بعض المعلقين بأن أعضاء في حماس ربما نفذوا عملية الخطف دون معرفة أو موافقة الزعماء السياسيين للحركة الذين يتركزون في غزة.

ورغم أن حماس تواجه غضب إسرائيل إلا أنها ستحقق مكاسب لدى الفلسطينيين العاديين إذا أعلنت مسؤوليتها عن الخطف وخاصة في غزة حيث تآكل وضعها على مدى العام المنصرم بسبب الصعوبات الاقتصادية المتزايدة، وقال المصري "إذا كانت حماس من يقف وراء هذه العملية فإنها سوف تستعيد شعبيتها كحركة مقاومة والسلطة سوف تخسر"، وترجع آخر مرة خطفت فيها حماس إسرائيليا إلى عام 2006 حين احتجزت الجندي جلعاد شليط في عملية عبر الحدود من غزة، وأفرجت عنه في نهاية الأمر عام 2011 مقابل إطلاق سراح 1027 معتقلا فلسطينيا استقبلوا استقبال الأبطال لدى عودتهم. بحسب رويترز.

ويأمل كثير من الفلسطينيين في إرغام إسرائيل على عملية تبادل كبيرة أخرى مقابل إطلاق سراح الشبان الثلاثة وقالت حماس إن إدانة عباس لطمة للمحتجزين في سجون إسرائيل وبينهم عشرات أضربوا عن الطعام منذ وقت طويل، وقال أبو زهري إن تصريحات عباس "محبطة وقاتلة لنفسيات ومعنويات آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يتعرضون للموت البطيء في سجون الاحتلال"، وانضم محمد دحلان وهو خصم سياسي قوي لعباس يعيش في الخليج إلى حرب الكلمات هو الآخر واتهم الرئيس بإهانة الفلسطينيين بالعمل مع إسرائيل، وقال دحلان فيما يؤكد التوترات الداخلية التي تواجه عباس إنه "رئيس يصمت حين يجب أن يتحدث ويتحدث بالهراء عن قدسية التنسيق أو العبودية الأمنية لإسرائيل حين يجب أن يصمت".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/حزيران/2014 - 25/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م