حقوق الإنسان وتوظيفها في ظل النزاع المسلح بالعراق

في ملتقى النبأ الأسبوعي

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: عقد ملتقى النبأ ملتقاه الاسبوعي المعتاد بورقة مقدمة من مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات حملت عنوان (حقوق الإنسان وتوظيفها في ظل النزاع المسلح في العراق) قدمها احمد جويد مدير المركز.. جاء فيها:

حقوق الإنسان، هي الحقوق والحريات المستحقة لكل شخص لمجرد كونه إنسانا. ويستند مفهوم حقوق الإنسان على الإقرار لجميع أفراد الأسرة البشرية من قيمة وكرامة أصيلة فيهم، فهم يستحقون التمتع بحريات أساسية معينة. وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان، ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته.

حقوق الإنسان ليس لها تعريف محدد بل هناك العديد من التعاريف التي قد يختلف مفهومها من مجتمع إلى آخر أو من ثقافة إلى أخرى، لان مفهوم حقوق الإنسان أو نوع هذه الحقوق يرتبطان بالأساس بالتصور الذي نتصور به الإنسان.

لذلك سوف نستعرض مجموعة من التعاريف لتحديد هذا المصطلح: يعرفها رينية كاسان وهو أحد واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنها (فرع خاص من الفروع الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس استناداً إلى كرامة الإنسان وتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن أنساني، ويرى البعض ان حقوق الإنسان (تمثل رزمة منطقية متضاربة من الحقوق والحقوق المدعاة)، أما كارل فاساك فيعرفها بانها (علم يهم كل شخص ولا سيما الإنسان العامل الذي يعيش في اطار دولة معينة، والذي إذا ما كان متهم بخرق القانون أو ضحية حالة حرب، يجب أن يستفيد من حماية القانون الوطني والدولي، وان تكون حقوقه وخاصة الحق في المساواة مطابقة لضرورات المحافظة على النظام العام)، في حين يراها الفرنسي ايف ماديو بأنها (دراسة الحقوق الشخصية المعرف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى). اما الفقيه الهنكاري (أيمرزابو) فيذهب إلى (ان حقوق الإنسان تشكل مزيجاً من القانون الدستوري والدولي مهمتها الدفاع بصورة مباشرة ومنظمة قانون عن حقوق الشخص الإنساني ضد انحرافات السلطة الواقعة في الأجهزة الدولية، وأن تنمو بصورة متوازنة معها الشروط الإنسانية للحياة والتنمية المتعددة الأبعاد للشخصية الإنسانية.

وجميع التعريفات الآنفة الذكر تعكس وجهة نظر الكتاب الأجانب، أما فيما يخص الكتاب العرب فان محمد عبد الملك متوكل يعطي تعريفاً شاملا وواسعا إذ يعرفها بأنها(مجموعة الحقوق والمطالب الواجبة الوفاء لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز بينهم)، أما رضوان زيادة فيذهب إلى القول بان حقوق الإنسان (هي الحقوق التي تكُفل للكائن البشري والمرتبطة بطبيعته كحقه في الحياة والمساواة وغير ذلك من الحقوق المتعلقة بذات الطبيعة البشرية التي ذكرتها المواثيق والإعلانات العالمية).

ويرى الأستاذ باسيل يوسف ان حقوق الإنسان (تمثل تعبيراً عن تراكم الاتجاهات الفلسفية والعقائد والأديان عبر التاريخ لتجسد قيم إنسانية عليا تتناول الإنسان أينما وجد دون أي تمييز بين البشر لا سيما الحقوق الأساسية التي تمثل ديمومة وبقاء الإنسان وحريته). أما محمد المجذوب فيعرفها بانها (مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته والتي تظل موجودة وان لم يتم الاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى ولو انتهكت من قبل سلطة ما).

اما الأمم المتحدة فقد عرفت حقوق الإنسان بانها(ضمانات قانونية عالمية لحماية الأفراد والجماعات من اجراءات الحكومات التي تمس الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، ويلزم قانون حقوق الإنسان الحكومات ببعض الأشياء ويمنعها من القيام باشياء أخرى)، أي ان رؤية المنظمة الدولية لحقوق الإنسان تقوم على أساس انها حقوق أصيلة في طبيعة الإنسان والتي بدونها لا يستطيع العيش كإنسان.

وتكفل القوانين وتضمن الأنظمة التشريعية في معظم بلاد العالم صيانة حقوق الإنسان. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الأنظمة لا تكون، دائماً، فعالة، وتعجز معظمها عن إقرار بعض حقوق الإنسان. إلا أن المعايير العالمية تضمن إقرار هذه الحقوق عندما تعجز الحكومات عن حمايتها.

وكانت منظمة الأمم المتحدة (التي تعمل للمحافظة على الأمن والسلام الدوليين) قد سنت معظم القوانين الدولية التي تقر حقوق الإنسان وتكفل صيانتها. يذكر أن كافة دول العالم المستقلة تقريباً لها مقاعد بالأمم المتحدة.

ويساعد الاتصال الذي يعرف باسم العولمة على نشر الوعي بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، إذ تتواصل المجتمعات البشرية بعضها ببعض من خلال تفاعل الثقافات والتجارة ووسائل الإعلام كالصحف وشبكات الإنترنت والتلفاز.. وتقوم الأمم المتحدة وبعض المنظمات الأخرى بالكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، وتعمل على وقف هذه الانتهاكات.

اليوم يزدحم المشهد العراقي بجملة من التحديات في مجال حقوق الإنسان من خلال النزاع المسلح على أراضيه، والتي قد يتعرض مرتكبها إلى انتقادات وإدانات دولية قد تصل إلى فرض عقوبات اقتصادية أو عسكرية أو غيرها ضد مرتكبها.... السؤال المهم في هذا الموضوع هو؛ كيف يمكن تلافي انتهاكات خطير لحقوق الانسان في ظل نزاع المسلح؟، وكيف يمكن الاستفادة من ثقافة حقوق الإنسان لتوظيفها كسلاح فاعل يأخذ أبعاده في الاوساط الدولية وصناعة راي عام عالمي؟.

بعد الانتهاء من الورقة قدم الحضور عددا من المداخلات بدأها مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام مؤشرا لحقيقة موضوعية وهي رغم تطور حقوق الانسان في العالم نشاهد بالمقابل انتهاكا وتراجعا متزايدا لها، واكثر من يمارس هذه الانتهاكات هي الدول الغربية بصورة غير مباشرة، من خلال المعايير المزدوجة في سياساتها تجاه بقية دول العالم وخاصة الدول العربية او المسلمة او الدول في افريقيا.

وكمثال على ذلك، قوارب المهاجرين الغرقى من افريقيا الى أوربا، والنزاعات المميتة بين اكثر من جهة مسلحة وبين الحكومات.

من يؤجج تلك الصراعات في افريقيا؟، يتساءل معاش ويجيب، انها دول الغرب دفاعا عن مصالحها للسيطرة على الماس والنفط وبقية الموارد الطبيعية.

ان من يقود ثقافة حقوق الانسان والدفاع عنها هو الغرب، لكنه انتقائي في التعاطي مع مفاهيمها ومفرداتها. فمقتل امراة او انسان معوق في نزاعات محلية يعتبره انتهاكا جسيما لحقوق الانسان، في حين العشرات يقتلون على العقيدة ولا يستحق قتلهم ادانة ما.

يعتقد معاش، ان انتهاك حقوق الانسان يبدأ من خلال السلوك الفردي، فالفرد يقوم باستمرار بانتهاك حقوق الاخرين وهو في المنزل مرورا الى الشارع، عبر انواع متعددة من السلوك العنيف العدواني.

يتناول معاش زاوية أخرى في حديثه عبر سؤال اخلاقي هو من يتحمل المسؤولية في الانتهاك، في حالات النزاع المسلح، اذا استثنينا الحكومات والجماعات المسلحة، واتجهنا الى وسائل الاعلام، هل تتحمل تلك الوسائل الاعلامية مسؤوليتها تجاه ما يحدث نتيجة لخطابها؟، يأخذ قناة العربية المملوكة للسعودية كمثل بارز لعدم الاحساس بالمسؤولية تجاه ما يحدث، وكيف انها بتسميتها للجماعات الارهابية والتكفيرية بالثوار، فانها تعطي شرعية لعمليات القتل وانتهاك حقوق الانسان التي تمارسها تلك الجماعات وتقوم بها، ويكون كل ما تفعله هو دفاع عن النفس.

حول الحركات الارهابية او المتشددة، والتي ترتدي لباس الدين، يعتقد معاش، ان تلك الحركات ليست دينية الا في المظهر والقشور، فالقاعدة في جوهرها تتبنى تهديد وتخريب المصالح الامريكية في العالم، ومثلها داعش، التي تستخدم كسلاح ضد الاخرين في صراع تحقيق المصالح بين من يدعمها ويمولها، وبين من يعترض على سياسات الداعمين لها.

وهذه الجماعات في مواقفها ضد الشيعة، يضيف معاش، ترتد الى الذاكرة التاريخية التي تستحضر دائما الاحداث العنيفة، ولا تستحضر الاحداث الجيدة من تاريخ الاسلام والمسلمين، انها تعتاش على الصور النمطية السلبية في تعاطيها مع الاخر الشيعي المختلف.

بالمحصلة النهائية، لدى هذه الجماعات والحركات المتشددة والارهابية، ثقافة راسخة في الحصول على ما يعتقدون انها مطالب مشروعة لهم حتى لو قاد ذلك الى قتل النساء والاطفال، والتي تؤكد مواثيق حقوق الانسان على تجنيبهما اثار اي نزاع مسلح.

ما يحدث الان في هذه اللحظة الحرجة، يعتقد معاش، انه نابع من قانون الغاب الذي يسود، وهو ايضا خضوعنا لقانون الغلبة، فالقوي يأكل الضعيف، ولا يحصل الجميع على حقوقه.

وقانون الغلبة هو الذي يوصلنا الى عملية متصاعدة نحو نقطة الانفجار. اذا قام كل فرد بتطبيق القانون بنفسه فانه يفقد الحصانة.

يتساءل معاش، ماذا يجب ان نفعل لتأسيس ثقافة حقوق انسان في المجتمع، ثقافة تحفظ حقوقي وحقوق الاخر؟، وكيف يمكننا ترسيخها دون تجزئة لها في زمن النزاعات المسلحة او في زمن الاستقرار الامني؟.

يجيب معاش، من خلال المعرفة بهذه الحقوق التي يحتاجها المجتمع، ومن خلال القاعدة الاسلامية الشهيرة (لا ضرر ولا ضرار) لضمان حقوق الجميع، وعدم اللجوء الى العنف والعنف المضاد.

يضيف معاش، كل لعبة ناجحة تحتاج الى قواعد. اللعبة الفاشلة ليس فيها قواعد وقوانين او انها فيها نقص او غش وتحايل. اي مجتمع ناجح هو المجتمع الذي تتم فيه التعاملات وفق قواعد ناجحة. لماذا توضع هذه القواعد؟، لضمان الحقوق.

عدم وجود القواعد يعود الى انعدام الثقة اليوم بين افراد المجتمع، مع ان اساس كون المجتمع ناجحا هو الثقة، فالمواطن الذي يثق بالحكومة، والمواطن الذي يثق بالمواطن الاخر، هي الضامن الحقيقي لحقوق الجميع.

نحتاج الى ان يعرف المجتمع قواعد اللعبة ويدرك اهميتها ليحترمها، ونحن ايضا بحاجة الى مفردات اخرى وتجذيرها على ارض الواقع، مثل (الشجاعة في الاعتراف بالاخطاء – التسامح –التغاضي - العفو - الاحسان مقابل الاساءة).

ان الايمان بهذه الثقافة وتطبيقها على انفسنا تقود لحماية الجميع وتحصينهم في بيئة امنة.

في مداخلته يرى الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، وجوب التركيز على حقوق الانسان في العراق في ظل النزاع الحالي، مع اقراره بالفشل الحكومي في هذا المجال، في حين ان المرجعية اخذت زمام المبادرة في العراق.

يتساءل العرداوي، كيف نحفظ حقوق الانسان في ظل النزاعات المسلحة، خاصة وان بعضها تدخل ضمن القانون الدولي، مثل اماكن العبادة والاماكن المدنية والنساء والاسرى والملكيات الخاصة، فهي كلها داخلة ضمن حقوق الانسان.

سؤال اخر يطرحه العرداوي، هل ان القضية قانونية ام ثقافية؟، وهل ان الرادع القانوني هو الذي يمنع انتهاك حقوق الانسان ام ان الثقافة هي التي تردع؟، يجيب العرداوي: اذا كان الرادع قانوني فنحن ليس لدينا دولة تحتكم الى القانون في اجهزتها، وليس لدينا قضاء مستقبل عادل حتى يمنع السياسي من تفسير القانون لصالحه، اما اذا كان السبب ثقافيا فنحن ليس لدينا ثقافة راسخة لفهم وممارسة حقوق الانسان. فالذي ينتهك الحقوق الزوجية والمدنية على سبيل المثال، كيف ستكون انتهاكاته لحقوق الانسان في النزاعات؟.

يرى العرداوي في معرض ايجاد المخارج والحلول للانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان ان هناك طريقان لترسيخ تلك الثقافة:

اولا: وجود القدوة لبناء الدولة ولها مشروع يحفظ حقوق الانسان ترفده كتلة تاريخية من المثقفين والاكاديميين والاعلاميين.

ثانيا: اذا تصاعدت حدة النزاع وتطورت الى حرب مجتمعية تلحق الضرر الفادح باطراف النزاع، فانها ستقوم مستقبلا وبعد شدة الخسائر المتبادلة بعكس حالة الخوف الجمعي المتبادل، الى حالة من الخوف من تجدد النزاعات، وبالتالي امكانية ايجاد ثقافة حقوق انسان تأخذ على عاتقها صيانة تلك الحقوق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/حزيران/2014 - 24/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م