الثَّوْرَةُ عَلى المُؤَامَرَةِ

(الحَلْقَةُ الأُوْلَى)

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

 

فِي لَيّْلَةِ يَومِ 9 عَلى 10/ 6/ 2014، كَانَ الاشْتِبَاكُ عَلى أَشُدِّهِ، فِي غَربِ مُحافَظَةِ نِيْنَوَى، بَيّْنَ قُوَّاتِ الجَيْشِ، وقُوَّاتِ الشُرطَةِ العِراقيَّةِ، الّتي بَلَغَ عَدِيْدُها، اثْنَانَ وخَمْسِيْنَ أَلفِ شَخْصٍ. مِنْهُم ثَلاثِيْنَ أَلفَاً، مِنْ أَفْرَادِ شُرطَةِ مُحافَظَةِ نِيْنَوَى، وهُمْ أَسَاسَاً مِنْ أَبنَاءِ تلْكَ المُحافَظَة. أَخَذَتْ الإِشَاراتُ تَرِدُ، عَن طَريْقِ وَسِائِلِ الاعْلَامِ، بِأَنَّ المَوْقِفَ الأَمنِيّ، لَيْسَ مُريْحَاً فِي المَوصِل. وفِي نَفْسِ الَّليلَةِ نَشَرَتْ وَسَائِلُ الإِعْلامِ، صُوَراً لمُحَافِظِ نِيْنَوَى (أَثيل النجيفي)، وهو مُتَواجِدٌ مَعَ حِمَايَتِهِ، فِي أَحَدِ شَوارِعِ المَوصِل. وكَانَ المُحَافِظُ فِي هَذهِ الجَوّْلَةِ، يَحمِلُ بيَدِهِ اليُمْنى بُندَقِيَّةَ كلاشِنْكوف، تَعْبِيْراً عَنْ دِفَاعِهِ عَنْ المَدِيْنَة.

فِي صَبيْحَةِ يَوّْمِ 10/6/ 2014، تَوارَدَتْ الأَنبَاءُ عَنْ انْسِحابٍ، غَيّْرِ مُنظَّمٍ للقُوَّاتِ العَسْكَريَّةِ، المَسْؤولَةِ عَنْ الدِّفَاعِ عَنْ مَدينَةِ المَوصِلْ. وتَناقَلَتْ الوَسَائِلُ الإِخبَاريَّةُ، إِنَّ سَبَبَ تَراجُعِ القُوَّاتِ العراقيَّةِ، تَعرُضِها لِهُجومٍ، قَامَتْ بهِ عَناصِرُ دَاعِشٍ الارهَابيَّةِ، يَتراوَحُ عَدَدُهُمْ بَيّْنَ 300 إِلى 400 مُسَلَّح.

كمَا ذَكَرَتْ الأَخبَارُ، هُروْبَ الفَريقِ أَوّلِ رُكْنٍ عبود كنبر/ قائدُ عَملياتِ بَغدادَ، والفَريقِ أَوّلِ رُكْنٍ علي غيدان/ قائدُ القُوَّةِ البريَّةِ. والفريقِ الرُكنِ مهدي الغَرَّاوي/قائدُ الفرقَةِ الثالثَةِ، شُرطَةٍ اتحاديَّةٍ، (لا زالَتْ الأَخبَارُ لِحَدِّ الآنَ، تَتَضَارَبُ حَوّْلَ مَوقِفِ الغَرَّاوي). واللواءِ خالد الحمداني، مديرُ شُرطةِ محافظَةِ نِينَوى. بعدما خلعوا ملابسهم العسكرية، وارتدوا ملابسَ مَدنِيَّةً، وتركوا كلَّ القُوَّاتِ الّتي كانوا مسؤولينَ عنها، فِي حالَةِ إِربَاكٍ شَدِيد. كما أَنَّ محافظَ نِينَوى (أَثيل النجيفي) هو الآخرُ، فَرَّ هارباً من السَّاحةِ، بعدَ استعراضَهِ الخَائِب، آنفِ الذِّكر.

تُرِكَتْ الأَسلحةُ والمعداتُ الثقيلة، والاعتِدَةُ في المعسكرات، وأَصبَحَتْ مِن حِصَّةِ الأَكراد، الّذينَ تعامَلوا مَعَها، وكأَنَّها غَنَائِمُ حَربٍ. إِنَّ ذلكَ لَمْ يَكُنْ انْسِحَاباً، مُقَابِلَ هُجومٍ عَسكريّ، إِنَّها كانَتْ مُؤامَرةَ تَخاذُلٍ، مِن قِبَلِ المجمُوعَةِ المَذكُورَة. هذهِ المُؤامَرةُ حاكَتها، إِدارةُ إِقليْمِ كُردِستانَ، وتَعاوَنَ مَعها المُتخَاذِلونَ. وقَدّْ قَامَ عناصرِ الفِرقَةِ الثَّانيَةِ/ وزارةِ الدِّفاع، والّتي يُشكِّلُ فيها الأَكرادُ نِسبةَ (80%) من تِعدادِ أَفرادِها، بتنّفيذِ خُطَّةِ المُؤامَرة.

بَعدَ نَشرِ خَبَرِ هُروبِ القَادَةِ الخَونَةِ، سَيْطَرَ تأثيرُ الإِشَاعَاتِ الصَّفراءِ، (المُعَدَّةِ سَلَفاً)، على نَفسيّاتِ مُنتَسبي الفِرقَةِ الثَّانيَةِ، مِن غَيّرِ الأَكرادِ. فَقَامَ المَسؤولونَ الأَكرادِ فِي هذهِ الفِرقَةِ، بأَخْذِ أَسلِحَةِ الأشخاصِ المُرتَبِكينَ، مِن الضُبَّاطِ والجُنودِ، وقامُوا بإعطَاءِ (دشداشة) لكُلِّ واحدٍ مِنهُم، بَعدَ ذلك يُرَحِلُوهُم الى أَربيْل، حيّثُ تَتَقَطَّعُ بِهِم السُبُلُ، فَلا يَستَطيْعونَ الوصُولَ الى بَغدَاد، خَوّفاً على سَلامَتِهم.

مِن جَانَبٍ آخرَ، تَحَرَكَتْ قُوَّاتُ البيشمَركه، واستقرَّتْ في المنَاطِقِ المتَنازَعِ عليها، فِي كَركوكَ والموصِلَ، بعدَما انْسَحَبَتْ مِنها القُوَّاتُ العِراقيَّةُ، لِتَعزيزِ المَوقِفِ فِي نِينَوى. لقدّ وَضَعَتْ القوّاتُ الكرديّةُ هذهِ المناطِقَ تحتَ سَيْطرتِها، للبَدءِ بعَملِيَّةِ مُسُاوَمَةٍ عَليّها، فِيمَا بَعّْدُ، إِقراراً بمَبْدَأ فَرضِ مُتَطَلبَاتِ الأَمْرِ الواقِعِ، على الحُكومَةِ المركزِيَّةِ.

والخُطوَةُ التَّاليَةُ، ستَكونُ إِعلانُ استِقلالَ إِقليْمِ كُردُستَانَ، عندَمَا تَنتَشِرُ عِصَاباتِ دَاعِشٍ جَنُوبَاً، باتِّجاهِ بَغدَاد. حيّثُ سَتَحدِثُ فُوْضَى فِي البِلادِ، وتَسْقُطُ الحُكومَةُ المَركزيَّةُ الحاليَّة. وعِنّْدَ قِدُومِ أَيَّةِ حُكومَةٍ أُخْرى، فَإِنَّ وَضْعَ إِقلِيمِ كُردُستَانَ، سَيكونُ مِن مُسلَّماتِ الأَمرِ الواقِع.

وتزامُناً مع هذهِ الأحداثِ، ذَكرَتْ المصَادِرُ، أَنَّ قوّاتَ البَيشْمَركه، دَخَلَتْ الموصِلَ لِتَنقُلَ الخَوَنَةِ العَسكَريّْينَ، ومَعَهُمْ (أَثيل النجيفي، الّذي هَرَّبَ معهُ، مَبلَغَ خمسينَ مِليونَ دُولارٍ)، الى مُحافَظَةِ أَربيْل. وقَدّْ تَأَكَدَ ذلكَ، مِن خِلالِ المُؤتَمَرِ الصَّحَفِيّ، الّذي عَقَدَهُ المُحَافِظُ المهْزُومُ، فِي أَربيْلَ يوم 11/6/2014. أَدَّتْ هذهِ المُؤامَرةُ الخَسيْسَةُ، الى سَيطَرةِ أَفرادِ عِصاباتِ داعشٍ، على أَجزاءٍ مِن مَدينَةِ الموصِلَ، وتَمكَنُوا مِنَ الوصُولِ الى السُّجُونِ فيها، وإِطْلاقِ سَراحِ الإِرهابيّْينَ وبَقِيَّةِ المُعتَقَلينَ فيها.

فِي يَوّْمِ 10/6/2014، قَدَّمَ رَئيْسُ الحُكومَةُ نُوْري المَالِكي، مَعَ رِئاسَةِ الجَمهورِيَّةِ، طَلَبَاً إِلى مَجلِسِ النُّوَّابِ العِراقِيّ، للمُوافَقَةِ على فَرضِ حَالَةِ الطَّوارئِ فِي البِلاد. وبِنَاءً عَلَيّْه، دَعَا (أُسامَةُ النجيفي)، أعضاءَ مَجلسِ النُوَّابِ، لِعَقّْدِ جَلْسَةٍ لمجْلِسِ النُوّابِ، يَومَ الخَمِيْسِ 12/6/ 2014. لَكِنّْ لَمْ يَنعَقِدّْ المَجلِسُ، بِسَبَبِ عَدَمِ اكتِمَالِ النِّصَاب.

قَبّْلَ قُرابَةِ أُسبُوعٍ مِن هذِهِ الأَحدَاثِ، زارَ (أُسامَةُ النجيفي) تُركيَا، البَلَدُ الحَليّْفُ لإِقلِيْمِ كُردِسْتَان. فَتُركيَا تَنظُرُ إِلى كُردِسْتَانَ، على أَنَّهُ الدَّجَاجَةُ الّتي تَبِيْضُ ذَهَبَاً، ولا أَحَدَ غَيّرِ تُركيَا، سَيَربَحُ هذا الذَّهبَ، لاعتباراتٍ جيوسِياسيَّةٍ. فَتُركيَا جَارَةٌ لكُردِستَانَ، وهِيَ مِن أَوَّلِ المُستَفِيدينَ، مِنَ النَّفطِ المُنتَجِ مِن حُقُولِ كُردِستانَ، وهيَ المَنّْفَذُ الوَحيْدُ حَالياً لِتَصدِيرِ نَفطِ كُردِستانَ، بدونِ مُوافقَةِ الحكومَةِ المَركَزيَّة.

ويَجِبُ أَنْ نَتَذَكَّرَ جيداً، تَصْرِيحَاتَ المسْؤولِيْنَ الَأمريِكيّْينْ، الّتي أَطَلَقُوهَا قَبْلَ فَتْرَةٍ قَصيْرَةٍ مِنَ الآنَ، الّتي أَكَّدُوا فِيها، على ضَرُورَةِ دَعْمِ المُعارَضَةِ السُّوريَّة. وصِفّْقَةُ تَهريْبِ السُّجَنَاءِ الإِرهَابيّْينَ، الّذينَ كَانوا فِي سُجُونِ مُحَافَظَةِ نِيْنَوَى، تُعتَبَرُ صِفْقَةَ دَعْمٍ مُمّتَازَةٍ، لِلْمُعارَضَةِ السُّوريَّةِ. فَهَلّْ حَصَلَ كلُّ ذَلكَ مُصَادَفَةً وبِدونِ عِلّْمِ أَمْريكا؟.

إِنَّ تُركيَا أَصبَحتْ بَلَداً يُؤْذِي الشَّعْبَ العِرَاقِيّ، بِسَبَبِ سِيَاسَتِها الخَاطِئَةِ مَعَه. كمَا أَنَّها تُعتَبَرُ الصَّدِيقَ الحَمَيْمَ لحُكَّامِ السَعوديَّةِ، وقَطَرَ والإِمَارَاتِ، ودُوَلٍ خَليْجِيَّةٍ أُخْرى، الّذينَ شَكَّلُوا فَريْقَ دَعْمٍ كَبيْرٍ، للنَشَاطِ الإِرهَابِيَ فِي العِراقِ، مُنْذُ سُقُوطِ نِظَامِ البَعّثِ المَهْزُوم. انْطِلاقَاً مِنَ البُعْدِ الطَّائِفِيّ، الّذي يَحكُمُ العَقْلِيَاتِ المُتَخَلِّفَةِ لِحُكَّامِ تِلكَ الدُّوَل.

إِنَّ رَبْطَ هَذِهِ الأَحْدَاثِ، مَعَ مَا كَانَ يَجْرِي، فِي سَاحَاتِ الفِتْنَةِ فِي الأَنْبَارِ، ومَعَ مَعَارِكِ القُوَّاتِ المُسَلَحَةِ البَطَلَةِ، لِتَحريْرِ الأَنْبَارِ مِن عِصَابَاتِ دَاعِش. يُعطِيْنَا صُوْرَةً، لمُؤامَرةٍ دُوَليَّةٍ كَبيرَةٍ على العِرَاقِ، تُحَرَّكُ أَحدَاثُها مِنَ الدَّاخِلِ، بإِيْعَازٍ مِنَ الخَارِج، لِزَعْزَعَةِ الأَمْنِ الوَطَنِيّ العِرَاقِيّ.

وكُلَّمَا بَقِيَتْ الحُكُومَةُ العِراقِيَّةُ ضَعِيْفَةٌ، والشَّعْبُ العِرَاقِيُّ مُقَسَّمَاً، سَيَبْقَى المِحْوَرُ الخَارِجِيُّ والمِحْوَرُ الإِقْليْميُّ، مِنَ المُتَآمِرَينِ على العِرَاقِ، وهُمْ مِنْ أَكبَرِ المُسْتَفِيْدِينَ، فِي ظِلِّ هذهِ الظُرُوفِ الشَّاذَّةِ، الّتي يَمُرُ بِها العِراق. ويَنبَغِي أَنّْ لا نَنْسَ، دَوّْرَ مِحْوَرِ كُلٍّ مِن أَمريْكا وإِسْرائِيْل.

فَأَمريْكا لا تُريْدُ العِرَاقَ، أَنّْ يَكُونَ صَاحِبَ إِرادَةٍ قَويَّةٍ، حَتّى لا يَنفَكَّ مِن سِيْطَرَتِها، ورُبَّمَا يَتَوَجَّهُ إِلى دُوَلٍ أُخْرَى، مِثْلَ رُوسْيَا والصِّيْنِ ومَجْمُوعَةِ (آسْيَان)، لإِقامَةِ عِلاقَاتٍ اقتِصَادِيَّةٍ قَوِيَّةٍ، تَعُودُ بالفَائِدَةِ على الجَانِبَيّنِ. وبذَلكَ تَكوْنُ أَمْريْكا، أَكبَرَ الخَاسِريْنَ مِن هِذهِ العَمَلِيَّة.

أَمّا الكِيَانُ الإِسْرائِيْليُّ، فَإِنَّ مَصْلَحَةَ أَمْنِهِ القَوّْمِيّ، لا تَتَحَقَّقُ وَسْطَ مُحِيْطٍ عَرَبِيّ، شُعوبُهُ مُعَادِيَةٌ لَه، مَا لَمْ يَكُنْ هَذا المُحِيْطُ، ضَعِيْفَاً وهَزِيْلاً. والعِرَاقُ أَحَدُ أَهَمِّ، دُوَلِ المُحِيْطِ العَرَبِيّ. وإِسْرائِيْلُ تُرِيْدُ أَنْ يَكُونَ العِرَاقُ، فِي حَالَةِ ضَعْفٍ مُسْتَمِر.

أَمّا مِنَ الدَّاخِلِ، فَمِنْ مَصْلَحَةِ الأَكْرَادِ، بَقَاءُ الحُكُومَةِ المَركَزيَّةِ، مَهزُوْزَةً وضَعِيْفَةً، حتّى يَسْتَطيْعُوا إِكمَالَ تَحْقِيْقِ، حِلْمِ الدَّوْلَةِ الكُردِيَّةِ المُسْتَقِلَّة. وكذَلكَ مِنْ مَصْلَحَةِ المُتَشَدِّدِيْنَ السُنَّةِ، المُرتَبَطِيْنَ بالمشْرُوعِ التُركِيّ السَعُودِيّ، وبَعْضِ دُوَلِ الخَلِيْجِ، إِبقَاءُ العِرَاقِ مُمَزَّقَاً ووَاهِنَاً، لأَسْبَابٍ تَتَعَلَّقُ بِهَوَاجِسَ طَائِفَيَّةٍ، مُتَخَوِّفَةٍ مِنَ الوُجُوْدِ الشِّيْعِيّ فِي العِرَاق.

إِنَّ الخَسَارَةَ فِي الحُروْبِ، لَيْسَتْ أَمْراً غَيّْرَ وَارِدٍ، فَالكَثيرُ مِنْ الدُّوَلِ، خَسِرَتْ بَعْضَ المَعَارِكِ، لَكِنَّهَا حَوَّلَتّْ الخَسَارَةَ إِلى انْتِصَارٍ، عَنْ طَرِيْقِ تَحلِيْلِ مُسَبِبَاتِ الخَسَارَةِ، وتَدَارُكِ عَنَاصِرِ الضَّعْفِ، فِي بُنْيَةِ نِظَامِ المَعْرَكَةِ وتَكْتِيْكَاتِهَا.

للمَوْضُوعِ تَكْمِلَةٌ فِي الحَلْقَةِ القَادِمَةِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. والّتي سَأُنَاقِشُ فِيْهَا الأُسُسَ، الّتي يَنْبَغِي عَلى الحُكُومَةِ المَركَزِيَّةِ، الانْتِبَاهُ إِليّْها، لِبِنَاءِ حُكُومَةٍ فَاعِلَةٍ، تُعَزِّزُ وجُوْدَ دَوّْلَةٍ قَوِيَّة.

* كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/حزيران/2014 - 16/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م