شرعنة "داعش" والارهاب في العراق

"داعش" تحصل على الغطاء السياسي والمناطقي في العراق

جاسم محمد

 

حققت ماتسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش" تقدما باتجاه بغداد، وسبق ان أعلن رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي، عن سقوط محافظة نينوى بشكل كامل يوم 10 يونيو 2014 بيد تنظيمات "داعش" محملا الحكومة والأجهزة الامنية مسؤولية ذلك وبعد ساعات اعلنت "داعش" سيطرتها الكاملة على مدينة الموصل واستمرت بزحفها باتجاه مدن صلاح الدين وسامراء وديالى. رسالة العدناني المتحدث باسم "داعش" في اعقاب ذلك، ان حربها مع حكومة بغداد هي حرب ثأر وان المواجهة سوف لاتكون في بغداد بل في كربلاء والنجف، العدناني تجاوز في رسالته حرمة تلك المدن المقدسة. الدكتور" الهاشمي، المتحدث باسم " الحراك الشعبي في العراق" وهو غطاء جديد الى تنظيم "داعش" اكد في حديث له الى ال بي بي سي عربي، ان السنة في العراق لا تقبل الا ان تعلن اقليمها ضمن حكومة فيدرالية ويكون تمثيلها في الحكومة وفق نسبة هذا المكون اي على غرار الكرد في العراق والا فسوف تقرر المصير وهي اشارة صريحة الى الانفصال.

التطورات على الارض

المشهد العسكري على الارض مازال يكتنفه الغموض رغم وصول مقاتلي "داعش وقوات ثوار العشائر" الى اطراف بغداد خلف مدينة السعدية التابعة الى محافظة ديالى التي تبعد 100 كلم تقريبا عن العاصمة العراقية بغداد. القيادات العسكرية ابرزها قائد القوة البرية علي غيلان وقنبر مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة، التقيتهما مصادر صحفية بشكل غير معلن عند حزام بغداد ـ منطقة الطارمية بضعة كيلومترات شمال بغداد. اللقاء اكد استمرارهما في مهامهما واستبعادهما عن نظرية المؤامرة، اما قائد قوات الموصل مهدي الغراوي فلا يزال مصيره مجهول. ومقاتلو "داعش" مستمرة بزحفها باتجاه بغداد، رغم وجود تقارير عن تمكن القوات العراقية بتنظيم قواتها باتجاه مواجهة زحف" داعش" خاصة عند محافظة صلاح الدين وسامراء. تبقى مدينة سامراء تحظى بأهمية بسبب وجود مرقدي العسكريين المقدسين والتي كانت وراء اندلاع الحرب الاهلية في العراق عام 2005 ـ 2006 بسبب تفجيرهما من قبل التنظيمات " الجهادية". اكدت التقارير بأن المالكي يشرف بنفسه على العمليات في سامراء وقام بزيارة القطعات هنالك خلال اليومين الاخيرين. دعوة المرجعية الشيعية الى الجهاد، لاقت ردود فعل ايجابية في الشارع العراقي، المناطق الشيعية خاصة في بغداد اظهرت تطوع مجاميع كبيرة ، هذه الخطوة ممكن اعتبارها خطوة استباقية دفاعية عن المناطق الشيعية بعد ان عانت الكثير من التهديدات والعمليات الانتحارية الارهابية. مدينة بغداد مازالت تعاني تهديدات من حزام بغداد اكثر من تهديدات داعش القادم من مدينة الموصل.

غطاء سياسي وعشائري

التحول الخطير الان في مسار اجتياح "داعش وثوار العشائر والمجموعات الجهادية" منها جيش الطريقة النقشبندية وانصار الاسلام التي تتركز في المناطق الشمالية الغربية ابرزها الموصل وكركوك ومدينة بيجي، هو وجود غطاء سياسي ومجتمعي مناطقي من قبل المكون السني العراقي المشترك في العملية السياسية ومن اهالي الموصل والمحافظات التي شهدت الاجتياح. وهنالك تصريحات الى زعامات عشائرية بأن ماحدث في الموصل ويحدث في بقية المدن السنية هو "انتفاضة" الى اهالي المناطق وليس زحف "داعشي"، رغم اعترافها بأن "داعش" موجودة ومتحالفة معها. هذا يعتبر تحول خطير واجترار الى الديمقراطية في العراق وعملية عكسية الى ماشهده العراق من تغيرات مابعد عام 2003. رغم وجود خلافات مع الحكومة المركزية ورغم وجود مطالب شرعية لدى المكون السني في المناطق التي تشهد الاجتياح، لكن لايبرر لها التحالف مع الارهاب وتنظيم "داعش" للاستقواء على الحكومة المركزية وتنفيذ مطالبها. ماتقوم به داعش هو تهديد ليس الى العراق وحده بل تهديد الى المنطقة بالكامل والى المصالح القومية والى المصالح الاميركية والاوربية في العراق والمنطقة.

إعادة "مجلس شورى المجاهدين" في العراق

مايجري حاليا في خارطة التنظيمات "الجهادية" في العراق هو تماما عكس ماحدث عام 2005 من تفكيك مجلس شورى المجاهدين في العراق وتفكيك تنظيم القاعدة فرع العراق بزعامة الزرقاوي ومقتله 2006. مواقف وسياسة الحكومة العراقية الاخيرة عملت على توحيد صفوف التنظيمات "الجهادية" القاعدية في العراق وهيئة علماء المسلمين ومجلس ثوار العشائر لتعلن حربا على حكومة بغداد.

هنالك رفض الى رئيس الحكومة المالكي من قبل غالبية الاطراف السياسية المشتركة في العملية السياسية ومنها اطراف شيعية فاعلة ورئيسية في العملية السياسية، وهنالك مظلومية ايضا عند الشيعة في العراق مثلما هي موجودة عند السنة بسبب سوء سياسة الحكومة وسوء معالجة الازمات ابرزها المتعلقة بالتظاهرات والاعتصامات التي اندلعت من منصات مدينة الانبار والحويجة غرب وشمال غرب بغداد، هذه السياسة ادت الى انفجار الاوضاع في تلك المناطق بعد تراكمات عديدة وترحيل بعدد من الملفات. لكن ذلك لا يبرر الى اهالي الانبار والموصل والمدن الاخرة الاستقواء ب "داعش والجهاديين" ضد حكومة شرعية منتخبة، لهم تمثيل سياسي في البرلمان والحكومة، ويعتبر تحول خطير في مفهوم الديمقراطية والوطنية.

يشار ان "داعش" تنظيم مصنف ضمن التنظيمات القاعدية الارهابية الاشد فتكا وارتكب جرائم وكوارث في العراق وسوريا ويضم مجاميع من المقاتلين الاجانب. لقد نجحت "داعش" في استقطاب المكون السني في العراق من خلال خطابها الطائفي وكشفت الكثير من مكابرة قيادات وزعامات عشائرية بعدم السماح الى هذا التنظيم ان يكون بديلا او ممثلا للسنة. إن اختزال المكون السني في تنظيم" داعش" وهيئة علماء المسلمين قاد هذا المكون خارج العملية السياسية بسبب رفضه واقصائه المكون الشيعي في العراق ومشاركته في السلطة.

الموصل تحول "داعش" الى اغنى التنظيمات "الجهادية"

إن سيطرة "داعش" على مدينة الموصل يحولها الى واحدة من اغنى التنظيمات "الجهادية" الارهابية في المنطقة، التقارير كشفت بأن التنظيم استولى على مايقارب 450 مليون دولار بالاضافة الى سبائك ذهب في مصارف وبنوك الموصل بالاضافة الى العملة المحلية. اما سيطرة "داعش" على مخازن وترسانة الاسلحة والمطارات ومقاتلات مروحية، يجعله ان يحصل على تسليح ربما لم يكن ضمن توقعاته ولا توقعات اجهزة الاستخبارات الغربية والعربية. وجود "داعش" وتضخمه بهذا الحجم على خارطته مابين العراق وسوريا يعلن استطاعته عن فرض "دولته الاسلامية" في الموصل والمحافظات العراقية الاخرى مثلما اعلنها في الرقة وهذا يعتبر تهديدا الى الامن القومي للمنطقة والى المصالح الغربية. "داعش" تتحول الان الى دولة عائمة تتمتع بإمكانيات قتالية ومالية. ان تحرك "داعش" بهذه السرعة ممكن ان يسيطر على مصافي بيجي شمال غرب العراق التي تعتبر مركز للطاقة في العراق ومصدر للمنتجات النفطية للعراق والمنطقة، وما موجود من مواد كيميائية في هذه المصافي ممكن ان تقع في ايدي "داعش" وممكن ان تؤدي الى كوارث كبيرة.

الخطوات الاميركية المتوقعة

الولايات المتحدة وادارة اوباما في موقف لايحسد عليه الان، بسبب الخيارات الصعبة ومنها الخيار العسكري رغم تصريحاته باستعداد واشنطن لدعم العراق، اوباما يواجه الكثير من الاتهامات وان مايشهده العراق في الوقت الحاضر هو سوء سياسته في العراق وانسحابه غير المنظم والمدروس في العراق وفشل التغير وغزو العراق عام 2003، ورغم ان الاتهامات متبادلة مابين الجمهوريين والديمقراطيين في العراق، يبقى اوباما يعكس المزاج العام للاميركين الذي ضاق ذرعا بمنطقة الشرق الاوسط الى حد الطلب بنفض اليد. التدخل الاميركي سوف لايتعدى الدعم السياسي والاستخباري وربما اعداد من قوات النخبة، التقارير ذكرت وصول 400 جندي اميركي الى بغداد. يبقى الخيار الاميركي محدودا، واستبعاد اشراك الطيران الاميركي في عمليات استعادة قدرات الجيش العراقي خلال هذه الايام بسبب وجود داعش في مناطق سكنية وتجمعات سكنية يصعب تميزها.

قطر تسير رحلات مقاتلين الى مدينة الموصل

سياسة "داعش" الان تغيرت من وجودها في الصحراء والمناطق المعزولة الى اعلان "الامارة" والتمترس في المدن العراقية. ذكرت تقارير معلوماتية مصنفة من مقاتلي عراقيين وشهود عيان داخل مدينة الموصل من تنظيم رحلات جوية الى مطار الموصل لمجموعات من مقاتلي "داعش وجهاديين" برعاية قطرية لدعم تنظيم "داعش" على الارض، وما يدعم هذه المعلومة ان قطر ذاتها وتركيا في وقت سابق انتهجت هذا الاسلوب بترتيب رحلات جوية ونقل الاف المقاتلين من اليمن الى سوريا عبر تركيا وعلى متن الخطوط التركية برعاية قطرية. إن قطر مازالت تمسك بخيوط "داعش" وبقية التنظيمات القاعدية في المنطقة وهذا ماكشفتها تفاصيل تبادل الجندي الاميركي مقابل خمسة من معتقلي طالبان في معتقل غوانتنامو شهر مايو 2014.

الاطراف السياسية السنية ترفض اي تدخل اميركي او اقليمي لدعم الحكومة العراقية، اما الاطراف الشيعية فهي تحاول ايجاد مخرج سياسي قبل الخيار العسكري على الارض لمعالجة الموقف. التقارير من داخل الكتل الشيعية ذكرت بان ابراهيم الجعفري والسيد عمار الحكيم طلبا علنا من المالكي التنحي لحل الازمة، ذلك بايجاد حكومة انقاذ وطني يكون المالكي خارجها او عضوا فيها.

وفي ذات السياق فشل البرلمان العراقي كعادته بإيجاد حل واجماع داخل البرلمان في اجتماعه وجلسته الطارئة قبل يومين للتصويت على حكومة فرض قانون الطوارئ بسبب اشتراط الدستور موافقة ثلثي البرلمان وهو يبقى شرطا تعجيزيا لايمكن الوصول اليه ابدا، وهذا يعني ان البرلمان العراقي سوف يبقى منقسما على نفسه وان الحكومة العراقية تبقى عاجزة عن فرض قانون الطواريء ما يزيد المشهد تعقيدا اكثر. مايجري الان في العراق من افعال وردود افعال يعمق الطائفية في العراق، في الوقت الذي قامت به الكتل السياسية السنية من شرعنة داعش في العراق ومنحه الغطاء فأن المأخذ على الحكومة العراقية توجهها لاتخاذ قرار باعلان تشكيل جيش رديف الى القوات العراقية، التقارير ذكرت وجود قيادات ايرانية ومنها سليماني في العراق للاشراف على مواجهة "داعش" وهذا مايعزز التدخل الاقليمي الايراني الذي يقابله التدخل التركي في العراق. إن الازمة في العراق تتجه نحو منعطف خطير اكثر من المشهد السوري، ربما لايكون باقل من التقسيم.

* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 15/حزيران/2014 - 16/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م