مواصفات سلطة الإمام المنتظر (ع)

الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي

 

((ونريد: أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض، ونري: فرعون، وهامان، وجنودهما – منهم – ما كانوا يحذرون)).

[(سورة القصص: الآيتان 5 – 6)

 

((و)) كذلك ((نريد)) نحن: الله ((أن)) نصطفي لنعمائنا جماعة، زودناهم بالمؤهلات العالية فغمطت أصحاب السلطات الزمنية حقوقهم، وطاردتهم، حتى كأنهم لا يستحقون شيئاً. بينما احتفظوا بمستواهم، فلم يسفوا تحت وطأة الطوارئ، ولم يركعوا للأحداث، وإنما رفضوا الهزيمة، وصمدوا بمناعتهم الذاتية. فاستحقوا أن نصطفيهم لنعمائنا، ونعلن – من خلالهم – أن إرادتنا هي المنتصرة، مهما تألبت ضدها القوى، لأن إرادتنا تجسد الواقع، والواقع ينتصر في المدى الطويل.

وهؤلاء... هم (الذين)) جابهتهم قوى الأرض، فـ ((استضعفوا في الأرض)). ولكنهم ما ضعفوا ولا انهاروا، وإنما واصلوا السير، من خلال الطوارئ التي أعدت لإيقافهم. فهؤلاء... الذين آمنوا بالله، والتزموا بأوامره، فانطلقوا من مقاييس الدين، غير آبهين بمقاييس الدنيا، وعلقوا أبصارهم بنور الحق، مستهزئين بظلام الباطل. هؤلاء... سنضاعف ثوابهم في الدنيا – بالإضافة إلى ثواب الآخرة –، فنخولهم سلطتين:

الأولى: السلطة الروحية، في أعلى مراتب السلطة الروحية، وهي: (الإمامة). فنخولهم الإمامة، ((ونجعلهم أئمة)): التي هي السلطة الروحية المطلقة.

الثانية: السلطة الزمنية، في أعلى مراتب السلطة الزمنية، وهي: (الوراثة) فنخولهم الوراثة، ((ونجعلهم الوارثين)): التي هي السلطة الزمنية المطلقة، التي لا أعلى منها إلا سلطة الله.

وسلطة الوراثة أعلى سلطة، لأسباب:

1- سلطة الوراثة ليست معلقة بين قمة آمرة وقاعدة مأمورة، كما هي – عادة – حال السلطات الزمنية. فكل سلطة زمنية إنما هي – في الواقع – سلطة تنفيذية فحسب، وتؤدي دور الجندي فقط.

ففي الأنظمة الديكتاتورية: تتسلم السلطة الزمنية أوامرها من الحاكم الديكتاتور – ملكاً أو رئيس جمهورية –، والحاكم الديكتاتور – نفسه – يبقى مأموراً بردود فعل التيارات المتشابكة تحته، وبالأنظمة القاهرة فوقه. لأن الحاكم – مهما تركزت سلطته – يبقى عاجزاً أمام المتغيرات حوله، والأعراف السائدة حتى عليه وفي بيته.

وفي الأنظمة الديموقراطية: تتسلم السلطة الزمنية أوامرها من الحاكم الديموقراطي – المتمثل في السلطة التشريعية، التي تتسلم صلاحياتها من القاعدة المأمورة وهي الشعب –، فتبقى السلطة الزمنية – بمختلف أشكالها – محصورة في حدود لا تستطيع تجاوزها، وتكون حاكمة على محكوم ومحكومة لحاكم.

بينما تكون سلطة الوراثة أقوى، لأنها وريثة خبرات السلطات كلها، وخلاصة تجاربها. فلا تحمل جبروت الديكتاتورية، ولا عجز الديموقراطية. وإنما تكون نوعاً ثالثاً من السلطة، ليست عليها بصمات طيش الديكتاتورية، ولا وصمات جهل الديموقراطية، بل تكون سلطة مطلقة وصالحة، سجل التاريخ بعض تجاربها في سلطات الأنبياء والأئمة (ع) الذين حكموا.

2- سلطة الوراثة ليست مرهقة بالتأسيس، كما هي – عادة – حال السلطات الزمنية: حيث أنها ترهق في خروجها من تحت الأرض، ووثوبها إلى سدة الحكم. وترهق في السيطرة على القطعة التي تستولي عليها من الأرض، والقطاع الذي تستولي عليه من البشر. وترهق في تجربة نوعية الحكم... فتمارس الحكم، يبيسة النشاط، ضحلة القدرة. بينما تكون سلطة الوراثة أريح، لأنها تجني ثمار هذه الرهقات بلا رهق، فتمارس الحكم ريانة النشاط، وفيرة القدرة.

3- سلطة الوراثة ليست قلقة، كما هي – عادة – حال السلطات الزمنية، التي هي مادة التنازع بين هواتها، فلا ينتزعها أحدهم من أسلافه بالعنف والقهر، إلا وهو يعلم أن أخلافه سينتزعونها منه بالعنف والقهر، وكما أنه صب الويلات واللعنات على أسلافه، سيصب أخلافه عليه الويلات واللعنات، وكما أن من قبله نكب بها، سينكب هو بها...

بينما تكون سلطة الوراثة آمن، لأنها مستقرة لا يستطيع هواتها أن يتنازعوها، وصاحبها مهيمن لا يحاذر أن تنشق الأرض عن من يقضي عليه ليستأثر بها.

4- سلطة الوراثة ليست مؤقتة، كما هي – عادة – حال السلطات الزمنية، التي يعلم صاحبها: أنه يبني لمن يهدم، ويزرع لمن يدوس. فهي في تداول مستمر بين المتناقضين. وكل من يستأثر بها – برهة من الزمن – يؤسسها وفق أفكاره، فإذا انقضت فترته، جاء بعده من يستأثر بها، لينسف كل ما أسس سلفه، ويؤسسها بشكل آخر، وإن لم يختلف مع سلفه في الرأي، وإنما لمجرد أن يثبت أنه ليس استمراراً له، وإنما هو أتى بالجديد في كل شيء، وأنه كان في كل شيء على باطل. فيما تكون سلطة الوراثة أبقى، لأنها مصيرية، ويعلم صاحبها: أنه يؤسس للأبد، ويبني للأجيال، وأن جهوده لا تذهب باطلاً.

وهكذا... تكون سلطة الوراثة أقوى وأريح وآمن وأبقى. فهي أعلى مراتب السلطة الزمنية.

وللسلطة الروحية – في مستوى الإمامة – مكانة عظيمة، وللسلطة الزمنية – في مستوى الوراثة – مكانة عظيمة، فإذا اجتمعتا في شخص؛ يجتمع له المجد من أطرافه، ويكون أقوى إنسان على الأرض.

فالذين استضعفوا في الأرض وما انهاروا، يمنحهم الله هاتين السلطتين معاً، ويضيف إليهما خصلتين:

الأولى: أن الله يمكنهم في الأرض: ((ونمكن لهم في الأرض)) حتى تكون سلطتهم مطلقة لا تحدها حدود، إلا إرادة الله فقط، ومتينة لا تطوف بها الزلازل والتمردات، كفاء ما استضعفوا وأهدرت طاقاتهم.

الثانية: أن الله يسلطهم على أعدائهم: ((ونري: فرعون، وهامان، وجنودهما – منهم – ما كانوا يحذرون))، فيعاقبون – بأيديهم – من استهان بهم، وأنكر مواهبهم، وكبت قدراتهم.

* من كتاب خواطري عن القرآن

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/حزيران/2014 - 15/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م