مسلمو بريطانيا.. بين ناري التطرف الديني والتمييز العنصري

 

شبكة النبأ: الأقليات المسلمة في بريطانيا لا تزال تعاني من سياسة التمييز والمضايقات المتواصلة، التي ازدادت بشكل كبير بسبب اتساع الحرب الاعلامية التي تقوم بها بعض الاحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة، التي تسعى الى تأجيج مشاعر الحقد والكراهية ضد هذه الاقليات من خلال نقل بعض الأنماط التقليدية والمفاهيم المغلوطة التي تقوم بها بعض الجماعات الاسلامية المتشددة كما يقول بعض الخبراء.

ويرى بعض الخبراء الحقوقيين ان الشعور بالقلق والخوف من الاسلام ينمو يوما بعد يوم في المجتمع البريطاني الذي اصبح يخشى من استفحال التطرف الديني خصوصا مع استمرار المزاعم المتواصلة والفبركة الاعلامية التي تتبعها بعض الجهات المتطرفة، ضد الإسلام والمسلمين الذين تتهمهم بالإرهاب في سبيل إثارة الكراهية ضدهم وابعادهم بكافة الوسائل والأساليب.

خصوصا وان هناك بعض الاحصائيات الرسمية تشير الى ان اعداد المسلمين في بريطانيا  قد ارتفعت بنسبة الضِّعف تقريبًا خلال العقد الماضي وهو ما يعتبر تحديا كبيرا  للعديد من الاحزاب اليمينية المتطرفة التي سعت الى توسيع دائرة الحرب ضد المسلمين.

ولعل ما يشغل الرأي العام البريطاني اليوم هو المزاعم الاخيرة التي اشارت الى وجود حملة منظمة تقوم بها بعض الجهات من اجل فرض الاسلام في مدارس بريطانية، وهو ما اثارت المخاوف مجددا من تعرض الشباب في بريطانيا الى الاسلام المتطرف.

سيطرة التطرف

وفي هذا الشأن فقد كشف تقرير بريطاني أن بعض المدارس في مدينة برمنغهام استعملت مناهج دراسية وضعت من منظور اسلامي، وأن هناك ثقافة في تلك المدارس قللت من أهمية الديانات الأخرى غير الاسلام، بالإضافة الى ممارسات أخري. وشمل التقرير الذي أعدته الهيئة البريطانية للرقابة على التعليم في المدارس(أوفستيد) 21 مدرسة في برمنغهام.

وجاء التقرير بغرض التحقيق في مزاعم بأن متشددين اسلاميين يسيطرون على بعض المدارس في برمنغهام. وقال سير مايكل ولشو رئيس الهيئة إن جوا من الخوف والترهيب سيطر على تلك المدارس، وإن مديري المدارس تم تهميشهم أو اضطروا لترك وظائفهم. وقال ولشو "هناك أدلة على استهداف مدارس بعينها". الا أن المسؤولين عن أحد أهم المدارس المعنية بالتقرير رفضوا ما جاء في التقرير.

وأوصى التقرير أن يكون محافظو المدارس من المهنيين. وقال ولشو إن بعض ما توصل اليه التقرير يدعو للقلق بل صادم. وستخضع خمس مدارس ورد ذكرها في تقرير "حصان طروادة" لإجراءات خاصة. وقال التقرير إن 12 مدرسة أخرى تحتاج الى اجراء تحسينات. ووجه التقرير اللوم الى المجلس المحلي لفشله في حماية تلاميذ المدارس من التطرف وللتراخي في التعامل مع المخاوف التي اثيرت بشأن اسلوب ادارة المدارس.

وقال ولشو أن هناك ممارسات خطيرة في تلك المدارس، وإن محافظي تلك المدارس يمارسون صلاحيات أكبر بكثير من المقبول. كما اشار التقرير الي أن بعض المدارس استخدمت مناهج دراسية عكست النظرة المحدودة لقلة من اعضاء مجلس ادارة تلك المدارس. "وقال بعض المدرسين انهم لقوا معاملة سيئة بسبب جنسهم أو دينهم." وقال ولشو أن المفتشين اشاروا بقلق الى اتباع الثقافة الاسلامية فقط في مدرسة غير دينية، وأن التلاميذ لم يتم تشجيعهم على "اكتساب القدرة على التسامح مع الديانات الأخرى".

وكشفت تسريبات من تقرير آخر أعدته وكالة تمويل المدارس أن مجلس أمناء بارك فيو التعليمي الذي يدير ثلاث مدارس في برمنغهام "جعلن المناهج الاسلامية فى بؤرة اهتمامهن". كما كشف التقرير أن البنات فصلن عن الاولاد في بعض الحالات. وقد حازت تلك القضية على اهتمام كبير في الاعلام والبرلمان في بريطانيا حتى قرر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان تقوم اوفستيد بالتفتيش المفاجئ على المدارس. وكان الاجراء المتعارف عليه هو اخبار المدارس بموعد التفتيش قبل حدوثه.

وبدأت القصة بوجود ادعاءات بأن بعض المدارس في برمنغهام - التي يسكنها عدد كبير من المسلمين أغلبهم من اصول اسيوية - قد سيطرت عليها مجموعات من المتشددين الاسلاميين. وتعود بعض هذه الادعاءات الى سنوات عدة. وفي وقت سابق كشف عن رسالة مجهولة - لم يتم التأكد من مصدرها - زعم انها خطة عمل لشرح كيفية السيطرة على المدارس الحكومية وجعلها تتبنى منهجا اسلاميا.

وتخطط الرسالة لحملة تهدف الى تغيير محافظي المدارس ثم تقويض سلطة اداراتها واحلالها بإدارات ومدرسين اكثر تعاطفا مع برنامجهم الديني. وطبقا لهذه الرسالة، فان تلك الخطة تستهدف المناطق التي توجد بها اعداد كبيرة من المسلمين. وتزعم أن بعض المدارس في برمنغهام بدأت بالفعل في تطبيق تلك الخطة. وتبين بعد ذلك أن مجلس مدينة برمنغهام، ووحدة وزارة التعليم لمكافحة التطرف، وادارة وست ميدلاند لمكافحة الارهاب، والاتحاد الوطني لمديري المدارس، كانوا على علم بتلك الرسالة.

وقال أحد مديري المدارس إنه أبلغ وزارة التعليم بالمشكلة عام 2010. واطلقت تلك الرسالة المجهولة اسم "حصان طروادة" على خطة السيطرة المزعومة على المدارس في اشارة الى القصة اليونانية القديمة. والمقصود هنا ان المتشددين الاسلاميين سوف يسيطرون على المدارس من داخلها.

واشار مجلس مدينة برمنغهام الى الصعوبة الشديدة في التحقق من صحة تلك الرسالة وإذا كانت من شخص يحاول الانذار أم انها رسالة كيدية تهدف الى الاضرار بالعلاقات المجتمعية في المنطقة. بينما وصف مجلس محافظي المدارس في المنطقة ان رد الفعل على هذه الرسالة اصبح توزيعا للاتهامات على كثيرين بلا دليل. وهناك تقريرا أعد حول ذلك الأمر يشير الى أن مجلس أمناء مدرسة أكاديمية برمنغهام وضعت منهجا دراسيا اقتصر في بعض اجزائه على منظور اسلامي محافظ.

وكشف التقرير أن مدرسة بارك فيو لم ترحب بالطلاب غير المسلمين على الرغم من انها ليست مدرسة اسلامية. ووصف التقرير المنهج الذي شمل دروس الاقتصاد والصحة والمجتمع بانه ذو طابع اسلامي. وقال مدرسون ان مكبرات الصوت فيها استخدمت لبث الآذان. وأظهر وزير التعليم مايكل جوف اهتماما شديدا بالأمر. وعين المدير السابق لادراة مكافحة الارهاب بالشرطة البريطانية بيتر كلارك لإجراء تحقيق حول مدى صحة هذه الادعاءات.

الا أن هذا التعيين في حد ذاته كان سببا للجدل. فقد قال رئيس شرطة وست ميدلاند ان اختيار السيد كلارك بما لديه من خلفية في مكافحة الارهاب من شأنه أن يجعل الناس تتوصل إلى استنتاجات لا اساس لها. وقرر ولشو متابعة التحقيق في الأمر بنفسه. ويقول خالد محمود نائب البرلمان عن منطقة بيري بار إن هناك اسبابا تدعو للقلق. وقال "ان كل المعلومات التي تصلني تشير إلى أنه كان هناك محاولات جادة للسيطرة على معظم المدارس في شرق وجنوب المدينة."

وتجري الآن اربعة تحقيقات على الأقل في الأمر تقوم بها هيئة أوفستيد، ومجلس بلدية برمنغهام، ووزارة التعليم، ووكالة تمويل التعليم. وتقول اوفستيد إن هذه هي أكبر عملية تفتيش منسقة تقوم بها بسبب الخوف من التطرف، وإنها قد فتشت على 21 مدرسة ابتدائية وثانوية وأخرى تابعة للسلطات المحلية والمدارس المسماة اكاديميات.

وتقوم الهيئة بزيارات مفاجئة للمدارس للتفتيش على مسألة بعينها وليس للتفتيش على المستوى العام للمدرسة بكافة جوانبها. ويقول المجلس المحلي إنه يقوم بالتفتيش على 25 مدرسة أخرى بسبب تلقيه نحو 200 اتصال من الجمهور بخصوص هذه المدارس. وتم تعيين مسؤول لهذه المسألة، كما ستقوم مجموعات مشتركة من أعضاء البرلمان واعضاء المجالس المحلية واتحادات المدرسين والشرطة والقيادات الدينية بمتابعة الأمر.

وقد رفضت مدرسة بارك فيو - وهى الأكثر شهرة بين المدارس المعنية - تلك الادعاءات بشدة. وأرسل أحد أعضاء مجلس ادارة، الذي وصف بانه مسيحي انجيلي، رسالة إلى أولياء امور الطلاب قائلا إنه ليس هناك تطرف في المدرسة وان تلك الأقوال "روايات غير حقيقية". وتضم مدينة برمنغهام 400 مدرسة يتم التحقيق في 25 منها. ويقول مجلس المدينة إنه بصدد تناول الأمر مع مناطق مجاورة في برادفورد ومانشستر. بحسب بي بي سي.

وفي رسالة الى وزير التعليم، عبرت وزيرة الداخلية عن قلقها من معالجة وزارة التعليم لقضية الادعاءات بوجود تطرف في المدارس. وقالت الوزيرة إن هناك مخاوف حول عدم قدرة المجالس المحلية والحكومة المركزية على التعامل مع المشكلة المزعومة في برمنغهام. كما تساءلت عن عدم اتخاذ وزارة التعليم أي اجراء اذا كانت على علم بهذا الأمر منذ عام 2010.

تفتيش مفاجئ

الى جانب ذلك قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إنه يريد القيام بعمليات تفتيش مفاجئة على مدارس ردا على إدعاءات تثير "قلقا عميقا" من وجود مخطط لمسلمين متطرفين للسيطرة على مدارس في مدينة برمنجهام. وقال كاميرون في البيان الذي نشره مكتبه "حماية أطفالنا أحد الواجبات الأولى للحكومة وهذا هو السبب وراء تطلب قضية التطرف الإسلامي المزعوم في مدارس برمنجهام ردا قويا."

وقال رئيس الوزراء إنه أراد أن يفوت الفرصة على المدارس للتستر على "الأنشطة التي ليس لها مكان في مجتمعنا" وسط اشارات إلى أن المدارس رتبت على عجل دروسا تتضمن تعليم المسيحية بعدما تلقت اخطارا بالقيام بعملية تفتيش. وطلب كاميرون من كبير مفتشي المدارس بالحكومة دراسة الطرق العملية للسماح بتفتيش المدارس بدون إخطار مسبق. وقال أيضا إنه سيعقد اجتماعا لقوة مهام التطرف الحكومية وإن المفتشين سيستمرون في التواجد المنتظم في المدارس ورفع تقارير إليه مباشرة. وقال حزب العمال المعارض إن رد كاميرون كان "ضعيفا وغير ملائم".

من جهة اخرى أثارت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي مخاوف بشأن طريقة تعامل وزارة التعليم مع مزاعم بوجود تطرف في مدارس بمدينة برمنغهام بوسط انجلترا. وطلبت ماي من وزير التعليم مايكل غوف الرد على الادعاءات بأن وزارته كانت على علم بمزاعم التطرف منذ عام 2010، وكذلك في مجلس مدينة برمنغهام قبل ذلك بعامين. لكن وزير التعليم أعرب عن اعتقاده بأن وزارة الداخلية لا تقوم بما يكفي إزاء مشكلة التطرف، حسبما نقل عنه أحد التقارير.

وقالت ماي في خطاب مكتوب "إن المزاعم المرتبطة بمدارس في برمنغهام تثير تساؤلات خطيرة بشأن الإدارة المدرسية وإجراءات الرقابة." وأضافت "هل صحيح أن مجلس مدينة برمنغهام تلقى تحذيرات بشأن هذه المزاعم في 2008؟ هل صحيح أن وزارة التعليم تلقت تحذير في 2010؟ وإن كان هذا صحيحا، لماذا لم يتحرك أي شخص؟" وأعرب غوف عن اعتقاده أن متشددين إسلاميين يخططون للسيطرة على مدارس في برمنغهام، حسبما نقلت عنه صحيفة التايمز.

ويعتقد غوف أن ثمة إحجام عن معالجة القضية في وزارات الحكومة، وخاصة وزارة الداخلية. لكن مصدرا في وزارة الداخلية قال إن غوف "يحاول أن يجعل الأمر وكأنه مشكلة شخص آخر"، في إشارة إلى إلقاء اللوم في المسؤولية عن ذلك لأطراف أخرى. وأشار مقربون من وزير التعليم إلى أن غوف يعتقد أن وزارة الداخلية تحجم منذ عقود عن مواجهة التطرف إلا إذا تطور ذلك إلى أفعال إرهابية، وأنه لا ينتقد ماي بشكل محدد. بحسب بي بي سي.

وقال مصدر في وزارة الداخلية في تصريح شديد اللهجة إن "وزارة التعليم هي المسؤولة عن المدارس، وليس وزارة الداخلية". قال مقربون من وزير التعليم مايكل غوف إنه لا ينتقد ماي بصورة شخصية وإنما أداء وزارة الداخلية عبر عقود لكن الوزيرين أكدا على أنهما يعملان بشكل مشترك في التعامل مع هذه القضية. وقال الوزيران في بيان لهما إن "وزارة التعليم ووزارة الداخلية تتعاملان بجدية شديدة مع المشاكل في مدارس برمنغهام". وأضاف البيان أن "مايكل غوف وتيريزا ماي يعملان سويا من أجل معرفة حقيقة ما حدث في برمنغهام، واتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة الأمر".

الجمعيات الخيرية

على صعيد متصل قالت هيئة الجمعيات الخيرية في بريطانيا إن "التطرف الإسلامي هو "أخطر" تهديد للجمعيات الخيرية في انجلترا وويلز. وحذر ويليام شوكروس، رئيس الهيئة، من أنه بالرغم من عدم شيوع أمر التطرف هذا حاليا، فإنه يتنامى. وفي مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز، قال شوكروس إن الهيئة تتخذ إجراءات ضد الجمعيات الخيرية التي ترسل الأموال إلى الجماعات المسلحة في سوريا.

وأكد أنه طلب من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون اتخاذ تدابير لمنع الأشخاص المدانين في قضايا إرهاب من إنشاء جمعيات خيرية. ويذكر أن القوانين الحالية لا تمنع تلقائيا الأشخاص المدانين بغسل الأموال أو الإرهاب من إنشاء جمعيات أو شغل عضوية مجلس أمنائها.

وقال شوكروس "من المثير للسخرية أن الأشخاص المدانين في جرائم إرهاب لا يٌحرمون تلقائيا من العمل أعضاءً في مجالس أمناء الجمعيات الخيرية". وتحقق هيئة الجمعيات الخيرية الآن في سجل عدد من الجمعيات الخيرية التي تجمع التبرعات لدعم جماعات تدافع عن قضايا معينة في سوريا. وقال رئيس الهيئة إنه كان يتعين على هذه الجمعيات توخى الحذر. وأضاف "أنا متأكد من أنه في أماكن مثل سوريا والصومال، من الصعب جدا جدا أن تعلم الجمعيات الخيرية دائما كيف تستخدم في النهاية أموال التبرعات التي تقدمها كمعونات، غير أنه يجب عليها أن تلتزم الحيطة البالغة". بحسب بي بي سي.

ويقول شوكروس "مشكلة التطرف الإسلامي والجمعيات الخيرية الإسلامية، ليست أوسع المشكلات التي نواجهها انتشارا فيما يتعلق بسوء استغلال الجمعيات الخيرية، لكنها (المشكلة) ربما تكون الأخطر". وهذه أول مقابلة تجرى مع شوكروس منذ توليه رئاسة هيئة الجمعيات الخيرية في عام 2012. وطالب بمزيد من الدعم المالي وسلطات قانونية أقوى لتمكين الهيئة من التغلب على استغلال وسوء إدارة الجمعيات الخيرية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12/حزيران/2014 - 13/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م