ثقافة عرض الذات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي نحتاج فيه - كمثقفين- الى نشر قيمة الإيثار، ونكران الذات، كي نعمّق حضور هذه القيم بين شرائح المجتمع العراقي، يقوم بعض المثقفين، بفعل معاكس تماما، فقد ظهرت على السطح، ظاهرة واضحة للعيان، تتمثل بحالات التسابق على عرض الذات بين بعض المثقفين عبر كل الوسائل المتاحة لهم في الواقع، كما هي الحال في الندوات والمهرجانات والمناسبات الوطنية وسواها، او في وسائل الاعلام بأنواعها المختلفة، يتقدمها جميعا موقع الفيس بوك، والمواقع الاخرى للتواصل الاجتماعي.

واذا كانت هناك حجة لصاحب المستوى الثقافي الاقل في اللجوء الى هذه الظاهرة، عندما يندفع في تمجيد ذاته، لأسباب كثيرة، تقف في مقدمتها (محاولات تدمير الشخصية العراقية وإذلالها)، فإن هذا العذر او الحجة ينبغي أن ينتفي في حالة كون الانسان مثقفا، إذ لا يصح أن يتساوى هو وغيره ممن لم تتوفر لهم فرصة التعليم وتطوير الوعي، ولكن كما تشير الدلائل، أن نخبة المجتمع، يتسابقون مع بعضهم (بضراوة)، لعرض ذواتهم بكل الطرق والسبل المتاحة، وعندما يسأل أحدهم عن السبب وراء ذلك، سرعان ما تنفتح الافواه عن أعذار ومبررات، قد يصعب حصرها؟!.

ومن المفارقات التي يحاول المثقفون بثّها وجعلها مقبولة، أو تسوّغ عرضهم لذواتهم، هي محاولات طلب الشهرة، وكما يقول المثقفون أنفسهم، أنها –الشهرة- حق لهم، وأن الفيس بوك فرصة تجعلهم أمام الجميع بلا حواجز او حدود، واذا أردنا أن نتعمق قليلا في هذا الرأي، فإننا سنلاحظ انه قد يكون مقبولا، خاصة أن المثقف العراقي لم يكن قادرا على تسويق افكاره وكتبه لأسباب معروفة لم يسع المجال لذكرها، ولكن ما يمكن تأشيره هنا، بخصوص عرض ذوات المثقفين، أنها لا تتعلق بأفكارهم وابداعهم حصرا.

ولكن ما نلاحظه على بعضهم، أنهم مشغولون بنشر قضايا اجتماعية لا علاقة لها بالفكر او الابداع، وقد احتج بعضهم عندما سئل (لماذا تزج بقضاياك الاجتماعية في صفحتك الفيسبوكية)، وأنت صاحب الفكر والابداع، وقد رفض بعضهم هذا التساؤل، ورأى بعضهم الاخر ان المثقف له الحق بعرض ذاته وحالاته الاجتماعية وسواها، حاله حال بقية الناس!.

وهكذا يطالب المثقف وصاحب الفكر بنفسه، أن يهبط الى وعي الانسان البسيط، بدلا من أن يطالبه بالصعود الى مستوى أعلى!، فأية مفارقة هذه؟، ولماذا لا يستطيع المثقف العراقي أن يرى بوضوح حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في المرحلة الراهنة؟ كذلك لماذا يصر على قضية وجوب مساواته مع الاخرين ممن هم اقل وعيا منه، في الوقت الذي ينبغي أن يكون هو النموذج الافضل لهم، خاصة أن عامة الناس تنظر الى المثقف كنموذج يقتدي به الاخرون، بسبب الافكار العالية التي يحملها، والثقافة الجيدة التي يتسلّح بها!.

لذلك فإن التسابق على عرض الذات، وفق حالة من التهافت المتواصل للمثقف، عبر مواقع الاتصال، ومعظم وسائل الاعلام، تؤكد أن هناك خللا لابد من تداركه، كي يأخذ المثقف العراقي مكانته الصحيحة بين المجتمع، باختصار شديد، يعتقد كثيرون ان بعض المثقفين العراقيين بحاجة الى إعادة نظر في قضية عرض الذات، واللهاث خلف الظهور، حتى في الاماكن التي ربما لا تتناسب مع مكانة المثقف!.

فقد شاع مثلا، عن بعض القيادات الثقافية، أنها تستميت من اجل حضور الملتقى الفلاني او المهرجان او الندوة كذا، بغض النظر عن مضمونها والجهة التي تقيمها، يكفي لهؤلاء انهم يحصلون على إقامة مجانية، أما بقية الامور فلا تخضع بالنسبة لهم للتمحيص والتدقيق!!، هكذا يتصرف بعض المثقفين، فالمهم لديهم دخول حلبة السباق على عرض الذات بشكل دائم، حتى لو ادى ذلك الى نتائج معكوسة لا تصب في صالح المثقف او المجتمع على حد سواء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 10/حزيران/2014 - 11/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م