البحرين.. تكريس القمع ومنحدر العنف

 

شبكة النبأ: "50" يوماً يمضي على احتجاز جثة إنسان ميت، واستمرار اعتقال "350" مواطناً دون وجه حق، بينهم "450" طفلاً، وقتل يومي بالرصاص في الطرقات والشوارع، واستمرار عمليات الاختطاف من البيوت والمكاتب "على ذمة التحقيق"، ثم الإفراج بعد فترة غير محددة، بموازاة ذلك، الحراك السياسي المتأرجح بين المطالبة بـ "إصلاحات سياسية"، وبين الاندفاع نحو خيار العنف. كل ذلك يشكل صورة شبه كاملة، لحالة المظلومية التي يعيشها شعب البحرين، الذي لم تدخل يتضمنها استحقاق التغيير الجاري في الشرق الأوسط منذ ثلاثة أعوام، رغم التضحيات الجسام التي ما يزال يقدمها لاستعادة حقوقه المشروعة.

الملاحظ من ملامح الميدان، حيوية فائقة في الحراك الجماهيري، وإصرار على المواصلة والتحدي، في تنظيم التظاهرات الاحتجاجية، انطلاقاً من مجلس فاتحة، او من الطرقات ثم الشوارع الرئيسية. آخرها؛ تظاهرات يوم الجمعة الماضي تحت شعار "كنس الطوارئ"، نكاية بقانون الطوارئ الذي أصدره ملك البحرين منذ عامين، وتطلق عليه السلطات الحاكمة تسمية "قانون السلامة الوطنية". وحسب المصادر، فان التظاهرة جاءت تلبيةً لدعوة من بعض قوى المعارضة السياسية، وقد رفعت في التظاهرات صور الشهيد عبد العزيز العبّار، الذي تحتجز السلطات الأمنية جثمانه منذ "50" يوماً، وهي تطالب المنظمات الدولية والإنسانية بالتدخل وتحمّل مسؤوليتها بالدفاع عن شعب البحرين المضطهد، والعمل على تقديم كبار المسؤولين عن جرائم القتل الى المحاكم الدولية.

هذه الصرخات المدوية لم تلق حتى الآن الآذان الواعية.. إنها ربما تصل الى الأسماع، وتتناقلها وسائل الاعلام، بيد أن يد التضامن والمساندة المعنوية، سياسياً واعلامياً من شأنها ان تعزز من موقف شعب البحرين في ساحة المواجهة، كما حصل مع الشعوب الاخرى التي حظيت بدعم واسع، كان له الدور في دفع الاحداث باتجاه تحقيق الاهداف المنشودة، بغض النظر عن طبيعة هذه الاهداف، والعبرة بالنتائج.. فمن يتابع الاحداث في البحرين من شرفة العالم الاسلامي، يخيل اليه كما لو ان كل اشكال القمع والاضطهاد التي يتعرض لها هذا الشعب، أمراً عادياً لا يستدعي النهوض بقوة وعمل شيء ما. وربما يتصور البعض أن هذا "ثمن معارضة النظام"، أو "استفزاز النظام الحاكم ودفعه لاستخدام القوة المفرطة"!.

هذا التصور وغيره هو الذي يمكّن النظام من تحويل الظالم الى مظلوم، وبالعكس.. ويمارس المزيد من القمع والتنكيل، مستفيداً من أجواء الصمت العالمي، بهدف استدراج الجماهير والجماعات المعارضة المنظمة للحراك، الى ساحة المواجهة العنيفة.    

مصادر في المعارضة تؤكد أن النظام الخليفي ماضٍ في سياسته هذه مدعوماً بغطاء سعودي – بريطاني - على وجه التحديد- يوحي للرأي العالم، الإسلامي والعالمي، أن ما يجري في البحرين، إنما هي قضية طائفية، وإن كانت ثمة مشاكل سياسية، فانها بين بعض افراد الشعب وبعض الدوائر الحكومية، كأن تكون مشاكل خدمية في التعليم او الصحة او المرور!. ولا دخل للنظام الحاكم بالاحداث، الامر الذي يسوّغ أي إجراء عنيف وقاسٍ ضد المتظاهرين كونهم – حسب هذا التوصيف- مجموعة خارجين عن القانون، يهددون "الأمن والسلامة الوطنية".. مجرد إلصاق هذا التهمة بالانتفاضة الجماهيرية، يشعل نار الغضب في النفوس، ويدفع بالشباب الثائر لأن يثبت وجوده الحقّ في الساحة، فيأتيه الرصاص والممارسات العنيفة، من اعتقال وضرب وغازات سامة ودهس بالسيارات واقتحام البيوت وترويع النساء وغيرها كثير، أما رد الفعل سيكون واضحاً جداً، وهو الدفاع عن النفس قطعاً، لكن بأساليب مختلفة، ربما يأخذ بعضها طابع العنف واستهداف سيارات الشرطة بالزجاجات الحارقة وغيرها، مما يؤدي الى مقتل بعضهم، وبالنتيجة، تحصل السلطات الحاكمة على المسوّغ والتبرير لممارسة كل اشكال العنف ضد المتظاهرين في الشوارع، بل ومع أي حراك جماهيري ومطلبي.

ويُعد "التجنيس" من ابرز وسائل الاستفزاز في يد النظام، حيث يصل البحرين يومياً العشرات من العرب وغير العرب من بلاد مختلفة مع عوائلهم للإقامة في هذا البلد، ليس للعمل ومشاركة شعب البحرين همومهم وطموحاتهم مساعدتهم الى المزيد من التقدم والتطور، إنما لمساندة النظام الحاكم في سياسته الطائفية والإقصائية. وهؤلاء ليسوا من الزائرين العاديين، ولا من المهاجرين الباحثين عن فرصة عمل او لقمة عيش، كما هو في جميع بلاد العالم. إنما يأتون وفق اتفاقيات خاصة، ويقومون بأعمال متفق عليها. وكانت آخر وجبة للتجنيس هو "30" ألف مجنّس قادمين من بلاد مختلفة، انخرطوا في الأجهزة الأمنية، وهناك شريحة أخرى يفسح لها المجال لاستلام فرص عمل في مؤسسات وشركات دون المواطن البحريني (الشيعي). وهنالك شهادات على حصول مشاكل اجتماعية واقتصادية سببها هؤلاء، حيث باتت البحرين تئن من وطأة وجود هؤلاء، وتعاني من استنزاف في الثروة والإمكانات في قطاع الخدمات العامة والتعليم والصحة والسكن غيرها.

المراقبون والمتابعون يرون أن الشعب البحريني يستحق أن يكون امامه خياراً آخر يبعده عن العنف والاستدراج نحو الساحة في مواجهة غير متكافئة. وذلك من خلال تضافر الجهود وتقارب الرؤى والأهداف بين الجماعات السياسية العاملة لمعالجة جذر المشكلة في البحرين، فشعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، لا يطلقه المتظاهرين اجتهاداً او بدافع المغامرة، إنما هو استحقاق يؤكده منطق العقل، والسبب في السياسات التي لا يتمسك بها هذا النظام، ولا يرضى بالتخلّي عنها، كما أكد اكثر من مرة، مثل التمييز الطائفي، واحتكار السلطة والثروة، وعدم السماح لأي نوع من التداول السلمي للسلطة والمشاركة الجماهيرية في صنع القرار، والاهم من كل ذلك؛ عدم الموافقة على أن تكون البحرين دولة مستقلة ذات سيادة وطنية، لا تتدخل فيها قوى عسكرية مثل الولايات المتحدة، أو تيار مذهبي ونظام سياسي، مثل السعودية، إنما يجد العكس تماماً هو الصحيح..!. فوجود مقر قيادة الاسطول الامريكي الخامس، ورسو العشرات من البوارج والسفن العسكرية ومئات من العسكريين الامريكيين، مدعاة للفخر، لأنهم انما يضمون استقرار وأمن البحرين. كذلك الحال بالنسبة للتدخل العسكري السعودية في شؤون البحرين، والمشاركة في قمع التظاهرات الجماهيرية، فالنظام الخليفي ما يزال على عهده القديم، بإعتبار السعودية "الشقيق الاكبر"!.

هذه المعطيات تعطي القوى السياسية الفاعلة في الساحة لان توحد موقفها وجهودها في مواجهة النظام الحاكم، لاسيما وأن العديد من قادة الانتفاضة ما يزالون في السجون، مثل الشيخ محمد علي المحفوظ وعبد الوهاب حسين وآخرين، مما يسهل عملية صياغة جبهة واحدة تمثل الإرادة الجماهيرية العامة، وهي التغيير السياسي الشامل والجذري بما يحقق الامن والاستقرار والرفاهية لجميع أفراد شعب البحرين، بمعنى أن حصول المواطن البحريني على حقوقه في العمل والسكن وحرية التعبير والعقيدة وسائر الحقوق، هو الذي يخلق الامن والاستقرار في هذه الجزيرة الصغيرة، ومن ثم ينشر (البحرينيون) الأمن والسلام في ربوع المنطقة والعالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/حزيران/2014 - 10/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م