مرتكزات الاقتصاد الإسلامي؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من المسلّمات المتَّفق عليها، أنْ ليس هناك دولة قوية باقتصاد هش، فالدول القوية لا يمكن أن تُعطى هذه الصفة إذا لم تتحلى ببنية اقتصادية قوية وراسخة، وهذه القوة الاقتصادية، هي التي تمنحها قوة الدولة، ومن دونها، لا يمكن أن تصطف الدولة الى جانب الدول القوية في عالمنا المعاصر، حيث الدول والأمم والشعوب، تتسابق -على مدار الساعة- في ما بينها، لكي تصبح أقوى من بعضها البعض، وهي تعرف، أن حجر الزاوية في قوة الدولة، يكمن في قوة الاقتصاد، وخلاف ذلك، لا يمكن أن تقترب الدولة، أية دولة، من مراتب الدول القوية.

وفق رؤية الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، الى جوهر الاقتصاد الإسلامي، يرى أنه قائم على أربعة مرتكزات، تدعم بعضها بعضا، وتقف الى جانب بعضها بعضا، فتقدم إطارا واضحا لجوهر الاقتصاد الإسلامي، هذه المرتكزات يذكرها الإمام الشيرازي بوضوح ودقة، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الاقتصاد الإسلامي في سطور)، إذ يرى سماحته، أنها تتمثل بما يلي:

(1- أن لا يكون هناك فقراء يعانون الجوع والمرض والفقر.

 2- أن لا تكون هناك مشاريع معطلة.

 3- أن لا تبقى طاقات إنسانية، أو غير إنسانية عاطلة.

4- أن لا يُبطر الغني).

ويحدد الامام الشيرازي مسؤولية القيام بهذه الركائز الأربع، فيقول سماحته في كتابه نفسه: إن (الدولة هي المسؤولة عن هذه البنود الأربعة).

وحول انتفاء الفقر، وتقليص الفقراء، فإن الدولة هي المسؤولة عن القيام بهذه المهمة، بعد التخطيط لها، والتمهيد لتنفيذها، بدقة تامة، بما يحقق القضاء على الفقر، ومعالجة هذه الظاهرة بما يحمي كرامة الإنسان من التجاوز، ولا يجوز للقادة السياسيين، أو قادة الدولة مهما كانت عناوينهم، أن ترى في معالجة الفقر ومساعدة الفقراء، وضمان كرامتهم، (صدقة)، أو منّة، يتفضّل بها السياسيون وقادة الدولة على الفقير، بل هو موظف يستلم عن وظيفته أجرا شهرا، مقابل القيام بمكافحة الفقر، والقضاء على الفقر.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن الدولة الإسلامية مسؤولة بسد حاجات كل فقير. وذلك حسب اللائق بالكرامة الإنسانية، لا – صدقة- بمفهومها المزري، بل حقاً واجباً، والمراد بالحاجات: المأكل، والملبس، والمسكن، والمركب، والزواج، والسفر المحتاج إليه، والثقافة، والدراسة والضرورات الطارئة كالمرض وما أشبه).

المشاريع وتفعيل الطاقات

لا شك أن الدول القوية، تتبنى سياسة المشاريع العملاقة، ولا يمكن أن تنجح هذه السياسة الاقتصادية، من دون التخطيط لها بصورة فعالة ودقيقة، ويأتي هنا دور العقول المتخصصة بالتخطيط، والتعاقد، والإشراف، والتنفيذ، لذلك تقوم الدول القوية بمهمة المشاريع بنفسها، أي مهمة الرسم والاختيار ودراسة جدوى المشروع وطبيعة ونوع الإنتاجية وما شابه، كل هذه الأمور تكون من مهمة الدولة التي تقوم بدورها في اختيار الجهات والمؤسسات والافراد القادرين على انجاز المشاريع على أفضل وجه.

لذلك يرى الامام الشيرازي وفقا لرؤيته الاقتصادية للدولة الاسلامية، كما جاء في كتابه المذكور نفسه: (إن الدولة الإسلامية مسؤولة، لا بإقامة المشاريع بمفهومها العام فحسب، بل بالسير إلى الأمام في جميع نواحي الحياة، كالعمران، والزراعة، والصناعة، والتجارة، والمال، وغيرها).

وفي ظل مثل هذا المسار الفعال للدولة ومؤسساتها، لا نظن أنه ستكون هناك فرصة لهدر الطاقات، أو الابقاء عليها معطلة وغير فاعلة، لسبب بسيط أن الدولة النشيطة تحتاج الى طاقات ومؤسسات أبنائها كافة، لذلك لا يمكن أن تبقى طاقات عاطلة ضمن حدود الدولة القوية، التي تتقن وتخطط اقتصاديا بصورة سليمة.

خاصة أن الدولة القوية، في التخطيط السياسي والاقتصادي، لا تسمح بهدر المال العام في مشاريع وهمية، أو مشاريع فاشلة، تسهم في تعطيل الطاقات، أو تحجيمها في أفضل الحالات، فلا تمنح الدولة أموالا للأغنياء أصلا، ولا تمنح المال لمن يستطيع القيام بالعمل والانتاج ليكسب المال بنفسه، بمعنى أوضح أن دعم الدولة في هذه الحالة، سوف يتحدد بمن يحتاج الى هذا الدعم المالي فعلا، كما هو الحال بالنسبة للفقراء، لذلك لا تقوم الدولة بمنح الافراد القادرين على العمل اموالا مجانية كما تفعل مع الفقراء.

وهذا بالضبط ما يؤكد عليه الامام الشيرازي، عندما يقول حول هذا الموضوع في كتابه المذكور سابقا: (إن الدولة الإسلامية، لا تعطي المال لمن يتمكن من العمل ويكسل ويترهل، حتى تبقى طاقات بشرية عاطلة، بل يعطي المال للضعفاء والعجزة، ولمن ينقص مكسبه عن حاجياته، أما البطالون فتهيئ لهم الدولة الإسلامية فرص العمل).

التعامل مع الاغنياء

الاغنياء لهم دور في بناء اقتصاديات الدول المتقدمة، ونعني هنا بالاغنياء، ما يتكون منه (القطاع الخاص)، من مجموع الافراد والشركات، حيث يمتلك هؤلاء في الكثير من الدول المتقدمة، قدرات هائلة على الانتاج، والمساهمة في تطوير اقتصاد الدولة، لكن في بعض الدول المتقدمة، وربما الكبرى منها، هناك دور خطير للاغنياء في هذه الدول، حيث الجشع يسيطر عليهم بصورة شبه كلية، فلا تعود مصلحة الدولة تهمه، ولا يعنيه الفقراء او حقوق المواطنين الاخرين، لذلك يتعامل وفق مصلحته الذاتية بأقصى الحدود، فيسهم بذلك في عمليات فساد اقتصادي مستمر، ينشر الفساد، عبر الاحتكار، وعقد الصفقات المشبوهة، والاستغلال، وكل ما من شأنه أني يضيف الى رصيده المالي دولارا او دينارا إضافيا.

لذلك يرى الامام الشيرازي، أن الدولة ينبغي أن تتعامل بحزم مع الافراد او الشركات، أو اية جهة كانت، فردا أو مؤسسة، وأن لا تسمح بأية أعمال احتكارية، أو مضاعفة الاموال بطرق ملتوية، مثل استغلال حاجة الفقراء، ونشر ظاهرة الربا، فهي محرمة بصورة قاطعة في سياسة الاسلام ومبادئه، لذلك ليس مسموحا للغني أن يُبطِر، لأن الاسلام يتعامل - مع هذه الحالات والافراد او الجهات التي تقوم بها- بحزم، ولا يسمح بانتشارها.

كما نقرأ ذلك في قول الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه، عن هذا الموضوع: (أما عدم بطر الغني: فالربا، والاحتكار، والاستغلال، والفسق، كلها محرمة في شريعة الإسلام، فإذا أراد الإنسان أن يعمل أياً من هذه الأمور، فالإسلام يوقفه عند حده. وبعد ذلك فليكن هناك إنسان غني يملك، الكثير من الدنانير، أو الدور أو ما أشبه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/حزيران/2014 - 10/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م