إيران والخليج... تحول براغماتي لإعادة صياغة التوازنات الإقليمية

 

شبكة النبأ: تناغمت الدبلوماسية الخليجية مع نظيرتها الامريكية والإيرانية، هذا ما وصفه أغلب المتابعين، بالتحول البراغماتي، اذا ما قورنت مع المواقف السابقة التي انطلقت مع بداية المفاوضات النووية، والتي رفضت أي تقارب خليجي مع ايران، إضافة الى الانتقادات القوية التي اعقبتها قطيعة مستترة، مارستها السعودية ضد الولايات المتحدة الامريكية وإدارة أوباما.

كما يشير بعض المحللين الى وجود هواجس حقيقية لدول الخليج، وبالأخص السعودية، تجاه إيران، فيما يرى اخرون ان هذا التقارب، ربما يكون بداية لإعادة صياغة التوازنات، وربما بناء شراكة قوية بين ضفتي الخليج السني-الشيعي، لترطيب الأجواء الطائفية، وتخفيف الاحتقان المذهبي، والتي اثرت في عموم منطقة الشرق الأوسط.

كما ان سرعة إدارة الاحداث، وتحول التفاهمات بين السعودية وإيران الى العلن، وتدخل الكويت كوسيط رسمي جديد، بدلاً من عمان، إضافة الى بث الأجواء المعتدلة والداعية الى الحوار وتبادل الزيارات، والبحث عن ضمانات بدلاً من الصراع، كلها عوامل تؤكد، كما يرى خبراء، بان هناك تحولاً استراتيجياً يجري التحضير اليه في المنطقة، برعاية الولايات المتحدة.

وربما يتم التركيز فيه على عاملين رئيسين:

1. العامل الاقتصادي، وهو المحور الأساسي لانتعاش التبادلات التجارية الضخمة، إضافة الى امدادات الطاقة "النفط والغاز" الحيوية في منطقة الشرق، والتي تنعكس على امن الاقتصاد العالمي، وهو امر ضروري، ومن أولويات المصالح العليا للولايات المتحدة الامريكية.

2. عامل الاستقرار، والذي تحاول دول الخليج التفاهم حوله، سيما وان زعزعة هذا الاستقرار من أي طرف يأتي بنتائج عكسية على الطرفين، وهذا ما توضح من خلال الصراعات السابقة التي ولدت المزيد من الطائفية والإرهاب والمجاميع المسلحة التي باتت تهدد نفس الدول الداعمة لها.

من جانب اخر، فان تلك الدول، لا تمانع في وجود شريك قوي، لكن بشرط ان لا يكون على حساب امنها الضعيف، وفي حال توفرت الضمانات الاكيدة، ربما يسهل الاتفاق على جميع النقاط الخلافية الأخرى.

توجهات ايجابية

في سياق متصل قال وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح خلال الاجتماع العادي للمجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي في الرياض، إن دول الخليج "تتطلع إلى ترجمة التوجهات الإيرانية إيجابا لإزالة أسباب التوتر بين دول هذه المنطقة الحيوية من العالم"، وشدد على "أهمية معالجة القضايا التي تبعث على القلق على صعيد العلاقات" بين دول المجلس وإيران.

وقال الشيخ صباح خلال مؤتمر صحافي إن الشعب الإيراني يتطلع إلى "التغيير وأعطى 18 مليونا أصواتهم للرئيس حسن روحاني، يريد الإيرانيون تغيير نهج التعامل مع الآخرين"، وأضاف "كانت هناك مؤشرات إيجابية من روحاني فور انتخابه، يسعدنا كدول خليجية تلقي إشارات ايجابية ومن صالحنا أن يكون هناك تعاون إيجابي مع إيران ونحن على أتم الاستعداد لذلك"، وختم معربا عن الأمل في أن تكون "الظروف أفضل من أجل التواصل بين السعودية وإيران مستقبلا"، في إشارة إلى الزيارة التي كانت متوقعة لوزير خارجية إيران للسعودية.

يذكر أن الشيخ صباح رافق أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في زيارة رسمية لإيران وصفت بأنها "تاريخية" وستسهم في الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، واستعادت العلاقات بين إيران "الشيعية" وجيرانها "السنة" حرارتها أخيرا على الرغم من الخلافات بشأن سوريا ذلك أن طهران تدعم نظام الرئيس بشار الأسد في حين تدعم غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمها السعودية، المعارضة السورية.

وتبدي دول مجلس التعاون الخليجي قلقها أيضا إزاء التدخلات المنسوبة إلى طهران في العراق والبحرين، وتدقق أيضا في التقارب بين إيران والقوى الكبرى التي ستستأنف مفاوضاتها في فيينا في 16 حزيران/يونيو بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل. بحسب فرانس برس.

وقال روحاني إن بلاده "مستعدة لتوسيع علاقاتها مع كل دول مجلس التعاون الخليجي"، وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أعلن في 13 أيار/مايو أن بلاده مستعدة "للتفاوض" مع جارتها الإيرانية لتحسين العلاقات الثنائية، ووجهت الرياض دعوة إلى وزير الخارجية الإيراني في إطار اجتماع منظمة التعاون الإسلامي المتوقع عقده في جدة في 18 و19 حزيران/يونيو.

وعرضت محطات تلفزيونية إقليمية لقطات للرئيس الإيراني حسن روحاني وأمير الكويت وهما يستعرضان حرس الشرف لدى وصول الشيخ صباح الأحمد إلى طهران، وينظر البعض إلى الكويت التي تعيش فيها أقلية شيعية كبيرة على أنها جسر محتمل بين إيران ودول الخليج العربية بما في ذلك السعودية، ونقلت وكالة أنباء الكويت عن علي عناياتي سفير إيران لدى الكويت قوله إن زيارة أمير الكويت تأتي "في وقت حرج ووسط تغيرات معقدة في المنطقة"، وأضاف أن الزيارة "ستفتح صفحة جديدة في التعاون الثنائي".

وأضاف أن الزعيمين يريدان "إيجاد نظام إقليمي آمن ومستقر يقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، وقالت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية إن الأمير يرأس وفدا يضم وزيري الخارجية والنفط.

اتفاقات اقتصادية

فيما وقعت الكويت وإيران عددا من اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع إيران في مجالات السياحة والجمارك والخدمات الجوية والبيئة وقالت الكويت إنها تسعى لاستيراد الغاز الإيراني لسد احتياجاتها المتزايدة منه، وعاد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى بلاده مختتما زيارة لإيران وصفتها وسائل إعلام محلية بأنها غير مسبوقة نظرا لكونها الأولى لأمير كويتي منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

وتسعى الكويت الغنية بالنفط والتي تنتهج سياسة خارجية متحفظة إلى تحسين علاقاتها الإقليمية سواء في المنطقة العربية أو في افريقيا وآسيا وتفضل دائما استخدام المدخل الاقتصادي كبوابة للتعاون بين الدول بعيدا عن القضايا السياسية الشائكة، ولا تتخذ الكويت التي توجد بها أقلية شيعية كبيرة موقفا متصلبا من البرنامج النووي الإيراني وإنما تفضل دائما السعي لإيجاد أرضية مشتركة للتفاهم مع طهران.

وقالت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن وزير النفط الكويتي علي العمير بحث مع نظيره الإيراني بيجن زنغنة التعاون الثنائي في مجال النفط واستيراد الغاز الايراني للكويت، وقال وزير النفط الكويتي في طهران إن إيران لديها كميات كبيرة من الغاز مؤكدا "حاجة الكويت إلى الغاز الايراني عن طريق التعاون بين الجانبين من أجل استيراده عن طريق توقيع اتفاقية بهذا الشأن"، وتحتاج الكويت عضو منظمة أوبك للغاز الطبيعي بشدة لتشغيل محطات الكهرباء التي يتزايد عليها الضغط بقوة خلال فصل الصيف شديد الحرارة والذي يتزايد فيه استخدام أجهزة التكييف.

وخلال الشهرين الماضيين وقعت الكويت ثلاث اتفاقيات تضمن لها استيراد نحو 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا من شركات شل وقطر غاز وبي.بي.

ولم يتم توضيح ما إذا كانت هناك اتفاقيات سيتم توقيعها بشأن استيراد الغاز من إيران، لكن وكيل وزارة النفط بالوكالة علي بن سبت قال في تصريح نقلته كونا إن البلدين "أبديا استعدادهما للتعاون بشأن موضوع تزويد الكويت بالغاز الإيراني حيث سيتم استكمال بحث كافة التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع لاحقا عن طريق عقد اجتماعات بين المختصين والمعنيين في كلا البلدين".

وأوضح أنه تم الاتفاق على أن يقوم وفد إيراني مختص بزيارة للكويت قريبا للالتقاء بالمسؤولين الكويتيين المعنيين لبحث كل التفاصيل المتعلقة بتزويد الكويت بالغاز الإيراني، وأكد العمير أن المباحثات بين أمير الكويت والرئيس الايراني حسن روحاني تناولت سبل تعزيز العلاقات بين البلدين في كافة المجالات لا سيما في مجالي النفط والغاز مبينا أن الكويت وايران من أكبر الدول المصدرة للنفط "لذا فباستطاعة البلدين تبادل الخبرات والتنسيق في مجال النفط استخراجا وتسويقا وتكريرا".

ونقلت كونا عن وزير المالية الكويتي أنس الصالح قوله ان الاتفاقية التي تم توقيعها بشأن التعاون في الشؤون الجمركية بين الكويت وايران "ستعمل على تسهيل اجراءات التبادل التجاري ودخول السلع والبضائع بين البلدين"، ودعا نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة والصناعة عبد المحسن المدعج إلى العمل على رفع حجم التبادل التجاري بين الكويت وايران مبينا أن حجم التبادل التجاري بين الدولتين يصل الى نحو 150 مليون دولار سنويا وهو "أمر لا يرقى الى طموح البلدين". بحسب رويترز.

وذكر المدعج أنه جرى توقيع اتفاقية مع معاون وزير الصناعة الايراني مهدي كرباسيان للتعاون في مجال تزويد الكويت بالحديد الصلب الايراني واصفا هذه الاتفاقية بأنها "فاتحة خير بين الكويت وايران في مجال التعاون الصناعي بين البلدين".

وحول اتفاقية التعاون السياحي قال المدعج طبقا لتقرير كونا "نحن نعمل على تطوير العلاقات السياحية بين البلدين والجميع يعلم أن إيران يقصدها الكويتيون للسياحة نظرا لما تتمتع به مدنها من مناظر طبيعية خلابة وأجواء مناخية رائعة اضافة إلى أن الكويتيين يقصدونها أيضا للسياحة الدينية."

ظريف لن يزور السعودية

من جهة أخرى اعلن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف انه لن يلبي الدعوة لزيارة السعودية في اطار اجتماع منظمة التعاون الاسلامي وذلك بسبب ارتباطه بالمفاوضات النووية مع الدول الكبرى والتي ستجري في الوقت نفسه، والعلاقات متوترة جدا في السنوات الاخيرة بين طهران والرياض على خلفية الازمة في سوريا والبرنامج النووي الايراني المثير للجدل.

وبدا انها تشهد بعض الانفراج مع الدعوة التي وجهها وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل في منتصف ايار/مايو الى نظيره الايراني لحضور اجتماع منظمة التعاون الاسلامي المقرر عقده في جدة في 18 و19 حزيران/يونيو، لكن هذا الاجتماع يتزامن مع الجولة الخامسة من المفاوضات بين ايران ومجموعة دول 5+1 (الصين والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا) المتوقعة في فيينا من 16 الى 20 حزيران/يونيو.

ويحاول الطرفان التوصل بحلول 20 تموز/يوليو الى اتفاق نهائي حول نص يضمن الطبيعة السلمية البحتة للبرنامج النووي الايراني الذي يشتبه في انه يخفي شقا عسكريا، ونقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية عن ظريف قوله "كنت مدعوا للتوجه الى اجتماع منظمة التعاون الاسلامي لكن بما ان هذا الاجتماع يتزامن مع المفاوضات النووية، فسيتعذر علي المشاركة فيه". بحسب فرانس برس.

وبحسب ظريف، فان "موعد المفاوضات (النووية) تقرر قبل (الدعوة) ولن يكون بامكاني تغييره"، ووصف ظريف لقاءه الاخير في اسطنبول مع وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون بانه "جدي وايجابي"، وقال "لا يمكن لاحد ان يتوقع حل هذه المسالة بالكامل بعد بضع جولات من المحادثات لانها مسالة مهمة جدا ومستمرة منذ سبع او ثماني سنوات".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/حزيران/2014 - 8/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م