السجن

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هو ذاكرة العذاب التي لا تنسى، وهو الكرامة المهدورة مهما كان الهدف نبيلا في الدفاع عنها، هو الالم الذي يصبح وشما لا يزول، هو القيد والاغلال والظلمة المحيطة والهلاوس والاحلام والكوابيس، هو الامل في لحظة عابرة، وهو الالم في لحظات سرمدية تتابع ولا تنقضي، هو الوقت الممدود دون نهاية، وهو الدقيقة المضغوطة حد الاختفاء وعدم الاحساس بها، هو السجن ولا أقسى.

لم يحفظ لنا التاريخ اسم اول سجين ولماذا سجن، ولعل مرد ذلك يعود الى هامشية كيانه وانسانيته لدى سجانيه.. انه المنعزل خلف قيود حريته، التي صادرها الاخرون في زمن العقاب الجائر، لكنه استمر زجرا وتاديبا للاحقين، ينتهكون محرمات ويتجاوزون عن موانع اجتماعية وسياسية ودينية، حتى تجاوز الحد في الردع الى الانتهاك.

سجنه: حَبَسَهُ في السِّجْنِ {لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}، وسَجَنَ الهَمَّ :أَخْفَاهُ، وسَجَنَ في دَيْرٍ:دَخَلَ حَيَاةَ الرَّهْبَنَةِ، سجَن لسانَه: لم يتكلّم، وسَجَّنَ الشَّيْءَ: شَقَّقَهُ، وسجَّنَ فلانًا: حبسَه، بالغ في حبْسِه.

المصطلحات الاخرى المقابلة للسجن هي:

((الحبس)) الذي استعمل في القرآن الكريم في موردين ،ولكن ليس في معنى السجن، وانما استعمل في هذا المعنى في الاحاديث الاسلامية كثيرا.

ومـصطـلح ((الامساك)) الذي استعمل في مورد واحد في القرآن المجيد بمعنى السجن، وهو مورد النساء اللاتي ياتين بالفاحشة، وذلك قبل نزول حكم حد الزنا (الجلد).

وجملة (امسكوهن فى البيوت حتى يتوفاهن الموت) وان لم يذكر لفظ السجن فيها، ولكن الامساك في البيوت الى آخر العمر امر شبيه بالسجن.

وهذا هو المورد الوحيد المتحقق في القرآن حول حكم السجن.

مـصـطلـح ((النفي)) عن ((الارض)) الذي ورد في الاية (33) من سورة المائدة وفسره البعض بالسجن.

وورد في الروايات الاسلامية موارد متعددة للسجن المؤبد وغيره، من جملتها:

1 ـ في مورد الاعانة على القتل: اذا امسك شخص شخصا آخر فقتله ثالث، فحكم القاتل هو الاعدام، وحـكـم الـمعاون هو السجن المؤبد، وهذا الحكم مورد اتفاق واجماع فقهائنا، وقد وردت روايات كثيرة في المصادر المعتبرة تدل عليه .

ففي حديث عن الامام علي (ع ) في رجلين امسك احدهما بثالث فقتله الثاني، قال (ع ): ((يقتل القاتل ويحبس الاخر حتى يموت غما كما حبسه حتى مات غما)).

2 ـ الامـر بـالقتل: يرى الفقه الاسلامي ان الشخص اذا امر آخرا بقتل ثالث بريء، يحق للمأمور ان يـقـتـل ذلك البريء حتى لو هدده الامر بالقتل اذا لم يفعل، اذ لا تقية في الدماء وما يقال من ان المامور معذور لا اساس له من الصحة.

فلو ان شخصا لم يعتقد بهذا الحكم الإسلامي، فقتل بريئا حفظا لنفسه من تهديد الامر الظالم، فحكمه في الاسلام هو القتل وحكم الاخر هو السجن المؤبد قال الامام الباقر (ع) في حق مثل هذا الشخص: ((يحبس الامر بقتله حتى يموت )) .

3 ـ فـي مـورد تكرر السرقة: يحكم في مورد تكرر السرقة في المرة الثالثة بالسجن المؤبد على السارق.

السَجن هو سلب لحرية إنسان بوضعه في مكان يقيد حريته، والسجن هو طريقة لاحتجاز شخص بموجب حكم قضائي أو قرار إداري من سلطة يستند إما إلى قانون ينص على عقاب الشخص لكونه ارتكب جريمة أو لمجرد قرار تقديري من سلطة مخولة باحتجاز الاشخاص إجراءا وقائيا تقوم به إدارة الأمن بوصفها سلطة عامة.. للتحفظ على مشتبه به. حتى إتمام تحقيقاتها. ويطلق على السجن بغرض التحفظ بالحبس الاحتياطي أو حبس تحفظي، أو اعتقال وقائي.

السجن بحسب الأصل نوع من أنواع العقوبات الجزائية ولذلك لا يستخدم إلا وفقا للقانون.

وهو كإجراء وقائي مخول للسلطة أو الإدارة لتقديرها ان شخصا بعينه يشكل خطورة على المجتمع أو يشكل تهديدا على المجتمع أو النظام. السجن بهذا المفهوم الأخير يطلق عليه أيضا" اعتقالا" وهذا الأخير يكون تعسفا من السلطة العامة التنفيذية إذا استطالت مدته على النحو الذي يساوى فيه بين المعتقل لشبهة دون ثبوث جرم فعلي، وبين المسجون لكونه قد ارتكب بالفعل جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن وسلب الحرية.

كما يطلق السجن على المكان الذي تتم فيه سلب حرية الإنسان. وهو مكان معد ليكون صالحا لحبس شخص أو أكثر ويكون إعداده بوضع الأسوار والقضبان الحديدية وتعيين الحراسة اللازمة لمنع المسجون من الفرار. وبعبارة أخرى يتم وضع كل الوسائل الممكنة لمنع الشخص من الخروج من المكان المحبوس فيه وتحت سيطرة كاملة لحراس السجن.

من خصائص السجن القيود التي تضمنها تعريفه، والأوصاف التي تميزه - غالباً - عن بقية العقوبات التعزيرية، ومن ذلك ما يلي:

1- إعاقة المسجون عن التصرف المطلق بنفسه.

وهذه الخاصية واضحة من تعريف السجن وواقعه؛ فإن السجن بأي إطلاق كان، يلازمه المنع من التصرف بالنفس.

2- الإهانة والإذلال في الظاهر.

دل العرف على أن السجن مكان للإهانة والذل الظاهر، ولذا قالت امرأة العزيز: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم 25 {يوسف: 25}، ولو لم يكن مكاناً للإهانة الظاهرة ما قابلته بالعمل الذي وصفته بالسوء، قال البقاعي: السجن سبب ظاهر في الإهانة.

3- منعه من مخالطة الآخرين مخالطة مطلقة ومنع الآخرين من مخالطته.

تم تصميم السجن الحديث لتحقيق أقصى قدر من التحكم في السجناء، وإبقائهم تحت مراقبة مستمرة.  

ويكون إعداده بوضع الأسوار والقضبان الحديدية وتعيين الحراسة اللازمة لمنع المسجون من الفرار. وبعبارة أخرى يتم وضع كل الوسائل الممكنة لمنع الشخص من الخروج من المكان المحبوس فيه وتحت سيطرة كاملة لحراس السجن.

من مخاطر السجون ومخاطر السجن على الافراد والمجتمع:

الملل وعدم القدرة على ممارسة اي انشطة منتجة ابدا.

مخاطر نشوء مجتمع شمولي يخدم مصاله فقط ويلجا إلى نظام المعاقبة بالسجن لاخراس معارضيه ومنتقديه.

الاستعباد بحيث يستعبد الإنسان داخل السجن بتلك الطريقة."عبد سجين"لكن ما يقال هو سجين وليس عبدا.

تهميش الفرد واضعافه نتيجة لسجنه مما يعرضه لمخاطر الاغتصاب والاعتداء الجنسي أكثر واكثر.  

ومن أقدم من أشتهر من المسجونين "سقراط" الذي زج به في السجن وله فيه أقوال رائعة "إذا جمعت نوائب الناس إلى محل واحد ليتقاسموها بالتساوي فالذين يحسبون أشقى الناس وأنكدهم حظاً يفضلون نصيبهم الأول على ما ينالونه من هذه القسمة".

عرض أصدقاء سقراط عليه الفرار من السجن لكنه رفض وتجرع السم وكان يقول لهم

"أرشدوني إلى مكان لا موت فيه فأفر إليه" في كتاب قصة الفلسفة يذكر المشهد في وفاته في السجن وأصحابه يبكون وهو يتجرع السم ويقول لهم "لماذا تبكون ألم نخرج النساء حتى لا نسمع العويل؟ كونوا رجالاً واعملوا أعمال الرجال" .

كذلك كولمبوس مكتشف أمريكا امتحن بالسجن والاضطهاد وقال لسجانيه " أجعلوا قيودي معي في تابوتي".

اختم هذه السطور من قصيدة للشاعرة فدوى طوقان حملت عنوان: (حريتي) وهي من ديوان الليل والفرسان:

حريتي حريتي، صوت أردده بملء فم الغضب

تحت الرصاص، وفي اللهب

وأظل رغم القيد أعدو خلفها

في السجن في زنزانة التعذيب في عود المشانق

رغم السلاسل رغم نسف الدور رغم لظى الحرائق

ساظلّ أحفر اسمها حتى أرى الحرية الحمراء تفتح كل باب

والليل يهرب والضياء يدكّ أعمدة الضباب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/حزيران/2014 - 8/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م