صعود اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الاوربي

خديعة الاسلام فوبيا

جاسم محمد

 

كشفت نتائج الانتخابات الأوروبية الاولية يوم 26 مايو 2014 صعود اليمين المتطرف في البرلمان الاوربي. حصل النازيون الجدد لأول مرة مقعدا في الاتحاد الاوربي منذ الحرب العالمية الثانية. طمت ان فوز الجبهة الوطنية في فرنسا، يعكس صعود اليمين المتطرف رغم أن اليمين المحافظ استمر في شغل اكبر عدد من النواب في البرلمان. وبحسب تقديرات اولية أعلنها البرلمان الأوروبي في اعقاب الانتخابات، فان محافظي الحزب الشعبي الأوروبي لا يزالون يتقدمون بحصولهم على 212 مقعدا من أصل 751 مقابل 186 للاشتراكيين. ونال الليبراليون 70 مقعدا في البرلمان الأوروبي وخلفهم حزب الخضر 55 مقعدا. والأحزاب الأربعة المؤيدة لأوروبا أصبحت تشغل 523 مقعدا مقابل 612 سابقا. اما بالنسبة لمختلف الأحزاب المشككة بأوروبا فإنها لاتشكل كتلة متجانسة ولن تمثل أكثر من 140 نائبا.

انقسمت الديانة في اوربا والمانيا تاريخيا بين الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية. ينتمي ثلثي الالمان الى احدى الكنيستين، وينتظمون ضمن أبرشيات كاثوليكية ومؤتمر الأساقفة، وضمن كنائس الولايات الإنجيلية والتي تعتبر بمثابة اتحاد كنائسي. إن أساس العلاقة بين الدولة والدين هو ما نص عليه الدستور الألماني من حرية الأديان والمعتقدات، والفصل بين الدين والدولة، ولضمان حرية واستقلالية المجموعات الدينية، فلا توجد كنيسة حكومية والدستور يعتبر الرعاية الدينية ليست من مهمات الدولة. بدأت الكنائس في اوربا، تباع او تتحول الى اغراض اخرى وربما متاحف، بسب عدم القدرة على تسديد الكلفة، يقابلها اندفاع وحماس شديد وتدفق اموال لبناء المساجد، وسط ازمة الاقتصاد الاوربي. وهذا ما صعد من وتيرة القلق لدى الشعب الالماني وشعوب اوربا ربما اكثر من حكوماتها، لتظهر امامها تيارات اليمين المتطرف الذي لا يتردد برفع صوته ضد إرتفاع المباني في المدن الاوربية. يعود تاريخ بناء أول مسجد في ألمانيا في التاريخ الحديث إلى 1915 وتحديداً أثناء الحرب العالمية الأولى وقد زاد حجم الجالية الإسلامية في ألمانيا واوربا وبالتالي اصبح عدد المساجد فقط في برلين وحدها إلى ما يزيد على 70 مسجداً.

دوافع تطرف الشباب اوربا

الحركات الإسلامية المتطرفة في اوربا تستهدف الشباب من المسلمين لغرض تجنيدهم، اي ادخالهم في تنظيماتها "الدينية" الاسلاموية المتطرفة لتحقيق اغراض سياسية لتلك الحركات الاسلامية السياسية تحت باب الاسلام. وفقا الى عدد من الدراسات تناولتها الدوتش فيلة وكذلك القنطرة الالمانيتين، تقول بان هنالك عدة عوامل متداخلة، حسب الباحثين، تدفع الشباب على التطرف، ورغم أن اغلب منفذي الاعتداءات الإرهابية لا علاقة لهم بالتدين، فإنهم ينفذونها نتيجة دوافع نفسية مرتبطة بالهوية وأخرى اقتصادية واجتماعية مرتبطة بالبطالة والعنصرية أحيانا، وأيضا استجابة لفتاوى القتل ودعاوى التطرف المنتشرة في الانترنت. واصبحت "منتديات الجهاد" على الانترنت مليئة بالدعوات للعنف وقتال "الكفار" في بلدانهم فأغلب الشباب الذين يتجهون لتنفيذ أعمال إرهابية في بلدانهم الغربية تأثروا بأفكار شيوخ العنف.

هذه المشايخ هاجرت الدول العربية والاسلامية، لتحول اوربا الى منبر خطابي لترويج الفتاوى المتشددة والتطرف، وهي تستغل مساحة الحرية والدساتير الاوربية التي تؤمن بحرية الراي. ابرز هذه المشايخ ابو قتادة، الذي تم ترحيله عام 2013 الى الاردن، بعد ان فضل ان يخضع الة محاكم بريطانية يكفرها اكثر من خضوعه لمحاكم عربية اسلامية تتخذ الدين الاسلامي احد مصادر تشريعاتها. اما الداعية الاسلاموي شودري في بريطانيا على سبيل المثال كان وراء دفع المتأسلم الافريقي بذبح الشرطي البريطاني عام 2013، بمنظر بشع امام عامة الناس في احدى شوارع بريطانيا وفي وضح النهار. هذه الجريمة صعدت من الاسلام فوبيا وشوهت الدين الاسلامي عند الغرب.

 الاستخبارات الغربية بدأت تعي مخاطر مثل هذه العمليات التي تصنف إستخباريا، ضمن عمليات "الذئاب المنفردة"، وهي طريقة لجأت اليها القاعدة، التنظيم المركزي والتنظيمات "الجهادية" التي تقول" لاتحتاج اكثر من طنجرة في مطبخ الام او سكين لتنفيذ عملية مسلحة في الغرب"! الذئاب المنفردة تمثل في نفس الوقت صداع الى اجهزة الامن والاستخبارات في اوربا، بسبب صعوبة الكشف عنها، كونها تجري ضمن حلقة فردية وربما فرد واحد يقدم على التخطيط والتنفيذ لعملية اجرامية انتحارية، دون وجود اتصالات او علاقات تنظيمية، اي لاتوجد شبكة عمل وعلاقات تنظيمية لا عمودية ولا افقية. لكن في الوقت نفسه مازالت اوربا تمنح حق اللجوء الى الاسلامويين، رغم انا أعداد المهاجرين غير الشرعيين الهاربين من ماكنة القتل والذبح في سوريا ومناطق اخرى اصبحوا ضحايا عمليات التهريب عبر البحر المتوسط ودول الجوار، وهذا مايعكس التناقض الذي تعيشه بعض دول اوربا خصوصا بريطانيا التي كانت ومازال تمثل محمية للاسلامويين.

خديعة الاسلام فوبيا

تطلق المانيا واوربا بين فترة واخرى مؤتمر الإسلام في ألمانيا وهي مبادرة للعمل الوقائي مع الجيل الجديد من ابناء الاقليات والمهاجرين لمنع التطرف الإسلاموي وفي نفس الوقت منع العداء ضد الإسلام ومعاداة السامية، ابرزها دورة عام 2013 التي تبنت العمل الوقائي مع الشباب. ووفقا لتقارير الدوتش فيلة الالمانية، فقد أصدر المؤتمر بإصدار إعلان دعم التماسك الاجتماعي ومكافحة الاستقطاب. كما تم إطلاق مبادرة ضد الاستقطاب الاجتماعي تركز على منع نشوب العداوة ضد المسلمين ومنع معاداة "الساميوالإسلاماوية" التي تعني التطرف القائم على الدين بين المسلمين. وقد تم في هذا السياق تحديد نقاط الدعم الرئيسة لمشاريع تندرج في المقام الأول تحت مجال العمل مع الشباب. يشار ان دول اوربا تعاني تهديد مزدوج اولها التطرف الاسلاموي وثانيها اليمين المتطرف، الذي لايقل خطورة وتهديدا الى الامن والذي بدء ياخذ طابع سياسي مبطن هو النازيون الجدد. لكن تناقضات سياسات بعض الدول الاوربية إتجاه وجود الاسلاميون على اراضيها يضع مصداقية تلك الدول موضع شكوك.

اليمين المتطرف

ضمن محاولة بعض الحكومات الاوربية لدمج الأقليات المسلمة، ومواجهة التطرف الديني والتهديدات الأمنية المحتملة، شرعت ألمانيا بتدريس الإسلام في مدارسها للمرة الأولى، وذلك عبر دروس في الإسلام لطلاب المدارس الابتدائية، باستخدام أساتذة مدربين من قبل الدولة الألمانية. يشار ان المانيا ـ مقاطعة شمال غرب المانيا تتبنى تدريس التلاميذ المسلمين، دروس في الاسلام، يقوم بها مدرسون مسلمون معنيين بالدين الاسلامي. إتخذت الحكومات الاوربية، باتخاذ خطابات وتهديدات اليمين المتطرف محمل الجد. على سبيل المثال اعترفت بخطأ الحكومة بتجاهل خطابات النرويجي" آندرس برايفيك" اليمينية المتطرفة. وكانت الشرطة النرويجية قد اعتقلت يوليو 2011 بسبب ضلوعه في عملية التفجير التي استهدفت مبان حكومية في أوسلو وأدت إلى مقتل 7 أشخاص والمجزرة التي استهدفت مخيماً للشبيبة ينظمه حزب العمال الحاكم في النرويج قتل خلالها أكثر من 80 شخصاً. معلومات الشرطة النرويجية كشفت بان"برفيك" أصولي مسيحي ينتمي إلى اليمين المتطرف وكان قد عبر عن أراء حول تطهير أوروبا من المسلمين وانتقد سياسة الحكومة النرويجية حول تعدد الأعراق، من خلال شبكة الانترنيت.

 "فالإسلاموفوبيا" اصبحت جزء من قرارات وسياسات دول الاتحاد الاوربي، فتعود العرب والمسلمون في اوربا ان تكون هنالك قرارات ضد الاقليات والمهاجرين. ان احداث 11 سبتمبر ووجود مشايخ الفتاوى الاسلاموية التي تدعو الى القتل وتصف البلد الذي يحتضنه" بالكافر" اصبحت مصدر حماس الى اليمين المتطرف، وربما اعطته دفعة قوية للصعود على المسرح السياسي كما حصل مع النائب "فيلدرز" اليميني في هولندا. المراقبون حملوا الحكومات الاوربية باتخاذ قرارات متشددة ضد الاقليات المسلمة منها حظر ارتداء النقاب في فرنسا وبلجيكا. وقد صعدت عمليات الهجرة غير الشرعية عبر ضفتي المتوسط باتجاه ايطاليا، الكثير من المخاوف والقلق، لما يمثل هؤلاء هجرة غير شرعية بهدف الحصول على اللجوء، اجهزة استخبارات الاتحاد الاوربية لم يتردد من الاعلان عن قلقه بوجود عناصر من تنظيم القاعدة وتنظيمات "جهادية" قد تمثل تهديدا للامن.

صراع الهويات

إن تورط الشباب في عمليات ارهابية وتطرف، لايعني بالضرورة ان يكونوا ملتزمين ومتمسكين بتعاليم الدين الاسلامي والشريعة الاسلامية التي تنبذ العنف، وتدعو الى التعايش والتسامح. لذا كشفت بعض التقارير المعلوماتية بأن البعض من المتورطين لم تكن لهم علاقة بالدين، بل كانوا يعانون من مشاكل اجتماعية والبطالة ومشاكل نفسية وادمان على المخدرات، لكنهم لم يكونوا ايضا بعيدا عن فتاوى المشايخ وتأثير" الجهاد الالكتروني والاعلامي" فبعد ان كانت التنظيمات "الجهادية" والقاعدة تعتمد مواقعها وشبكاتها الجهادية والمنتديات، تحولت الى تبني حساب تويتر وشبكة التواصل الاجتماعي الاخرى مستفيدة من عولمة الانترنيت والتكنلوجيا. وفي الواقع يتزايد قلق الأجهزة الأمنية في ألمانيا بشكل خاص ممن يسمون "بالإرهابيين المحليين"، أي شبان ألمان اعتنقوا الإسلام وتحولوا إلى "جهاديين"، على غرار إيرك برايننغر، أو التركي الأصل آدم يلماز، عضو "خلية زاورلاند" المتهمة بالتخطيط لهجمات إرهابية في ألمانيا.

الدراسات شخصت الكثير من الدوافع والاسباب لهذه المشكلة ب "صراع الهويات" مابين هوية الاجداد التي يمتد اليها وما بين الواقع الذي يعيشه والهوية الجديدة في اوربا. هذا يجعل الابناء يشعرون بالارباك كثيرا. بعض التلاميذ يجد في اجواء البيت اختلافا كبيرا عن جو المدرسة، بضمنها اللغة، وطريقة التعامل والتفكير. المسؤولية تشترك فيها العائلة ايضا. بعض العوائل نتيجة تخوفهم على ابنائهم يتخذ إجراءات صارمة ومتشددة ضد أبنائه تأتي بنتائج سلبية وعكسية تماما. وفي نفس الوقت تتحمل الحكومات ايضا المسؤولية بتأخر بعض الطلبة بالحصول على تحصيل علمي بسبب اعتمادها ميكانيكية قائمة على الفاصل العمري بين الطلبة بالتقدم في الدراسة والحصول على تحصيل علمي.

 هذه الميكانيكية تدفع التلاميذ الاجانب الى ان يكونوا وراء اقرانهم من الاوربيين بسبب حاجتهم الى تعلم اللغة التي لا تقل عن عام، وهذا ما يجعل ابناء الاجانب يشعرون بانهم متخلفين عن اقرانهم والتي تنعكس على حصولهم على فرص العمل وعلى حياتهم في المستقبل البعيد. هذا الإحساس بالهوية، حسب ماجاء بتقرير الدوتش فيلة، تستغله الحركات الإسلامية التي تحاول أن تخلق للشاب نقاطا تجعله "يشعر بالتميز في حياته كمسلم عن الإنسان الغربي، وقد يصل الأمر في حالات متطرفة إلى احتقار وتكفير هذا الغرب، وهذا الأمر لا يحتاج إلى إيمان عميق بقدر ما يحتاج إلى نقص في الشعور بالهوية، يحاول من خلاله تحقيق ذاته في مجتمع يراه مختلفا عنه ولا يقبل بسهولة أن يكون جزءا منه " المانيا اليوم تعاني مابين اليمين المتطرف والاسلام فوبيا. فهي مازالت تدفع بقضية خلية "الحركة السرية الاشتراكية القومية"، بينهم المتهمة "بيتا تسشيبه" المتورطة في كافة جرائم الخلية، والتي من بينها اغتيال تسعة رجال أعمال من أصل تركي ويوناني وشرطية ألمانية و خلية زاورلاند "الجهادية الاسلاموية" التي كانت تخطط الى استهداف امن المانيا 2007، انهت محكمة دوسلدورف القضية عام 2010 ـ 2011، وذلك بعد أن أصدرت حكمها القضائي. يأتي هذا الحكم في الوقت الذي يتزايد فيه القلق حول ظاهرة التطرف لدى عدد من الشباب في ألمانيا.

استطاعت احزاب اليمين المتطرف الصعود باعتمادها خطاب عنصري ضد الاجانب وخاصة من المسلمين وتحميل الاجانب مسؤولية تراجع القارة العجوز سياسيا واقتصاديا من اجل الحفاظ على الوحدة الاوربية، التي بدئت بعض الدول تدفع ثمن هذه الوحدة لتتحول الى عبء على اقتصاديات بعض الدول. بعض الحكومات والاحزاب لعبت على تصدير ازماتها للخارج من اجل الصعود الى الاتحاد الاوربي، احزاب اليمين المتطرف تمكنت ايضا من الوصول للسلطة ابرزها اليميني فيلدرز العنصري في هولندا. الحرب في سوريا والهجرة غير الشرعية كانا من ابرز عناوين المرشحين للبرلمان الاوربي. الفقراء من الاجانب والجاليات المسلمة هي من تدفع ثمن تقلص سياسات الانفاق في دول الاتحاد الاوربي مثل تقليص الانفاق الاجتماعي والتامين الصحي، مازالت اوربا تكابر من اجل مواجهة التفكك.

* باحث في قضايا الارهاب والاستخبار

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 31/آيار/2014 - 1/شعبان/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م