المدرسة العربية في بلاد الغربة

مقومات البقاء وحاجة الأبناء

كامل مصطفى الكاظمي

 

 على مدى عشرة أعوام مضت او أكثر كتبت العديد من المقالات والمناشدات، لازلت اتابع واناشد أبناء الجالية الكريمة للاهتمام بالتعليم الاسلامي والعربي وحث الأبناء وخاصة النشء اليافع. كما ناشدنا على صعد عراقية رسمية وشبه رسمية وشخصيات متمكنة مالياً ولازلت أتأمل فيمن يتقدم ليحقق للجالية أمنية ايجاد مدرسة عربية (الضرورة الملحة) التي باتت تهدد حتى أحلامناً وتحيكها كمعجزة كبرى او هيولا لا يمكن رؤيتها او تحقيقها.

 ولما كانت المدرسة مشروعاً لا نقول بإستحالة تحقيقه لكنه في الواقع لم يتحقق على مدى عشر سنوات تصرمت مع انه لم يحتج غير عزم المتمكن وإمكانيته المالية. لكن لازلنا نحتاج المؤسسة التعليمية التربوية.

 لقد افلحت الجاليات الموجودة في استراليا بإنشائها العديد من المدارس ولازال بحثهم قائما يفتشون ويهرعون لإقتناء أية مدرسة حكومية تعرض للبيع. لاتزال جهود الجاليات الاخرى دؤوبة في بناء وانشاء وشراء المزيد من المدارس ليختصوا بها في تعليم ابنائهم والحفاظ على هويتهم من التبدد في مجتمع الاغتراب.

 كتبت في هذا كثيراً وقال فيه غيري أكثر، وسعى بجدية فيه أناس مخلصون تعرفهم الجالية.. لكن:

 حان الوقت أن نكتب مجدداً ونتكلم ويذكر بعضنا الأخر لندرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الوالدين والاسرة العربية والمسلمة لإنقاذ مستقبل ابنائنا والاجيال من بعدهم.

 إن إهمال تربية ومتابعة الأبناء من قبل والديهم منذ سن مبكرة سيعكس سلبياته على الأسرة ذاتها اولا ومن ثم على المجتمع ككل. وكلّ ذلك مرده الى تلكؤ الدور العائلي في متابعة الابناء.

 يؤذينا ان نرى اطفالنا والنشء وجيل الشباب مدبرين عن التعليم يتسكعون لا هدف ولا مستقبل.

 فإن كنا شاعرين بما سيؤول اليه مستقبل أبنائنا خاصة الصغار منهم، يفترض بنا كآباء وامهات ان ندفع ونشجع وأن نساهم في رفدهم الى مدارسنا العربية الاثنية أيام عطلة الاسبوع، فانهم إن حرموا من مدرسة التعليم هذه التي تحفظ لهم وتتحمل الهمّ الأكبر وتتكفل تعليمهم لغتهم قراءة وكتابة وترسيخ موروثهم الديني الثر السليم، فسيصبحون في غير ما نأمل ان يكونوا.

 المدارس العربية الاثنية في بلد الغربة تتحمل جزءاً من مسؤولية تعليم اللغة الأم، ويبقى الجزء الأكبر تتحمله الاسرة. فالمعلمة والمعلم انما يعطيان الطالب درسه في ساعة محددة من يوم محدد في الاسبوع، ليعاودها الابن والأبنة في الاسبوع القابل.. وهي ساعات دراسية قليلة بالقياس الى ما يقضيه الابن الطالب من ساعات (فراغ) في البيت بعد انتهاء مدرسته الرسمية الاسترالية. ويمكن تخصيص نصف ساعة فقط يوميا بعد وقت المدرسة الرسمية الى قبيل وقت نوم الابن لمتابعة درسه وتعليمه الذي اخذه في المدرسة العربية الاثنية.

 يمكن ذلك عن طريق تشجيعه بالكلام الطيب المناسب وفهمه وبلوازم التشجيع المادية الاخرى ووعود التشجيع المتيسرة، وكلي يقين أن ذلك سيعطي ثماره عاجلا.. وسيسهل على المعلم والمعلمة مهمتهم في اعطاء المزيد من الدروس التعليمية والتربوية والدينية لمثل هذا الابن الذي تراقبه وتتابعه وتهتم بتعليمه أسرته وأبواه.

 انها مهمة شاقة وصعبة بالنسبة للمعلمة والمعلم دون مساعدة الاسرة لهما، لكن مهمة المساعدة سهلة بالنسبة للاب والام. لا تحتاج اكثر من نصف ساعة يوميا يعتاد فيها الابن في تكرار مطالعة درسه ومراجعة ما استحصل عليه من تعليمه في مدرسته العربية.

 ربما يخال للبعض أن هذه السطور مكررة غير مهمة، لكني اؤكد أن كثيراً من الابناء ممن هم في فجر ربيع عمرهم لا يقرأون ولا يكتبون اللغة العربية (تركوا) بعد ان سئموا من التعليم العربي والاسلامي. اؤكد ان من الاسباب الرئيسية عدم اهتمام ومتابعة وجدية اسرهم لهم، والا ما الفرق بين هؤلاء الذين تركوا المدرسة العربية وهم في عمر 6 الى 12 سنة وبين أقرانهم الذين استمروا متشوقين للدرس والمدرسة يتعلمون يوميا عن لغتهم ودينهم؟

 مجدداً لابد ان نتأمل ونستنهض في وجداننا أمنية الخير امام التزاماتنا الشرعية في الاهتمام بابنائنا وتشجيعهم بكل الوسائل على الاستمرار في المدرسة العربية لانها خطوة تساهم في تعبيد الطريق أمام مستقبلهم وفي تعليمهم لغة القرآن المجيد ومبادئ الدين والاخلاق. خاصة وان كل المعلمين والمعلمات هم من الأجلاء الملتزمين المتعهدين بخدمة ابنائنا يقضون طيلة نهار الاستراحة الاسبوعية لتعليمهم لقاء اجر بسيط لا يساوي اجر ساعة تعليمية في مدرسة حكومية رسمية.

 سنقطف ثمار تشجيعنا لابنائنا في حثهم على التعليم، وهو لا يحتاج غير كلمة المؤازرة والشد على كف من قام بالمدارس وكل ذلك سيكون في عينه تبارك وتعالى.

 يد بيد مع القائمين على مشاريع تربية وتعليم الابناء ومعا بالكلمة وبالدعم وبتشجيعهم.. ففي كل يوم من ايام اغترابنا نمر بإختبار يمحّص صدق نوايانا أمام مسؤوليتنا بشأن الاعتناء والاهتمام بتربية وتعليم أولادنا. فربما سيواجه الابناء يوما آباءهم المقصرين بحق تعليمهم لغة الاصل والدين.

 يومنا وظرفنا في بلاد المحنة عصيب جدا. وإن كنا نتصور ان الظرف ميسور لا يحتاج فيه الطفل والابن الى التعليم العربي والاسلامي فنحن واهمون ثم واهمون. فيومنا المشهود سيكون شاهدا على ما سيؤول اليه مستقبل الابن المحروم من المتابعة في التعليم. وهو ما حصل فعلا في تدمير كثير ممن إغترّ بسهولة العيش هنا وروافده المتيسرة. فمن نشأ وكبر معتاداً على البطر والكسل صار عالة على الآخرين. هذا غير ما يسببه من مآسي نعرف كلنا ماهياتها وتفاصيلها. ليس أقلها الخلل في التصرفات والسلوكيات.

 علينا كآباء مراعاة هذا الجانب والتفكير بجدية وان ندرك سلبيات العصر الحالي وطبيعة المحيط المبتلع لكل ما سوى ثقافته وارادته التي لا تهتم لثقافة المبدأ الذي نؤمن به والنهج الذي نريد ان يلتزمه أبناؤنا. هو مجتمع لا يبالي لمسألة الروابط الاسرية كما نحن نهتم.

 المحصلة إن نجاري ذلك فسينتج أبناء بلا عاطفة تجاه والديهم. ومعلوم ما سيحدث بعد إنعدام العاطفة.

* ملبورن-استراليا

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/آيار/2014 - 28/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م