واقع الحريات الإعلامية

في العالم العربي عام 2014

عزام أبو الحمام

 

 انعقد ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي بنسخته الثالثة في عمان عاصمة الأردن الذي نظمه مركز حماية وحرية الصحفيين يومي 10 و11 من أيار/مايو 2014 والذي اختتم أعماله بإصدار "إعلان عمان الثاني للمدافعين عن حرية الإعلام".

 "وتضمن الإعلان جملة من التوصيات والملاحظات التي نوقشت خلال الجلسات العامة والمغلقة للملتقى بحضور نحو 350 مشاركاً من إعلاميين وفنانين وخبراء قانونيين، ونشطاء حقوقيين ومؤسسات مجتمع مدني محلية وإقليمية ودولية، ومدونين وبرلمانيين وباحثين مهتمين بحماية الصحفيين وحرية الصحافة والدفاع عن حقوق الإنسان".

 و"خلص الإعلان إلى توصيات رفعت إلى الحكومات والمُشرعين وصُناع القرار والمؤسسات الإعلامية وممُارسي مهنة الإعلام والمجتمع المدني في العالم العربي، وتوصيات إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة كان أبرزها تمكين القضاء وبشكل مستقل في النظر كجهة وحيدة تملك الاختصاص فيما يُزعم من تجاوزات يرتكبها الإعلام والإعلاميون، إضافة إلى ضرورة النظر بمنع الإفلات من العقاب والتحقيق العاجل في جميع الانتهاكات المرتكبة ضد الإعلاميين ووسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، وإحالة مرتكبي الانتهاكات إلى المحاكم دون استثناء، وإزالة أية قيود إجرائية تمنع المتظلمين من رفع دعاوى ضد مرتكبي هذه الانتهاكات".

إن مجمل التوصيات التي رفعت إلى الجهات المعنية عربيا أو إلى مؤسسات المجتمع الدولي كانت في غاية الجدية والتوازن مما يثلج صدر كل مهتم بالحريات العامة والحريات الإعلامية على وجه الخصوص، لكن السؤال: كيف ومتى تتحقق بعض تلك التوصيات والمطالب والتطلعات؟ فيما لا يقيم أغلب الناس أي آمال على مثل هذه المؤتمرات وتوصياتها لأنها تظل حبيسة الأدراج أو حبيسة الورق الذي كتبت عليه كما اعتدنا على مثل هذه المؤتمرات.

انعقاد ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام جاء عشية إصدار منظمة فريدوم هاوس (Freedom House) لتقريرها السنوي حول حالة الحريات الإعلامية في (197) دولة حول العالم، وعكس التقرير الوضع السيء لحالة الحريات الإعلامية في معظم البلدان العربية باستثناء تونس التي تقدمت على هذا السلم قياسا للعام 2012 والسنوات السابقة.

وفيما يأتي بعضا من الحقائق التي كشف عنها ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام أو أكدتها الحوارات الغنية التي دامت على مدى بضعة أيام بين جلسات مغلقة وأخرى مفتوحة.

الحقيقة الأولى: إن الحوارات والبيانات التي تم استحضارها في الملتقى حول الحريات الإعلامية في دول العالم العربي تشكل صدمة للمهتمين، فمعظم الدول العربية مصنفة في المربعات التي لا يتاح فيها حرية الإعلام، وهي تتبوأ مراكز متأخرة على سلم يضم 197 دولة في العالم.

الحقيقة الثانية: تتمثل في ضعف ثقافة الحريات العامة، والحريات الإعلامية على وجه الخصوص، وترتبط هذه الظاهرة بضعف منسوب الثقافة الحقوقية على المستوى الوطني وعلى مستوى القانون الإنساني المتمثل في الشرعة الدولية وإعلان حقوق الإنسان العالمي. إن ظاهرة ضعف الثقافة القانونية والحقوقية تشمل الصحفيين والإعلاميين العاملين، وقد يعزى سبب ذلك إلى عوامل عديدة أهمها أن الحكومات لم تكن معنية بترويج ثقافة حقوق المواطن أو حقوق الإنسان، لذلك نادرا ما نجد هذه المواضيع في مساقات كليات الإعلام، ولا نجد لها حوارا في وسائل الإعلام العربية العامة منها والخاصة، فالثقافة التسطيحية والترفيهية لم تترك مجالا لذلك الهّم.

الحقيقة الثالثة: وتخص الإعلاميين على وجه التحديد، إذ إن إدراك بعض الإعلاميين لحقوقهم كمواطنين وكإعلاميين لا يعني أنهم مدركون لكيفية تحصيل تلك الحقوق، هذا يشير إلى عدة أمور مهمة منها: عدم وجود بنى تحتية (مؤسساتية) مستديمة قادرة على متابعة هذا الأمر تدريبا وتنويرا وتنفيذا.

الحقيقة الرابعة: تدلل تقارير الحريات الصحفية في الدول العربية، وكذلك الحوارات التي قدمت في ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام إلى أن صناع القرار في الدول العربية ما زالوا غير مقتنعين بأهمية الحريات كقاعدة لتحقيق التنمية الشاملة في مجتمعاتهم، بل إن أغلبهم يعتبر ذلك تحديا يجب مواجهته بالمناورة والتسويف إلى درجة التنكر له في أغلب الأحيان بحجج واهية منها حق الدولة في سن القوانين، مع أن أحدا لا يشكك في هذا الحق، لأن سن القوانين يجب أن يعتمد على تثبيت حقوق المواطنين أولا، وأهمها الحقوق المرتبطة بالحريات.

الحقيقة الخامسة: يعُد الإعلام الحرّ ركنا أساسيا من أركان الحاكمية الرشيدة والمساءلة وبالتالي ترسيخ الديمقراطية، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى ركائز أساسية، أهمها: الركن المتمثل في وجود قطاع معلومات نشط تهيأت له التشريعات والاستثمارات المناسبة المحصنة من الفساد والرشاوى، ثم تشريعات عادلة تتوافق مع القوانين والشرائع الدولية، وقضاء مستقل، ومؤسسات إعلامية مستقلة، ومهنيون مهرة تهيأت لهم فرض التعليم الجيد والتدريب المستمر المواكب لكل جديد وطارئ، وبيئة اقتصادية داعمة ضمن مفاهيم المسؤولية الأخلاقية ولاجتماعية للمؤسسات، ومنظمات مجتمع مدني تنطلق من حياة المجتمع وهمومه وتتمول منه بالدرجة الأولى.

إذا ما حققنا منسوبا بالحد الأدنى من تلك المتطلبات أو الأركان، فإن ثقافة الحريات ستسود ويتقبلها الجميع، وسيشعر بعوائدها كل مواطن، مثلما ستنعكس إيجاباً على الدولة ورفعتها وقوتها في زمن أصبحت فيه القوة لا تقاس بالجيوش والاقتصاد فحسب، بل تقاس بقدرة المجتمع وقدرة الدولة بأجهزتها ونظمها وقوانينها على الثبات في وجه رياح العولمة الاقتصادية والإعلامية بما تحمل من فرص إيجابية ومخاطر متنوعة. إن الإعلام الحر المستقل هو أكثر أجهزة الدولة والمجتمع قدرة على تحديد تلك الفرص والتنبيه لتلك المخاطر.

* باحث في الاتصال والإعلام-عمان/الأردن

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/آيار/2014 - 28/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م