اجندات غامضة.. صدام الأديان وتأجيج الصراعات

 

شبكة النبأ: الخلافات والصراعات الدينية في شتى بقاع الأرض، تفاقمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ولأسباب واعتبارات مختلفة، منها ما يرتبط بالقضايا السياسية وانعكاساتها السلبية التي أثرت على العديد من المجتمعات، يضاف الى ذلك التوجهات الفكرية المختلفة وخصوصا الفكر المتشدد، الذي يحمل رسالة خاصة ويتبنى توجهات معينة يحاول الدفاع عنها وتثبيتها بشتى الوسائل والسبل كما يقول بعض المراقبين.

حيث أكدوا هؤلاء المراقبين على وجود أطراف خارجية ودول أجنبية، تسعى وبشكل مستمر الى أثارت الفتن الطائفية وتعميق الخلافات المذهبية بواسطة أجندة خاصة، لأجل خلخلة البنى الاجتماعية والثقافية لهذه المجتمعات.

ويرى الخبراء في هذا الشأن ان ترسيخ هذه الخلافات وتعميقها سيتيح لتك الجهات والأطراف التدخل المباشر في شؤون بعض الدول تحت مسميات وحجج كثيرة تمكنها من بسط هيمنتها بشكل قانوني وشرعي وبالتالي تحقيق مصالحها الخاصة. ولعل ما يحصل في بعض الدول الإفريقية دليل واضح على ذلك.

الغرب والجماعات التكفيرية

وفي هذا السياق قال شيخ الأزهر، أحمد الطيب، إن الغرب يمارس "الاستعلاء" على الشرق، و"اخترع نظريات فاسدة" للسيطرة عليه، وبينها "صدام الحضارات" بالتزامن مع تقرير صادر عن دار الافتاء المصرية حول ظاهرة "الفكر التكفيري" اعتبرت فيه أن هذه الأفكار تستند إلى "صراع الحضارات" لبناء طروحات بينها قتال الأنظمة وعدم الاعتراف بالحدود. وقال الطيب، في مقابلة مع فضائية "الحياة" إن الغرب يمارس "الاستعلاء والإقصاء" تجاه الشرق، وقد اخترع ما وصفها بـ"النظريات الفاسدة" من أجل "السطو على خيرات الشرق،" وتابع بالقول: "مع أن ثورات الربيع العربي كان فيها الخير لبعض البلدان العربية، إلا أن بعضها كان يحمل مخططًا لتخريب وتقسيم لبعضها الآخر، والغرب اليوم يقدم لنا نظرية صراع الحضارات التي يقصد بها أن يظل الغرب في تربص وصدام مع الحضارة التي يقدمها الإسلام."

وأضاف الطيب أن الأمم غير الغربية "لها حضارات وقادرة - لو تركت لها الفرصة - على قيادة العالم بطريقة أعقل بكثير من قيادة الغرب للعالم،" مضيفا أن الحضارة الغربية تعيش ما في ظل ما وصفه بـ"الفقر المدقع والتصحر الأخلاقي والروحي والديني." ونفى الطيب أن يكون للأزهر دور سياسي، مضيفا أنه وقف "بجانب كل الثورات الشعبية التي جابهت الظلم" وكشف أنه "فكر كثيرا في الانسحاب من منصبه في عهد الإخوان، ولكن المصلحة الوطنية اقتضت استمراره في المنصب،" وأضاف أنه وقف إلى جانب "الإرادة الشعبية" في عزل الرئيس محمد مرسي "خوفا على البلاد من الدخول في حرب أهلية."

وفي أعقاب مواقف الطيب، أصدرت دار الإفتاء المصرية تقريرا تناول ما وصفه بـ"منهج الفكر التكفيري وأسسه التي يَبني عليها مقولاته" ورأى أن التغيرات التي شهدتها المنطقة خلال الثلاث سنوات الماضية وما رافقها من أحداث شهدتها سوريا والعراق "دفع ما أطلق عليهم بالجهاديين إلى الواجهة مرة أخرى، وأعاد أصحاب الفكر التكفيري إلى دائرة التأثير." واعتبر التقرير الصادر عن "مرصد فتاوى التكفير" التابع لدار الإفتاء، أن الفكر التكفيري "يؤسَسَ على نظرية صدام وصراع أصحاب الأديان والثقافات المختلفة بدلاً من الحوار والتعارف والتآلف الذي أمر به الإسلام". بحسب CNN.

 وحدد التقرير بعض معتقدات أصحاب من وصفهم بـ"الفكر المنحرف" وبينها أنهم "لا يعترفون بالحدود بين الدول الإسلامية، إذ يعتبرون أن العالم كله دولة واحدة تقام في ظل أممية إسلامية حسب زعمهم تعيد مجد الأمة وريادتها.. لذا يستبيح التكفيريون حدود الدول وأراضيها في مسعى منهم لإقامة إمارات إسلامية حسب تصورهم."

وأضاف التقرير أن الفكر المنحرف "يبيح الامتناع عن دفع الفواتير المستحقة للدولة.. كما يفتي بوجوب دفع الصائل ومقاتلة رجال الأمن بوصفهم حراساً للطائفة الممتنعة عن تطبيق الشريعة... ويعتبرون الديمقراطية كفرا، لأنها في نظرهم تشريع يضاهي تشريع الله، وتساوي بين المسلم والكافر والبر والفاجر." ولفت التقرير إلى تبدلات في "الفكر التكفيري" بحيث بات يدعو إلى "قتال العدو القريب" وهي الأنظمة السياسية القائمة، بعدما كان يقدم قتال "العدو البعيد" المتمثل بـ"اليهود والصليبيين."

الإسلام والمسيح

وفي هذا الشأن أفاد مصدر أمني أن اردنيًا مسيحيًا في محافظة عجلون شمال المملكة قتل ابنته اثر علمه بإعلانها إسلامها، ما ادى الى اعمال شغب لاحقًا، وسط خلاف حول دفنها في مقبرة مسيحية. وقال المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن "قرية خربة الوهادنة في محافظة عجلون (شمال) شهدت اعمال شغب اثر مقتل الطالبة العشرينية بتول حداد على يد والدها بعد 3 ايام على اعتناقها الاسلام. واوضح المصدر أن "والد الفتاة (السبعيني) خنقها وقام بضربها بحجر على رأسها وجسدها حتى تأكد من موتها بعد أن تناهى الى مسامعه خبر اعتناقها الاسلام". بحسب فرانس برس.

وقال شهود عيان إن "قوات الدرك فرقت عشرات المحتجين قرب كنيسة اللاتين في خربة الوهادنة كانوا يحتجون على دفن الفتاة في مقبرة العائلة المسيحية لرغبتهم بدفنها في مقبرة اسلامية". واضافوا أن "صلاة الغائب أقيمت على روح الفتاة في المسجد الكبير في القرية من قبل نفر من اهالي المنطقة تبعتها احداث شغب واعتداء على منازل أسر مسيحية، فيما قامت عائلة مسيحية بإطلاق النار في الهواء لإخافة المحتجين قبل تدخل الدرك".

وتقرر توقيف والد الفتاة على ذمة القضية فيما لاتزال التحقيقات جارية، بحسب المصدر الامني. ويشكل المسيحيون في الاردن، البلد المحافظ، ما تقارب نسبته 6% من عدد السكان البالغ نحو 6,8 ملايين نسمة، فيما الغالبية العظمى من السكان هم من المسلمين السنة.

من جانب آخر أعربت فرنسا عن "إدانتها" لحكم الإعدام الذي أصدرته محكمة في الخرطوم بحق شابة سودانية بعد إدانتها بالردة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومين نادال أن "هذا القرار الذي يصدم يثير مشاعر مشروعة لدى المجتمع الدولي". وأضاف أن "فرنسا تدعو السلطات السودانية إلى ضمان حرية الديانة أو المعتقد، وهي مبدأ أساسي منصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي صادق عليه السودان". وجدد المتحدث التأكيد على "الالتزام الحازم والدائم (لباريس) ضد عقوبة الإعدام في أي مكان وزمان".

وحكمت محكمة في الخرطوم على مريم إسحق (27 عاما) المولودة لأب مسلم وأم مسيحية بالإعدام شنقا بعد إدانتها بتهمة الردة. وقال القاضي عباس محمد الخليفة مخاطبا المحكوم عليها التي كانت محجبة وترتدي فستانا سودانيا تقليديا "بعد أن أعطيناك ثلاثة أيام للاستتابة ما زلت تصرين على عدم الرجوع للإسلام. نحكم عليك بالإعدام شنقا حدا".

كما حكم القاضي عباس على المرأة المتزوجة من مسيحي بمائة جلدة بعد إدانتها بممارسة "الزنا" وفق قوانين الشريعة الإسلامية التي يطبقها السودان منذ 1983 والتي لا تسمح للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم أو إقامة أي علاقة معه. وهي المرة الأولى التي يصدر فيها حكما كهذا. ومريم يحيى إبراهيم إسحق حامل في شهرها الثامن ومتزوجة من مسيحي يحمل جنسية دولة جنوب السودان التي استقلت عن السودان عام 2011. وردت مريم على سؤال القاضي بالقول "أنا مسيحية، ولم ارتد".

وأعربت منظمة العفو الدولية عن صدمتها لهذا الحكم وطالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عن المرأة الشابة "الحامل في شهرها الثامن والمعتقلة مع ابنها البالغ من العمر 20 شهرا". وفي حال تنفيذ حكم الإعدام ستكون هذه أول إدانة بموجب القانون الجزائي لعام 1991، بحسب ما أفادت مجموعة "التضامن المسيحي عبر العالم" للدفاع عن الحريات الدينية.

وعبرت سفارات غربية في بيان مشترك عن قلقها العميق على الشابة السودانية. وقالت سفارات الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وهولندا في البيان "نناشد حكومة السودان باحترام حرية المعتقد بما في ذلك حرية تغيير المعتقد الحق المكفول وفقا لدستور السودان الانتقالي في 2005 والقانون الدولي لحقوق الإنسان". وطلبت السفارات من السلطات القضائية السودان للتعامل مع حالة مريم "بعدل ورحمة". من جهتها قالت منظمة العفو الدولية أن مريم إسحق نشأت مع أم مسيحية أرثوذكسية في غياب والدها المسلم.

واكد مهند مصطفى محامي المرأة السودانية ان هيئة الدفاع ستواصل استئناف الحكم حتى اعلى محكمة. وقال "سنستأنف الحكم لمحكمة الاستئناف ومن ثم المحكمة العليا وحتى المحكمة الدستورية ان كان الامر ضروريا لاننا نؤمن بان المادة الخاصة بالردة في القانون السوداني تخالف الدستور". وقالت الباحثة منار ادريس "في الحقيقة المرأة حكم عليها بسبب خياراتها الدينية والحكم عليها بالجلد للزواج من رجل ينتمي لدين اخر هذا امر مروع وبغيض".

وقال وزير الاعلام السوداني احمد بلال "ليس في السودان وحده ولكن في المملكة العربية السعودية وكل البلاد الاسلامية لا يسمح للشخص بتغيير ديانته". واكدت منظمة التضامن الدولي المسيحي ومقرها بريطانيا وتعنى بحرية التدين ان حالة مريم هي واحدة من سلسة من الحالات العديدة في السودان. وقالت المنظمة ان عمليات الترحيل القسري للمسيحيين ومصادرة وتدمير ممتلكات الكنيسة زادت منذ كانون الاول/ديسمبر 2012 . لكن وزير الاعلام السوداني ينفي وجود اي اضطهاد للمسيحيين. وقال "نحن نعيش معا منذ قرون والترحيل فقط للناشطين في تحويل الناس عن دينهم وهدم المباني بغرض ترسيمها". واضاف "اذا كان هناك بناء تم دون ترخيص سيتم هدمه وحتى المساجد لا تبنى دون ترخيص".

مزيد من الضغوط

 في السياق ذاته دعا أعضاء من مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين أغلبهم من الحزب الديمقراطي، إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية على سلطنة بروناي للتصدي لـ "انتهاكات" تمس حقوق الإنسان عقب تطبيقها أحكام الشريعة الإسلامية. وتطبق سلطنة بروناي بشكل تدريجي قوانين توقع غرامات أو تعاقب بالسجن من يرتكب جرائم منها الحمل خارج رباط الزواج أو عدم تأدية صلاة الجمعة. وتسعى السلطنة الواقعة في شرق آسيا إلى تطبيق "حدي" الزنا واللواط. بحسب فرانس برس.

والولايات المتحدة وبروناي هما أعضاء في اتفاق تجاري يضم 12 دولة تحت اسم الشراكة في منطقة المحيط الهادي يسعى لوضع معايير مشتركة لقضايا واسعة النطاق من العمالة إلى الملكية الفكرية وخفض الجمارك على السلع التجارية. ويوزع النائب الديمقراطي مارك بوكان مسودة رسالة في مقر الكونغرس بكابيتول هيل يقول مكتبه أن 20 نائبا آخر وعدوا بتوقيعها غالبيتهم نواب ديمقراطيون. وستظل الرسالة مطروحة ليوقع عليها النواب المؤيدون حتى منتصف يونيو/حزيران.

وجاء في المسودة "على الولايات المتحدة أن توضح أنها لن تقبل مثل هذه الانتهاكات." والرسالة موجهة إلى وزير الخارجية الأمريكية جون كيري والممثل التجاري الأمريكي مايكل فرومان وتقول إنه على الولايات المتحدة أن تستخدم وضعها كأكبر اقتصاد في العالم للتصدي لهذه الانتهاكات والسياسات التمييزية.

وجاء في المسودة "نحثكم على الإصرار على معالجة بروناي لانتهاكات حقوق الإنسان هذه كشرط لاشتراك الولايات المتحدة معها في أي مفاوضات أخرى خاصة بالشراكة في منطقة المحيط الهادي." وكانت بروناي قد طرحت قوانينها الجديدة منذ أسابيع. واعتبرت الدبلوماسية الأمريكية نينا هاشيجيان خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ لتثبيت تعيينها سفيرة للولايات المتحدة في منظمة اسيان أن تطبيق الشريعة الإسلامية في سلطنة بروناي جنوب شرق أسيا "انتهاكا للقانون الدولي".

هجمات واعتداءات

الى جانب ذلك خربت مجموعة من قراصنة الإنترنت موقع الكنيسة الأرثوذكسية في بلغاريا متهمة الكنيسة بالتقصير في إدانة هجوم إستهدف أحد المساجد وأبرز حالة الغليان الطائفي في أفقر دولة في الإتحاد الأوروبي. ولفترة وجيزة إستبدلت المجموعة التي تطلق على نفسها إسم "القوى القومية" باللغة التركية الصفحة الرئيسية للموقع بصورة العلم التركي مع رسالة تشدد على أنه سيتم حماية الأقلية المسلمة في البلاد. وتعود أصول الكثير من المسلمين في بلغاريا إلى تركيا المجاورة.

ويأتي الهجوم الإلكتروني بعد أشهر على قيام حشود بإلقاء حجارة ومفرقعات على مسجد في مدينة بلوفديف وسط صعود للقوى القومية واليمينية المتشددة. وقال البيان الذي إستبدل به القراصنة الصفحة الرئيسية للكنيسة الأرثوذكسية "على من دبر الهجوم على المسجد أن يعرف أن الأقلية التركية المسلمة ليست عاجزة عن حماية نفسها وأن هناك قوى تراقب ما يجري ومستعدة للدفاع عنها". بحسب رويترز.

ويعتنق غالبية مواطني بلغاريا المذهب الأرثوذكسي المسيحي في حين يشكل المسلمون حوالي 12 في المئة من السكان وفقا للإحصاءات. وأدت التقارير عن إرتفاع حاد في عدد طالبي اللجوء إلى الدولة الواقعة في منطقة البلقان ومعظمهم من سوريا إلى إستفزاز مشاعر الجماعات اليمينية المتشددة التي نظمت عدة مظاهرات مناهضة لسياسة الهجرة كما أدت الى زيادة عدد الهجمات العنصرية في الأشهر القليلة الماضية.

وصرح متحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية البلغارية بأنه تم الإتصال بمفتي المسلمين في البلاد الذي إستنكر بدوره عملية القرصنة التي حدثت لموقع الكنيسة. وقال "علينا ألا نسمح لمثل هذه الأعمال بأن تخرب العلاقات الجيدة بين الكنيسة الأرثوذكسية والمفتي وأيضا بين أتباع الديانتين".

على صعيد متصل قال متحدث باسم الطائفة الأحمدية في باكستان إن مراهقا دخل مركز شرطة وأطلق الرصاص على رجل (65 عاما) من الطائفة المتهمة بالتجديف فأرداه قتيلا. وهذه ثاني جريمة قتل تتصل بقوانين التجديف المثيرة للجدل خلال أسابيع. وقال نشطاء مدافعون عن حقوق الإنسان إن الهجوم فضلا عن زيادة عدد القضايا المرتبطة بالتجديف في باكستان يدل على عدم التسامح المتزايد في هذا البلد الذي يشكل السنة غالبية سكانه البالغ عددهم 180 مليون نسمة.

وينتمي القتيل ويدعى خليل أحمد للطائفة الأحمدية التي تقول إنها طائفة مسلمة لكن الدولة الباكستانية لا تعترف بمعتقداتها الدينية. وقال سليم الدين المتحدث باسم الطائفة إن أحمد وثلاثة آخرين من الطائفة طلبوا من صاحب متجر في بلدة بوسط باكستان إزالة ملصقات تحريضية تندد بطائفتهم. وردا على ذلك قدم صاحب المتجر بلاغا يتهم الأربعة بالتجديف. وقال المتحدث إن أحمد وهو أب لأربعة كان محتجزا لدى الشرطة عندما دخل المراهق وطلب رؤيته ثم أرداه قتيلا. وأضاف أن الشرطة أبلغته بأن القاتل طالب ثانوي وإنه اعتقل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آيار/2014 - 27/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م