الشمولية.. من قاموس الإمام الشيرازي

إعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في العشرينات من القرن الماضي، وصف موسوليني الدولة الفاشية بانها تمثل الكل، من خلال عبارته الشهيرة (إن الكل داخل الدولة ولا أحد خارج الدولة ولا أحد ضد الدولة).

وعلى مستوى الكتابات والابحاث السياسية، يعتبر كارل فريدريك أول كاتب كان له السبق في تحديد المعالم الكبرى للشمولية، حيث يرى أن الأنظمة الشمولية لها أربعة خصائص:

1- إيديولوجية رسمية يفرضها النظام على المجتمع ويقدم مصدر الشرعية والحكم.

2- هناك حزب واحد تحت سيادة زعيم كاريزمي عادة.

3- هناك نظام بوليسي متضخم يهدف إلى فرض إيديولوجيته والسيطرة والرقابة على المجتمع.

4- وجود نسق من الاحتكارات تشمل ثلاثة احتكارات أساسية وهي: (احتكار وسائل الإعلام تحت إشراف الحكومة -احتكار السلاح والقوة- إدارة مركزية لتسيير الاقتصاد والمنظمات الاقتصادية والاجتماعية).

يعود الفضل في تطوير المفهوم الى الفيلسوفة الالمانية (حنا ارندت) حين نشرت في العام 1951 كتابها الشهير (جذور التوتاليتارية) وقدمت من خلاله تحليلا تاريخيا وسياسيا لمفهوم «السلطة الشمولية» المستندة إلى القمع من أجل البقاء في الحكم، ونزع الإنسانية عن الدولة والمجتمع وتحويل المواطنات والمواطنين إلى حشود جماهيرية تؤيد القمع (بل وتعجب به) أو توافق عليه في صمت، وتعاقب المعارضين واغتيالهم معنويا وتسفيه مبادئهم وأفكارهم ودفاعهم عن الحقوق والحريات.

ورأت أرندت أن السلطة الشمولية، تسعى إلى السيطرة على عمليات صياغة الوعى العام وبناء الرأي بين المواطنات والمواطنين المتحولين إلى حشود جماهيرية عبر احتكار المعلومة والترويج «للحقيقة الواحدة» وتوظيف الأجهزة الإعلامية والدعائية لنشر مقولات إيديولوجية (العنصرية والعداء للسامية لدى النازيين والماركسية اللينينية فى الحقبة الستالينية) وخطاب «خطر المتآمرين» (من أعداء الجنس الآري إلى أعداء التقدم والعلم والمساواة من إمبرياليين وطبقات رأسمالية) بهدف فرض «التوحد خلف القائد» و«الخوف من كسر الإجماع الوطني» كحالة مجتمعية عامة جوهرها زائف إلا أنها قادرة على تمرير وتبرير كافة سياسات وممارسات السلطة الشمولية.

يتحول الفرد في الدولة الشمولية إلى رقم أو عدد داخل الحشد أو المجموعة، إنه ليس أكثر من ممثل لنوعه مثله مثل بقية المخلوقات، حيث يتحدد بشكل خاص بأنه خالٍ وفارغ من كل معنى سياسي، وذلك أن الشمولية بعكس ما تدعيه تعتمد على الرعاع والحشد وليس على الجماهير والمواطنين، من هنا فإن طبيعتها تتمثل في رفضها للعمل السياسي وهي تعمد إلى تذرير المجتمع، وإلى المحو التدريجي للرأي العام أو الحس العام أو كما تقول حنة أرندت «محو للوعي بالعيش مع الآخرين في فضاء مشترك.

وما يميز الشمولية هو اعتمادها على الرعاع وقدرتها على الشر «لقد كان النازيون مقتنعين بأن الشر يُمارس في عصرنا قوة جذب مرضية، وتلك نقطة تشاركهم فيها الدعاية الشيوعية في روسيا والخارج، إذ تقوم على تأكيد أن البلاشفة لا يعترفون بالمعايير الأخلاقية المعتمدة.

تكمن العلاقة الفارقة للنظام الشمولي في أن الرعب والإرهاب يستخدمان ليس فقط كأدوات لتخويف الأعداد، والمعارضين الفعليين، أو المتخيلين، والقضاء عليهم، وإنما كأدوات اعتيادية وواسعة الاستخدام لقيادة الجماهير. ولتحقيق هذا الهدف يغذى دائماً، ويعاد إنتاج مناخ الحرب الأهلية.

يعمم الإرهاب دون أي سبب واضح، أو استفزاز مسبق، وتكون ضحاياه من غير المذنبين إطلاقاً، حتى من وجهة نظر أولئك الذين ينفذون الإرهاب. هذا ما كان عليه الحال في ألمانيا النازية عندما أنطلق الإرهاب ضد اليهود، أي الناس الذين توحدهم صفات إثنوعرقية عامة بصرف النظر عن سلوكهم.

في العام 1923 وضع جيوفاني أمندولا مفهوم "الاستبداد" كـ "مجموع" للسلطة السياسية من قبل الدولة الذي وصف الفاشية الإيطالية كنظام تختلف اختلافا جوهريا عن الأنظمة الديكتاتورية التقليدية. في وقت لاحق تم تعيين هذا المصطلح كمعنى إيجابي في كتابات جيوفاني جينتل.

استعمل مصطلح "totalitario" للإشارة إلى بنية وأهداف الدولة الجديدة. كانت الدولة الجديدة تتجه لتوفير "التمثيل الكلي للأمة والتوجيه لمجموع الأهداف الوطنية". ووصف الاستبداد باعتباره أيديولوجية الدولة للتأثير على المجتمع، إن لم يكن السلطة الكلية، على معظم مواطنيها. ووفقا لـ بنيتو موسوليني، هذا النظام يسيس كل شيء الروحية والبشرية: (كل شيء داخل الدولة، لا شيء خارج الدولة، لا شيء ضد الدولة).

في تناوله للدكتاتورية والشمولية، يطرح المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) تساؤلا رئيسيا وهو: كيف يأتي الدكتاتور؟ ويجمل ذلك في عدة اسباب: (أنه يأتي بسبب جهل الأمة)، ويقسم (قدس سره الجهل الى نوعين:

جهل سلبي له علاقة بوعي المشاكل التي يعاني المسلمون منها، وهم يتصورون انها نابعة من عدد فهم الاشياء وليست من طبيعة ونظام الحكم، وجهل ايجابي، وهو الاسوأ حسب الامام الراحل، لأنه جهل مركب وهو أن يتصوروا أن من (الدين) الإبقاء على هذا النحو من الحكم، او هو جهل نابع من ظاهرة (القدرية) من خلال التصور أن قدر المسلمين البقاء في ذيل القافلة والتخلف إلى ما شاء الله.

وغير الجهل بنوعيه، هناك جملة من التصورات والاسباب الباعثة على مجيء الدكتاتور، وهي: التصور أن مشكلة البلاد الإسلامية هي التمسك بمبدأ القومية، او أن المشكلة نشأت من التمسك بمبدأ الحدود الجغرافية. او أن المشكلة تكمن في عدم نظام صحيح للتربية، او أن المشكلة في عدم إدراك الناس روح التراث الإسلامي، او أن المشكلة في الفرد المسلم نفسه، او أن المشكلة هي عبارة عن توسع جهاز الحكم.

كل تلك الاسباب والتصورات يمكن ان تعد ركائز اساسية للدكتاتورية والاستبداد والشمولية لدى انظمة الحكم التي عانى منها المسلمون، كما يشرح الامام الشيرازي، لكنه عند طرحه لسؤال اخر هو: (كيف يتمكن النظام المستبد أن يترعرع ويشب ويعيش ويصل إلى الحكم، ثم كيف يتمكن من البقاء على الحكم لفترات طويلة؟).

في اجابته لهذا السؤال، ورغم تأكيد الامام الراحل على الجهل، كسبب رئيسي، لإن الاستبداد إنما ينمو ويترعرع ويعيش ويقفز على الحكم ويبقى بسبب جهل الناس ولذا يصر الاستبداد دائماً على سياسة التجهيل، ويغلق نوافذ المعرفة على الناس بألف وسيلة ووسيلة). الا انه في تحليله يذهب الى ابعد من ذلك، في استكشاف السبب الرئيسي والمشكلة الكبرى، وهي (تمركز القدرة في أيدي جماعة قليلة تنتهي آخيرا إلى فرد واحد)، والحل عند الامام الشيرازي هو توزيع القدرة التي لو تمكن من القيام بها المسلمون فلا بد وأن يظهر الإسلام الذي فيه حل كل المشاكل الاقتصادية والسياسية والتربوية والاجتماعية وغيرها.

ماهي مقومات بقاء الدكتاتور؟

يجملها الامام الراحل في:

تقديس الحكام

إبادة المعارضة

الحرب

طبيعة الجهاز الدكتاتوري

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آيار/2014 - 27/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م