خديعة الفكر "الجهادي"

ازدواجية الجهاديين وعلاقاتهم بوكالات الاستخبارات

جاسم محمد

 

أدانت هيئة محلفين في نيويورك يوم 19 مايو 2014 البريطاني المصري الاصل ابو حمزة المصري باحتجاز رهائن وممارسة الارهاب. ويواجه الامام السابق لمسجد "فينزبوري" بارك في لندن والذي تولى الدفاع عن نفسه خلال محاكمته، عقوبة السجن مدى الحياة وسيصدر الحكم بحقه لاحقا. واتهم بالتآمر واحتجاز رهائن لمساعدة خاطفي السياح الغربيين الـ16 في اليمن في 1998. وقتل اربعة من هؤلاء خلال عملية للقوات اليمنية بهدف الافراج عنهم. واعتقل ابو حمزة في 2004 بناء على طلب السلطات الاميركية. وبعد سجنه سبعة اعوام في بريطانيا بتهمة التشجيع على القتل والكره العنصري، سلم للولايات المتحدة في اكتوبر2012. جهة الدفاع ذكرت أن أبو حمزة قد عمل سرا مع جهاز الاستخبارات البريطاني MI، وهذا ما يتكرر قوله دائماً عن تعاون قادة تنظيم القاعدة الذين عملوا مع أجهزة الاستخبارات العالمية.

وذكرت صحيفه ديير شبيغل الألمانية في احدى تقاريرها بان وكاله المخابرات المركزية طلبت تعاون ال B.N.D المخابرات الخارجية الألمانية للتعاون معها في تجنيد نزلاء في السجون الألمانية لزرعهم داخل تنظيم القاعدة لكن اعتراض المحكمة الدستورية الألمانية مانعت ذلك لكن لم يمنع الوكالة المركزية من استخدام التوريط في تجنيد عملاء لزرعهم داخل التنظيم من خلال التعاون الاستخباري مع حلفائها.

ابو انس الليبي

ان توقيت اعتقال أبو أنس الليبي داخل الاراضي الليبية في اكتوبر 2013 من قبل القوات الخاصة الاميركية تثير الكثير من الشكوك. سبق ان اعتقل في افغانستان عام 2002، من قبل القوات الأميركية، فضلاً عن أن المخابرات البريطانية MI6 جندته للاشتراك بعملية اغتيال فاشلة للزعيم الليبي معمر القذافي عام 1996 كما وافقت بريطانيا على منحه حق اللجوء السياسي على أراضيها عام 1999" ـ 2000. التقارير كشفت عن تعاون الاستخبارات المركزية مع ابو انس الليبي لإدامة العلاقة مع جماعة الاخوان المسلمين المحظورة في مصر خلال صعودهم للسلطة 2012 ت 2013، لكن موازين العمل تغيرت بعد تنفيذ الحكومة الانتقالية في مصر خارطة الطريق واعتراف واشنطن بحكومة مصر، تم اعتقال ابو انس لكي لا يكشف تفاصيل علاقة الاخوان بالاستخبارات المركزية.

 أبو مصعب الجزائري

هو أحد قادة "جيش المهاجرين والأنصار" الذي ربطته علاقات وثيقة بالاستخبارات التركية، وقبض عليه أمنيو جيش المهاجرين والأنصار بعد خروجه من اجتماع مع عدد من الضباط الأتراك، واتهمه المفتي العام للمهاجرين والأنصار راكان الرميحي، في بيان رسمي، أنه مُخْتَرق من قبل الاستخبارات التركية.

ان وجود ومرور شبكات "الجهاديين" عبر الاراضي التركية يجعلها ترشح العديد من قياداتها الى التجنيد والعمل لصالحها.

القاعدة والإستخبارات علاقات متبادلة

لقد استفادت القاعدة من تداخل العلاقة بينها وبين الاستخبارات المركزية منذ حربها في أفغانستان عام 1989. يشار ان الاستخبارات الغربية والعربية تستهدف الجهاديين من تحقيق اختراقات داخل التنظيم بهدف تغيير مسارات تلك التنظيمات والحصول على المعلومات من داخل التنظيمات. وكانت علاقة بن لادن بالإدارة الاميركية مباشرة. وكانت البداية هي تعامل وكالة الاستخبارات المركزية في اعقاب حرب طلبان ضد الاتحاد السوفياتي السابق 1989 لتغيير مسار القاعدة، هذا التغيير اتضح اكثر في القاعدة ما بعد عام 2005 واحداث قطارات لندن. كذلك ارتبطت طالبان افغانستان بعلاقات قوية مع الاستخبارات الباكستانية، رغم ان الباكستانية مرتبطة في علاقات تعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية. كان للاستخبارات الباكستانية دورا كبيرا في اختراق طالبان افغانستان من خلال تجنيد قياداتها وتغيير مساراتهم والحصول على المعلومات التي كانت بدورها يتم تعبيرها الى وكالة الاستخبارات المركزية مقابل الحصول على الدعم.

عبد الحكيم بلحاج

هو قائد "المجلس العسكري للثوار" في طرابلس، الذي ظهر كقائد لعملية تحرير العاصمة الليبية في اوكست2011 في موقعة باب العزيزية بعد ان كان أميرا للجماعة الإسلامية المقاتلة، التي كانت توصف بأنها متطرفة. وبلحاج قاتل في أفغانستان عام 1988 وتنقل بين الباكستان وتركيا والسودان. وسبق ان اعتقل في أفغانستان وماليزيا سنة 2004، وحققت معه الاستخبارات الأميركية في تايلاند قبل أن تسلمه لليبيا في العام نفسه، ثم أطلق سراحه في ليبيا سنة 2008. التقارير كشفت بان بلجاج موجود في تركيا بعد اعلان الجيش الليبي يوم 17 مايو 2014 تجميد عمل المؤتمر الوطني العام واعلان حكومة تسيير اعمال. وشهدت " ثورات الربيع العربي" الكثير من قيادات القاعدة والمطلوبين على قوائم الارهاب، وهذا يعني انه تم اطلاق سراح اعداد من قيادات ومقاتلي القاعدة لدعم الولايات المتحدة والناتو في "الثورات العربية".

علاقة القاعدة بالنظام السوري

دعم النظام السوري تنظيم القاعدة في العراق بعد عام 2003 وكان يدير عملية استقبال المقاتلين من مختلف الدول لإعادة تصديرهم الى العراق، وكانت هذه المجموعات تخضع التدريبات في معسكرات اللاذقية باشراف النظام. ان الكثير من تنظيم جند الشام والمتورطين في مواجهات نهر البارد كانوا على علاقة بالنظام، ويدير النظام بعض مشايخهم، ليحول الاسد القاعدة ورقة ضغط ضد سياسة الولايات المتحدة في العراق. النظام كان يسيطر على قيادات ومقاتلي القاعدة في سوريا ومنها "جند الشام" بزجهم في المعتقلات بعد الضغوطات الاميركية على بشار عام 2005 ـ 2005 لسحب يده من دعم الارهاب في العراق. وبعد اندلاع "الثورة" السورية عام 2011، افرج الاسد عن معتقلي القاعدة عام 2012ـ 2013 ابرزهم احد منظري فكر القاعدة ابو مصعب السوري. الهدف هو تغيير مسارات التنظيمات الجهادية وان يكونوا مصادر معلومات داخل التنظيمات القاعدية.. وكشفت الخلافات مابين الظواهري و"داعش" والسجال مع العدناني المتحدث باسم "داعش" تفاصيل عن علاقة القاعدة بالاستخبارات والحكومة الايرانية.

علاقات اسرائيل "بالجهاديين"

تنتشر التنظيمات "لجهادية" في الجولان وكذلك في سيناء خلال حكم الاخوان 2012ـ 2013 في مصر، لكن اسرائيل لا ترى ذلك يمثل تهديدا الى امنها. فهي استطاعت التعامل مع هذه المجموعات مثلما تعايشت سابقا مع التنظيمات الاسلاموية منها حزب الله في لبنان وحماس في غزة. تل ابيب تمتلك الخبرة من خلال استخباراتها للتعامل مع "ألجهاديين" من خلال اختراق هذه التنظيمات والحصول على تفاصيل نشاطها والدخول بتعاون وتنسيق معها لإضعاف او اسقاط نظام الاسد.

إن الكشف عن علاقة ابو حمزة المصري بتعاونه مع الاستخبارات البريطانية، يعكس بأن "الفكر الجهادي والجهاد" هو خدعة، يتستر تحته قيادات وزعامات هذه التنظيمات من اجل الزعامة والغنائم.

ففي الوقت التي تكفر هذه الجماعات الغرب فهي تعيش على مساعداتها! مستغلة مساحة الحرية التي يمنحها الغرب لهذه الجماعات. هذه العلاقة تعكس حجم التناقض والازدواجية في فكر وخطاب هذه الجماعات، التي اصبح بقائها مستمرا مع مطاولة الفوضى الجهادية في المنطقة. الازمة في سوريا كشفت عن خديعة الجهاديين واختلافاتهم، خاصة بعد الخلافات مابين داعش والظواهري 2013 ـ 2014، بعد ان كانت خطوط حمر تتكتم عليها التنظيمات في سبيل توحيد "عولمة الجهاد" وهذا يعني ان تأثير فتاوى هذه الجماعات سوف تشهد انحسارا وتقلصا في اعقاب ذلك. سياسات بعض الاطراف الدولية والاقليمية ابرزها المملكة العربية السعودية قوضت الكثير من قوة وتوسع هذه التنظيمات وهي في مجالها للتقلص في ضؤء الاتفاقات الاقليمية ومساعي اجهزة إستخبارات بعض الدول الاوربية والاقليمية لاحتواء تدفق المقاتلين الى سوريا. بريطانيا والغرب اتخذ خطوات جادة لتقليص وجود الاسلامويين على اراضيه بعد ان اكتشفت ان الازمة السورية تحولت الى تهديد مباشر الى امنها القومي.

* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبار

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آيار/2014 - 27/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م