الشباب وثقافة الاحتكار

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: نقصد بثقافة الاحتكار، تلك الظاهرة التي تقوم بعض القيادات الثقافية من خلالها بتوظيف الثقافة، وفعالياتها، ومهرجاناتها، وندواتها، لصالح أنفار أو شلل، يقودون الثقافة بما يتماشى ومصالحهم ومنافعهم، لذلك نلاحظ نوعا من الاحتكار يمارسه بعض هؤلاء القادة ومن يلتفّ حولهم، ممن اعتادوا مسح الاكتاف وأتقنوا التملق، من أجل الحصول على الفتات، فيما يبقى الشباب في حالة من الاقصاء والعزلة التي لا تسمح لهم بتفعيل مواهبهم، أو طرح قدراتهم المتنوعة في مجالات الثقافة، بما يصب في صالح الشباب والمجتمع!.

إن ظاهرة سيطرة (الكبار) على المؤسسات الثقافية، تشكل ظاهرة تعويق واضحة للثقافة، خاصة أن المساوئ التي تلحق بالمبدعين الشباب كثيرة، علما أن المنجز المتحقق للثقافة والفنون وما شابه، يأتي عبر نشاطات وابداعات الشباب كما أثبتت الوقائع، أما أولئك المتشبثون والمتمسكون بكراسيهم ومناصبهم في بعض المنظمات الثقافية وفروعها، فإنهم في حقيقة الامر لا يقدمون منجزا معينا او واضحا للثقافة كما يفعل الشباب.

وحتى لا يُطلَق الكلام جزافا، فإن معظم الجوائز المهمة في الادب والفنون تأتي عبر ما ينتجه الشباب من ابداعات متنوعة، وليس عن طريق (الديناصورات) التي لا تعرف من الثقافة سوى امتيازات المنصب، كالايفادات الخارجية، وعقد الصفقات لاقامة هذه الانشطة اوتلك، فضلا عن التبجح بوجاهة المنصب، لأن هذا البعض من القادة، يعرف أنه ليس مبدعا بدليل ضآلة منجزه، لذلك يحاول هؤلاء التعويض عن هذا النقص الابداعي الخطير الذي يعانون منه، من خلال التشبث بالمنصب، حتى أن أحدهم أطلق جملة شهيرة تناقلها الوسط الثقافي، عندما أعلن أمام الملأ (إنه إذا خرج من منصبه سوف يموت!!)، الى هذه الدرجة يستميت هؤلاء من اجل البقاء في المنصب، لانه بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت!.

وما يزيد الامر تعقيدا، أن هذه الظاهرة، تعود بالضرر الكبير على الشباب، كونهم يحرمون من فرص التطور، لأن الاحتكار الذي يمارسه الكبار، يُسهم في إقصاء الشباب، وتدمير مواهبهم، بسبب أطواق العزلة التي تُفرض عليهم، بالاضافة الى قلّة الفرص المتاحة لهم من إجل إثبات ذواتهم، لذلك نلاحظ أن معظم الشباب في الادب والثقافة، يحاولون اثبات أنفسهم في ميادين الابداع الخارجية، كما حصل مثلا مع الكاتب الشاب أحمد سعداوي الذي حقق للثقافة العراقية، أعلى وأهم جائزة ثقافية على مستوى الوطن العربي، عندما فازت روايته (فرانكشتايبن في بغداد) بجائزة البوكر بنسختها العربية لسنة 2014، من بين أكثر من 150 رواية تم ترشيحها للمنافسة على الجائزة.

ينطبق هذا الامر على فن صناعة الافلام الروائية والقصيرة منها ايضا، إذ لا يزال عدد من الشباب الموهوبين في مجال فن الاخراج، والكتابة التلفزيونية والسينمائية، يحصدون جوائز مهمة في المهرجانات والمسابقات التي تقام في مناسبات عديدة ومهرجانات مهمة، لذا فإن هذه الانجازات الشبابية تدل على حيوية وتميّز لهم، وتؤكد فاعلية المواهب والطاقات الابداعية المتنوعة للشباب، وهي محاولات لفك العزلة عنهم، واثبات قدراتهم، وكذلك كسر طوق الاقصاء الذي يمارسه بعض قادة الثقافة على الشباب.

من هنا لا يصح الصمت على ظاهرة تشبث (الكبار) بالمناصب القيادية للثقافة، والاستحواذ على الامتيازات لهم حصرا وللمقربين منهم والمؤيدين لهم، أما قضية التعكز على الانتخابات، وفوز هؤلاء بها، فإن الامر لا علاقة له بهذا الجانب، لأن الوقائع كلها تثبت استئثار هؤلاء بامتيازات المنصب، وحرمان الاخرين منها، بحجة المهنية، والقيام بدور القيادة!، فالمهم في هذا الجانب، هو العدالة في منح الامتيازات واتاحة الفرص للشباب وعدم حرمانهم من الاحتكاك مع التجارب العالمية، خاصة ما يتعلق بالسفر الى المهرجانات والدورات التدريبية وزيارة الجامعات وما شابه، من اجل اكتساب الخبرات وتطوير المواهب والمهارات، في شتى مجالات الابداع، وهذا يستدعي إدارة جيدة وصحيحة لجميع الانشطة الثقافية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/آيار/2014 - 26/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م