المهاجرون الأفارقة ورحلة التحرر من العبودية

 

شبكة النبأ: ظاهرة الهجرة السرية من الدول الإفريقية التي تعد أكبر مصدر للمهاجرين إلى أوروبا وغيرها من الدول الأخرى، والتي استفحلت بشكل خطير خلال الأعوام القليلة الماضية، لأجل الخلاص من الفقر المدقع والجوع المتفشي والنزاعات الأهلية، لاتزال محط اهتمام واسع من قبل العديد من المنظمات ووسائل الإعلام هذا بالإضافة الى الدول والحكومات المعنية، خصوصا وان الفترة الماضية قد شهدت زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين، الذين يواجهون اليوم وبسبب التضييق والمطاردة، العديد من المخاطر والمشكلات منها، الممارسات غير الإنسانية والتمييز العنصري واتساع عمليات النصب والاحتيال من قبل عصابات التهريب، والتي كانت سببا في موت الكثير منهم سواء كان غرقاً أو عطشاً وجوعاً بعد الضياع في عرض البحر او في مجاهل الصحراء مترامية الأطراف أو برصاص القوات الأمنية وحرس الحدود لبعض الدول.

يضاف الى ذلك وبحسب بعض المراقبين، السقوط في يد شبكات الاتجار بالبشر التي تحولهم إلى عبيد، مجبرين على ممارسة أعمال السخرة، أو الدعارة، أو الجريمة المنظّمة, وتستدرج تلك الشبكات الراغبين في الهجرة بالاعتماد على فريق يتألف من المستقطبين وموفري الإيواء والناقلين، الذين يتوفرون في الغالب على ورشات سرّية لبناء القوارب, وتُقدّر منظمة العمل الدولية أعداد ضحايا الاتجار بالبشر لأغراض العمل بالسخرة، أو الإجبار على العمل, بحوالي اثني عشر مليوناً وثلاثمائة ألف نسمة.

من الموت الى الموت

وفي هذا الشأن قالت مبعوثة للأمم المتحدة إن الإريتريين يخاطرون بالتعرض لإطلاق النار حتى الموت من جانب قوات بلادهم الأمنية حينما يفرون من وطنهم لبدء رحلة محفوفة بالمخاطر بحثا عن اللجوء في أوروبا قتل فيها مئات من اللاجئين اليائسين حينما غرقت القوارب التي تقلهم. وقالت شيلا كيثاروث المقررة الخاصة للأمم المتحدة عن أوضاع حقوق الإنسان في إريتريا إن الإريتريين يتعرضون لبعض من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان ومنها القتل خارج نطاق القضاء والحبس الانفرادي والاعتقال التعسفي والتعذيب وظروف سجن غير إنسانية والخدمة الوطنية إلى أجل غير مسمى.

وقالت كيثاروث للجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تختص بمسائل حقوق الإنسان "مع أنه توجد سياسة اطلاق النار للقتل على من يحاولون الفرار فإن آلافا كثيرة من المواطنين الإريتريين فروا خلال الأعوام العشرة الماضية." واضافت "الأعداد الحالية تتراوح بين 2000 و3000 إريتري يفرون من البلاد كل شهر." ولم يسمح لكيثاروث بزيارة إريتريا في إطار التحقيق الذي تقوم به. وبدلا من ذلك أجرت مقابلات مع إريتريين فروا من بلادهم وتزور مخيمات اللاجئين في إثيوبيا وجيبوتي. بحسب رويترز.

وقالت إن إعدادا مماثلة تقريبا من الاريتريين والسوريين الفارين من الحرب الأهلية في بلادهم وصلت إلى إيطاليا بحرا بنحو 7500 لاجئ من كل بلد. ووصل نحو 3000 صومالي في الفترة نفسها. وغرق مئات الإريتريين والصوماليين حينما غرقت القوارب التي تقلهم قرب لامبيدوسا وهي جزيرة صغيرة بين صقلية وتونس اصبحت نقطة دخول رئيسية الى أوروبا لقوارب المهاجرين. وغرقت سفينة اخرى قبالة ساحل صقيلة بعد ذلك متسببة في مقتل عشرات آخرين. وقالت كيثاروث "يبرز هذا اليأس الذي استبد بهؤولاء الذين يقررون الهرب على الرغم من المخاطر البالغة على امتداد طريق الهروب والمستقبل المجهول الذي ينتظرهم." واضافت قولها "ولن يكف الناس عن تعريض حياتهم للخطر بالقيام بمثل هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر إلا عندما تتحسن أوضاع حقوق الانسان."

مأساة متواصلة

من جهة اخرى تتواصل مأساة مئات المهاجرين الأفارقة الذين يحاولون قطع الصحراء الكبرى نحو دول الشمال هربا من الحرب والفقر، حيث عثر على جثث ثلاثين منهم بالجنوب الجزائري بعدما تركهم مهربوهم من دون ماء ولا غذاء. وعثر على ما لا يقل عن 13 جثة لمهاجرين من النيجر تركهم مهربوهم في الصحراء الكبرى في جنوب الجزائر وفق ما قال مسؤول محلي ومصدر عسكري في النيجر..

وقال آلات مواجاسكيا وهو المندوب المحلي لحكومة نيامي في بلدة أرليت الشمالية إنه تأكد العثور على 13 جثة في موقع واحد. وأضاف أنه يعتقد أن 33 شخصا آخرين من القافلة ذاتها التي تضم بالأساس نساء وأطفال لاقوا حتفهم في مكان آخر لكن لم يعثر بعد على جثثهم. وقال مصدر عسكري من النيجر طالبا عدم ذكر اسمه "يبدو أن هؤلاء الأشخاص ذهبوا للبحث عن المأوى لكنهم لاقوا حتفهم بسبب نقص الغذاء والمياه. وقدر المصدر أن عدد القتلى 30.

من جانب اخر اعلنت الحكومة النيجرية ومصدر امني توقيف نحو 150 مهاجرا سريا في شمال النيجر فيما كانوا يحاولون التوجه الى الجزائر. واعلنت نيامي انه تم توقيف مئة نيجري غالبيتهم من الرجال مع بعض الاطفال في الصحراء واودعوا في زنزانة في مقر الدرك في مدينة ارليت التي ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيين للتوجه الى الجزائر كما قال مصدر امني. وتم ايضا "اعتراض" سبعة واربعين مهاجرا سريا "متوجهين" الى الجزائر كما اكدت نيامي.

وتأتي هذه التوقيفات بعد ان قضى 92 نيجريا من العطش في الصحراء فيما كانوا يحاولون الذهاب الى تمنراست (جنوب الجزائر) وعثر ايضا على جثث 87 منهم في الصحراء. واعلنت نيامي عن سلسلة تدابير تهدف الى الحد من الهجرة السرية ومنها تفكيك شبكات ومخيمات مهاجرين في اغاديز التي تعتبر مركز ترانزيت رئيسي في النيجر.

وقد اوقفت دورية عسكرية نيجرية المهاجرين غير الشرعيين "وغالبيتهم من الرجال وبعض الاطفال في الصحراء" واقتادتهم الى ارليت كما صرح مصدر امني. واوضح هذا المصدر "ان المهاجرين ما زالوا في مقر الدرك لكن لا يعرف مصيرهم" مضيفا ان هؤلاء الاشخاص "قد يطلق سراحهم" لانهم "ليسوا من المهربين". بحسب فرانس برس.

وافادت منظمة غير حكومية في ارليت ان المهاجرين السريين المقدر عددهم بنحو مئة كانوا على متن "شاحنتين" و"ثلاث (سيارات) رباعية الدفع". واكد بيان للحكومة تمت قراءته على التلفزيون العام "ان دورية للحرس الوطني اعترضت شاحنتين تنقلان 47 شخصا متوجهين الى اساماكا". واساماكا هي البلدة النيجرية الاخيرة قبل تمنراست كبرى مدن الجنوب الجزائري التي كانت الوجهة الاساسية للمهاجرين النيجريين ال92 الذين قضوا جوعا.

الحدود السودانية

في السياق ذاته اعلن الجيش السوداني وفاة تسعة مهاجرين غير شرعيين كانوا ضمن نحو 300 مهاجر تركهم المهربون في الصحراء على الحدود السودانية الليبية. وقال المتحدث باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد "انهم مهاجرون غير شرعيين كانوا في طريقهم الى ليبيا". واضاف المتحدث "لقد تركهم المهربون في الصحراء على الحدود بين السودان وليبيا، جميع الذين توفوا من السودانيين، والاخرون من جنسيات مختلفة بينهم اثيوبيون واريتريون وباكستانيون وبنغلادشيون".

واورد موقع وزارة الدفاع السودانية في بيان للمتحدث ان عدد المهاجرين الذين "انقذتهم القوات المشتركة السودانية الليبية هو 319" مضيفا "توفي تسعة منهم والباقون في حالة سيئة ويتم الان اسعافهم، وتجري الترتيبات لنقلهم لمدينة دنقلا" في اشارة الى هذه المدينة السودانية الواقعة على بعد 500 كلم شمال غرب العاصمة السودانية الخرطوم. والمنطقة الصحراوية الممتدة من شرق السودان عبر مصر الى شبه جزيرة سيناء هي الطريق الرئيسي للمهاجرين الافارقة الباحثين عن حياة افضل .

ويقوم الاف الاريتريين بهذه الرحلة كل عام فيتوجه عدد منهم الى اسرائيل ويحاول اخرون الوصول الى اوروبا . وقال مصدر مطلع على هذه المسألة "بعضهم يحاول الانتقال عبر مصر والبعض الاخر يحاول عبر ليبيا، ثم يحاولون عبور البحر الابيض المتوسط من ليبيا". وفق معلومات سودانية رسمية فان نحو 600 شخص من اريتريا يلجأون شهريا الى السودان بهدف التوجه بعدها الى ليبيا ومنها الى اوروبا.

واتهم تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش ضباط امن سودانيين ومصريين بالضلوع في عمليات الاتجار بالبشر واحتجاز المهاجرين الاريتريين للحصول على فدية من اهاليهم اضافة الي تعذيبهم . وقالت منظمة العفو الدولية العام الماضي ان اللاجئين الاريتريين يتم اختطافهم في السودان ويغتصبون ويضربون ويربطون واحيانا يقتلون ويرحلون الي شبه جزيرة سيناء حيث يحتجزون للحصول على فديات من اقاربهم . وقالت المنظمة التي تتخذ من لندن مقرا "تلقينا تقارير في عام 2011 بان مقيمين في مخيم الشجراب للاجئين في ولاية كسلا السودانية قرب الحدود الاريترية تعرضوا للخطف". بحسب فرانس برس.

وطلب مسؤول سوداني في منطقة حدودية مع اريتريا من الاتحاد الاروبي المساعدة في الحد من الاتجار بالبشر. وقال والي كسلا محمد يوسف ادم لسفراء الاتحاد الاروبي الذين زاروا كسلا من الخرطوم "نحن مستهدفون بمجموعات منظمة ونطلب مساعدتكم لمواجهتها". وابلغ سفير الاتحاد الاروبي في السودان توماس الوشني الوالي بقوله "حقيقة نريد في هذه المنطقة التعاون مع السودان ومع كل الدول المجاورة له ".

ليبيا طريق الموت

من جانب اخر قالت الحكومة الليبية إن 40 شخصا على الأقل لاقوا حتفهم وجرى إنقاذ 51 آخرين بعد أن غرق قارب يقل مهاجرين معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء قبالة السواحل الليبية شرقي طرابلس. وأضاف المتحدث باسم وزارة الداخلية رامي كعال أن القارب واجه ظروفا صعبة وهو على مسافة 60 كيلومترا شرقي طرابلس. وصارت ليبيا ذات الحدود الطويلة والمطلة على جيران من جنوب الصحراء والمواجهة لمالطا وإيطاليا على الضفة الأخرى من البحر المتوسط ممرا معتادا لمهاجرين من افريقيا والشرق الأوسط يحاولون الوصول إلى أوروبا.

وفي غياب التجهيز والتدريب الكافيين لخفر السواحل وقوات البحرية الليبية والقوات المسلحة طلب المسؤولون الليبيون مزيدا من المساعدات من الشركاء الأوروبيين من أجل وقف تدفق اللاجئين غير الشرعيين الذين يحاولون عبور ليبيا إلى أوروبا. وفي مارس آذار أنقذت البحرية الإيطالية أكثر من 4000 مهاجر من قوارب مكتظة بالركاب في عرض البحر المتوسط جنوبي صقلية في أربعة أيام فقط.

ويدفع كثير من اللاجئين أكثر من ألف دولار لعصابات إجرامية لنقلهم عبر البحر من ليبيا حيث تلاقي الحكومة صعوبات في السيطرة على البلاد التي تعج بالأسلحة ويوجد بها كثير من كتائب المقاتلين السابقين منذ الحرب الأهلية التي أطاحت بمعمر القذافي في 2011 .

الى جانب ذلك أعلن مسؤول امني ليبي ان طائرات سلاح الجو الليبي عثرت على حوالى 48 مهاجرا مصريا غير شرعي فقدوا في الصحراء في شرق ليبيا. وكان عشرات المصريين دخلوا سرا الى ليبيا قبل ان يتخلى عنهم مهربوهم على الطريق بين طبرق واجدابيا. وتمكن احد هؤلاء المهاجرين من الدخول الى المدينة وابلاغ السلطات الليبية التي اطلقت عمليات بحث للعثور على الاخرين.

وقال العقيد عبدالله الزيدي المتحدث باسم الغرفة الامنية المشتركة في بنغازي ان "سلاح الجو الليبي تمكن من رصد 48 مصريا تائهين في الصحراء الليبية". واضاف ان "اليات ارسلت الى المكان لاسعافهم"، من دون المزيد من التفاصيل. واعلنت وزارة الخارجية المصرية ان مهاجرين مصريين غير شرعيين قضيا، وان عشرات اخرين اعتبروا في عداد المفقودين.

وبحسب شبكة تلفزيون ليبيا الاحرار الخاصة، فان مجموعة من ستين شخصا من مصريين وسودانيين اعتبرت في عداد المفقودين. ومع اكثر من اربعة الاف كلم من الحدود البرية مع ست دول واكثر من 1700 كلم من الحدود البحرية، تطلب ليبيا باستمرار مساعدة الدول الغربية لمواجهة الهجرة غير الشرعية.

على صعيد متصل هدد وزير الداخلية الليبي صالح المازق بـ "تسهيل" عبور مهاجرين غير شرعيين الى اوروبا اذا لم يساعد الاتحاد الاوروبي طرابلس في التصدي لهذه الافة. وقال الوزير في مؤتمر صحافي "انا احذر العالم كله وخصوصا الاتحاد الاوروبي، اذا لم يتحملوا مسؤولياتهم فان ليبيا يمكن ان تسهل عبور هذا التدفق" للمهاجرين باتجاه اوروبا.

واضاف ان ليبيا "تعاني" من وجود آلاف المهاجرين غير الشرعيين القادمين خصوصا من دول افريقيا جنوب الصحراء ويتسبب هؤلاء، بحسب الوزير، بانتشار امراض وجرائم وتهريب المخدرات. وقال الوزير "ليبيا دفعت الثمن الان جاء دور اوروبا" بدون ان يوضح اذا كان ينتظر من بروكسل مساعدة مالية او مادية او اي شيء آخر. بحسب فرانس برس.

وكانت ليبيا في عهد معمر القذافي الذي اطيح به في 2011، تستخدم الهجرة للضغط على اوروبا بحيث تسمح او لا تسمح بعبور المهاجرين بحسب علاقاتها مع البلدان الاوروبية. واضاف الوزير الليبي انه عاد من زيارة لباريس التقى خلالها نظيره الفرنسي وطلب منه مساعدة فرنسا في ابلاغ قلق طرابلس الى بروكسل.

ومنذ بداية العام الحالي وصل نحو 22 الف مهاجر ولاجىء بحرا الى السواحل الايطالية، اي عشرة اضعاف عددهم في الفترة ذاتها من 2013، بحسب السلطات. وقبيل اندلاع الانتفاضة على القذافي في بداية 2011 كان نظامه طلب خمسة مليارات يورو سنويا من الاتحاد الاوروبي لوقف ظاهرة الهجرة غير الشرعية.

مهاجرون منسيون

في السياق ذاته فاوروبا ليست هي المكان الوحيد الذي يهدف مهاجرون من بلدان جنوب الصحراء الكبرى إلى بدء حياة جديدة فيها. فعلى مدى سنوات كانت ليبيا الغنية بالنفط عنصر جذب لهم.. لكن مع ترنح البلاد على حافة الفوضى لم تعد أرض الأحلام وفرص العمل. فقد بات الكثير منهم يواجه مجتمعا عدائيا في الغالب وحكومة غير مؤهلة للتعامل مع تدفق عمالة غير شرعية حتى وإن كانت متحمسة للعمل.

وبعد أن قطع أكثر من ألف ميل في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر الصحراء الكبرى وصل الشاب أبوكار إلى ليبيا قادما من مالي على أمل أن يجني مالا يعول عائلته ثم يعود في النهاية إلى أرض الوطن. قال أبوكار بالقرب من طريق مزدحم يجلس فيه يوما بعد يوم على أمل أن يجد عملا "من الصعب جدا العثور على عمل.

هناك الكثير من المهاجرين. جئت عبر الجزائر وكان علي دفع مبلغ طائل كي يصطحبني دليل." ومع ندرة فرص العمل يجد كثيرون أنفسهم في مأزق.. فهم بلا مال يتيح لهم السفر إلى أوروبا أو العودة إلى الوطن. وقبل الحرب الأهلية كان يعمل في ليبيا بين 1.5 و2.5 مليون مهاجر وفق تقرير لمجلس اللاجئين الدنمركي. ولم تصدر بعد ذلك أي معلومات بيانات يعول عليها.

وتواجه ليبيا ضغوطا من الاتحاد الأوروبي للقضاء على موجة القوارب التي تحاول عبور البحر المتوسط ولكنها تفشل في معالجة أحد العوامل المساهمة في هذه المحاولات.. ألا وهو اليأس المتزايد لدى المهاجرين داخل ليبيا. وفي أعقاب الصراع الليبي الذي تفجر عام 2011 تحولت الحدود التي يسهل اختراقها دائما إلى طرق سريعة نحو الشمال. وتفتقر ليبيا إلى التشريعات اللازمة التي تحدد وضع المهاجرين وحقوقهم تاركة إياهم في خوف من الإحتجاز وعجز عن تلقي الرعاية الصحية والتعليم وعن التعامل مع الجهاز المصرفي.

وفي غياب قنوات التوظيف الرسمية ينتشر المهاجرون على الطرق السريعة أو عند الميادين على أمل أن يأتي من يطلب عامل بناء أو اثنين. ففي منطقة فشلوم في وسط طرابلس ينتظر المئات من العمال عند مدخل أحد الميادين حاملين المطارق أو المعاول وجالسين بالقرب من أكياس أسمنت وأكوام حجارة ورمل استعدادا للقفز إلى أي شاحنة عابرة تنقلهم إلى مكان عمل.

والبعض توجه إلى ليبيا لجمع المال اللازم لخوض الرحلة الأكثر خطورة إلى أوروبا لكن كثيرين لا يريدون إلا البقاء لأعوام قليلة ثم العودة إلى أرض الوطن. وينتظر هؤلاء لأسابيع بين عمل وآخر في حين أمضى غالبيتهم فترة في السجن في مرحلة ما إذ أنهم يصلون إلى ليبيا دون تصاريح عمل أو حتى جوازات سفر.

وأخيرا عثر أحمد جاري وهو عامل آخر من مالي على عمل في متجر عام في الساحة التي دأب على الوقوف فيها والإنتظار لإقتناص فرصة عمل. وقال "العمل هنا يعتمد على اليوم. ينتظر حوالي 200 شخص هنا 30 منهم فقط سيجدون عملا." ويعيش هؤلاء العمال في أحياء مكتظة ويتشارك أربعة أو خمسة في الغرفة الواحدة وهم عرضة لحملات الشرطة وبشكل أكبر للعصابات المحلية. ونظرا لأنهم لا يملكون وثائق فما من سبيل يذكر أمامهم لطلب المساعدة. ونتيجة لذلك يتعرض هؤلاء للخداع لسلب أموالهم وغالبا ما يتقاضون أقل مما وعدهم به أصحاب العمل كما يعتبرهم اللصوص آلات لسحب النقود تمشي على قدمين إذ لا خيار أمامهم إلا حمل نقودهم معهم أينما ذهبوا.

وقال أبوكار "يعاملونني أحيانا معاملة سيئة. يعدونني بمئة دينار مقابل عمل ما وبعدما أنتهي منه يعطونني 60 دينارا فقط... الأولاد في الشارع سرقوا هاتفي ونقودي." وبغير الهاتف قد يخسر عملا ما. فعلى طول طريق سريع في منطقة أخرى من طرابلس كان مهاجرون يجلسون بالقرب من ألواح خشبية ويروجون لما يملكونه من مهارات ويضعون أرقام هواتفهم المحمولة حتى يتسنى الاتصال بهم. وقضاء فترة في أحد مراكز الإحتجاز يكاد يكون أحد طقوس العبور إلى ليبيا. فجميعهم مر به وفي الغالب أكثر من مرة. بحسب رويترز.

أحمد يرى أن رحلة الألف ميل إلى حدود ليبيا هي الجزء السهل.. حتى أنه قال لأحد رجال الشرطة الجزائريين إنه متوجه إلى هناك للعثور على عمل. وبمجرد أن أصبح على مسافة تقطعها السيارة إلى طرابلس في ساعة واحدة تم اعتقاله. وقال "أمسكوا بي أول مرة في صبراتة وسجنت لشهر وخمسة أيام... عندما كنت في صبراتة كان هناك حوالي 500 منا في السجن.. جاءوا من نيجيريا أو الصومال أو إريتريا." أضاف "وفي المرة الثانية التي ألقي القبض علي فيها كنت أنتظر في الساحة وبقيت في السجن 12 يوما لأنه لم يكن معي تأشيرة دخول.

المغرب والاعتراف بالمهاجرين

على صعيد متصل كشف المغرب تفاصيل "عملية استثنائية" لمنح اوراق رسمية لنحو 25 الف مهاجر غير شرعي من منطقة افريقيا جنوب الصحراء الكبرى يأمل كثيرون منهم بلوغ الاراضي الاوروبية. والخطة التي كشف عنها تأتي في اطار سياسة جديدة للهجرة وعدت بها المملكة المغربية في ايلول/سبتمبر الماضي في مواجهة الانتقادات الدولية المتزايدة.

وقال وزير الداخلية محمد حصاد ووزير الهجرة انيس بيرو في مؤتمر صحافي في سلا قرب الرباط ان "العملية الاستثنائية لتسوية اوضاع الاجانب المقيمين بصورة غير قانونية في المغرب" ستطبق. وبموجب العملية الجديدة ستتم تسوية وضعية نحو 850 لاجئا معترفا بهم من قبل ممثلية المفوضية العليا للاجئين ومنحهم حق الاقامة، بحسب مسؤولين مغاربة.

وسيتم وضع لائحة بالشروط الضرورية المطلوبة لاخرين يأملون بنفس المعاملة. وتشمل الشروط الرئيسية المطلوبة لمنح الاقامة الاخذ بعين الاعتبار عدد سنوات الاقامة في المغرب والوضع القانوني للزوج او الزوجة او الاهل وسجل التوظيف والسجل الطبي.

وتأتي هذه العملية "النوعية" عقب موجات وصول لاجئين غير قانونين مؤخرا، بحسب حصاد. وقال حصاد ان ما بين 25 الف و40 الف مهاجر سري من منطقة افريقيا جنوب الصحراء هم في المغرب حاليا. وتقول جمعيات حقوق الانسان ان مهربين ينقلون المهاجرين من دول افريقية اخرى الى المغرب ويقيمون في العراء بانتظار الفرصة للعبور الى مدينتي سبتة ومليلية الاسبانيتين شمال الساحل الافريقي. وهاتان المدينتان هما النقطتان الاوروبيتان الوحيدتان اللتان لهما حدودا مع افريقيا. بحسب فرانس برس.

ويحاول آخرون وصول اراضي اسبانيا او ايطاليا او مالطا بعبور المتوسط في مراكب بدائية. ومليلية البالغ عدد سكانها نحو 80 الفا نقطة عبور رئيسية للمهاجرين الذين يحاولون التسلل الى اوروبا من المغرب المجاور. وفي محاولة لمنع تدفق مئات المهاجرين باستمرار اعلنت اسبانيا انها بدأت وضع اسلاك شائكة وسياج لا يمكن تسلقه في نقاط على امتداد الحدود البالغ طولها 11 كيلومترا. والمغرب اقرب الدول الافريقية مسافة الى البر الاوروبي يفصلهما مضيق جبل طارق ونحو 15 كيلومتر عن اسبانيا في اقرب نقطة بينهما مما يجعل من المملكة طريق تهريب رئيسيا للمهاجرين غير الشرعيين العابرين الى اوروبا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آيار/2014 - 24/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م