الاستعمار وصناعة العنف والعدوان

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: لم تعد أساليب الاستعمار خفية على أحد، حتى على بسطاء الناس، إذ باتت هذه الأساليب معروفة بسبب تكرارها، واستخدامها ضد كثير من الدول الضعيفة الغنية بالثروات، من اجل حلبها وسلب ثرواتها بشتى طرق التحايل والخداع، وإثارة الاحتراب والإرهاب بين مكونات المجتمع الواحد، حتى يضعف، وينشغل بالعنف، فتكون الطرق سالكة للمستعمرين كي يسرقوا ويسلبوا ما يرغبون به!.

وقد أثبتت تجارب القرون الماضية مع الاستعمار، بأشكاله العسكرية وغيرها، أن الهدف الاساس هو إلهاء الشعوب بمشاكل كثيرة يصنعها المستعمرون، تصل الى حد العنف والحروب وما شابه، علما أن القيم الانسانية تنتفي تماما في هذا المجال، مع العلم أن الغرب يدّعي الانسانية، والتمسك بالقيم النبيلة، لكن سياسة حكومات تلك الدول الغربية والشرقية أيضا، تكشف زيف هذا الامر، وتؤكد أنها تلجأ الى اساليب كثيرة لاستنزاف خيرات الشعوب، ولعل الارهاب والفوضى هي اكثر السبل التي تظهر بوضوح في هذا المجال.. لذلك تبدو قضية نشر السلم والامان صعبة، والانشغال بقضية البناء والتطور أكثر صعوبة.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله)، بكتابه القيم الموسوم بـ(فقه: السلم والسلام)، حول هذا الموضوع: إن (الوصول إلى السلام صعب، وذلك بسبب سلوك بعض الانتهازيين والمنحرفين ودول الاستعمار الذين يعرقلون عملية السلم والسلام ويجعلون طريقه صعب الوصول وإن أخذوا يتظاهرون بالنداء به).

ومن الواضح أن الاستعمار عندما يدعو ظاهرا بالدعوة الى السلام، فإنه من ناحية اخرى، يصنع العنف، ويزرع الارهاب لكي تنشغل الشعوب بذلك، وتضعف الحكومات، فتكون تابعة للاستعمار، وبهذه الطريقة يستطيع أن يحقق أهداف ومآربه، التي تتمثل باستغلال موارد الدول والشعوب لصالحه، بغض النظر عن درجة المشروعية التي يستند إليها في مثل هذه السياسات المخادعة.

التفكير الاستعماري

هكذا يستمر الاستعمار، بنشر الخراب بين ابناء ومكونات الشعب الواحد، فتضعف الدولة، وتصبح تبعية الحكومة والحاكم للمستعمر أمرا حتميا، فالحاكم الذي يقع تحت سطوة السلطة وسحرها، يحرص على حماية عرشه، لذا يكون في حاجة دائمة للاستعمار الذي يدعم بقاءه طالما كان ملتزما بشروط المستعمر، فيتم نشر الفتن والارهاب والعنف بين ابناء الشعب الواحد، فضلا عن تحوّل الحاكم الى أداة طيّعة بيد الاستعمار، فيستأسد على شعبه، ويبطش به من خلال التعذيب والقتل والتشريد وشتى أساليب العنف المصنوعة اساسا بيد الاستعمار.

لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: في ظل الحكومات التابعة للمستعمر (يأخذ العنف مكان الكلمة، والسيف والسجن والسوط مكان الانتقاد البنّاء والبحث الحر، ويسلط الأشرار حيث أنهم أقدر على الفتك والإرهاب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تكثر فيه العزلة والانزواء، حيث لا يجد الصالحون مجالاً للتنفس).

وهكذا يستمر التفكير الاستعماري بالتسلط على المسلمين من خلال الحكومات التابعة له، علما أن اساليب الاستعمار متعددة، متنوعة تبعا لطبيعة الدولة المراد السيطرة عليها وحلب خيراتها، لهذا تغيب الحريات وتنتشر الفوضى، ويسود العنف، وتضيع فرص التطور والتغيير، لانها لا تتفق مع اهداف المستعمر، ولا مع اهداف الحكومات التابعة له.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إنّ التفكير الاستعماري الذي سيطر على المسلمين، بسبب الاستعمار الثقافي أو العسكري، أودى بالكثير من الحرّيات الإنسانية والإسلامية، فقد أخذت القوانين الاستعمارية المستوردة، أو المنشأة في تلك الحكومات للبلاد الإسلامية، أغلب حريات المسلمين بلا أيّ مبّرر معقول). ولا شك أن الانشغال بالفتن والاحتراب والعنف الذي يصنعه الاستعمار، لا يترك فرصة لتطور المجتمع بسبب انشغاله بالعنف، فضلا عن تعاون بعض الحكومات مع المستعمر بالضد من ارادة شعوبها، لحماية عروشها من السقوط، بمساندة قوى الاستعمار التي تدعم عملائها حفاظا على مصالحها واهدافها.

من هنا يؤكد الامام الشيرازي في هذا الشأن، على أن: (الحكومات التي تقع تحت إرادة الاستعمار، حتى لو كان الاستعمار اقتصاديا ظاهراً أو خفياً كأكثر بلاد الإسلام التي نعايشها، تريد إرضاء أسيادها المستعمرين).

الاسلام والعنف والارهاب

من هنا حذر الاسم من العنف، ورفض الهيمنة على مقدرات الشعوب، ودعا الى السلام، ونشر القيم الانسانية بين شعوب الارض كافة، كي يسود السلام وتنتعش قيم التعايش والتسامح، وتسود قيم الانسجام واحترام الرأي، وتنمو قيم التكافل والتعاون بين الافراد والجماعات والشعوب كافة، من هنا لابد من مقارعة الاساليب التي يلجأ إليها الاستعمار، وفضحها ورفضها ومقارعتها بكل السبل المتاحة.

بالاضافة الى فضح الحكومات والحكام المتعاونين من المستعمرين، من خلال جماعات الضغط واساليب المعارضة الدستورية، بالمقابل ينبغي على الحكام والحكومات أن تنتهج السبل الدستورية السليمة مع الناس، فلا ظلم ولا قهر ولا عنف ولا ترهيب، ولا تعاون مع الاستعمار ضد الشعب، لان مصير الحاكم المتعاون مع الاستعمار على شعبه، السقوط الحتمي، كما أثبتت ذلك جميع التجارب عبر التاريخ.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: إن (الرسول صلى الله عليه وآله، بيّن لنا بعمله الشريف طريق السلام، فإنه لا يتحقق بالعنف والسجن والإرهاب والقتل للمعارضة، بل بالحكمة والكياسة والفطنة والذكاء).

لذلك من صالح الحكومات أن تتعاون مع شعوبها، كونها أكثر ضمانة لها من دعم الاستعمار الذي يمكن أن يتخلى عن الحاكم في أية لحظة، بمجرد انتهاء دور الحاكم العميل، وما اكثر التجارب التي تؤكد تخلي الدول الاستعمارية عن حكامها العملاء!، من هنا من الافضل للحكام والحكومات التعاون مع الشعوب لكبح العنف والارهاب، وفضح اساليب الاستعمار.

بالاضافة الى أن الاسلام، وهو دين المسلمين جميعا، حكّاما ومحكومين، يمثل نظاما كونيا، وهو يرفض العنف والعدوان والارهاب، لانها اساليب قهرية يتجاوز فيها القوي على الضعيف بغض النظر عن مشروعة الاهداف والمآرب!.

لذا يؤكد الامام الشيرازي على: (أن الإسلام كدين ونظام كوني ومنهج حياتي، يقف من العنف والعدوان والتعسف والإرهاب، موقف المضاد، فكرة وسلوكاً).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آيار/2014 - 24/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م