ولاية مودي

مايكل ماندلبوم

 

في ممارسة مبهرة للديمقراطية، شارك 800 مليون ناخب مؤهل في الانتخابات العامة السادسة عشرة. وسوف يكون رئيس الوزراء الجديد نارندرا مودي من حزب بهاراتيا جاناتا المحافظ، والذي أشرف على النمو الاقتصادي السريع خلال ثلاثة عشر عاماً تولى فيها منصب رئيس وزراء ولاية جوجارات التي تقع على الساحل الشمالي الغربي للهند. وقد فاز مودي لأن أغلب الهنود يعتقدون أنه قادر على تحقيق المزيد من النمو السريع في البلاد ككل.

وقد أثبتت الانتخابات مرة أخرى مدى اختلاف الهند من الناحية السياسية عن جارتها العملاقة الاستبدادية الصين. ولكن الآن، ينبغي للحكومة الجديدة أن تحاول محاكاة التقدم الاقتصادي الفائق الذي حققته الصين على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. ولكي تحقق هذه الغاية فمن الواجب عليها أن تعمل على تعزيز اثنين من المكونات الرئيسية للنجاح الاقتصادي الصيني ولكن في بيئة سياسية مختلفة.

يتلخص المكون الأول في القطاع الصناعي النشط الذي يتألف من الصناعات التحويلية التي تستخدم العمالة غير الماهرة، والتي من شأنها أن توفر طريقاً للخروج من الفقر لمئات الملايين من العمال الريفيين وأسرهم في الهند. وهو المسار الذي سلكته الصين وغيرها من البلدان من قبلها. ولكن في الهند، وعلى النقيض من ذلك، كان تخلف القطاع الصناعي في البلاد سبباً في منع البلاد من تحقيق كامل إمكاناتها الاقتصادية.

والمكون الثاني هو البنية الأساسية التي يحتاج إليها النمو الاقتصادي: الطرق والجسور والموانئ والمدارس، فضلاً عن الإمدادات التي يمكن التعويل عليها من الطاقة والمياه النظيفة. إن ضعف البنية الأساسية يعمل على تقييد الصناعات القائمة في الهند. فالمصانع تحتاج إلى إمدادات يمكنها التعويل عليها من الطاقة للتشغيل الفعّال، كما تحتاج إلى الطرق الجيدة والسكك الحديدية لتأمين المدخلات وتوزيع المنتجات، وإذا كان لها أن تصدر هذه المنتجات فإنها تحتاج إلى الموانئ لشحن البضائع بالسفن والمطارات لنقل السلع عالية القيمة والرحلات التجارية. وتتمتع الصين بوفرة من هذه الأشياء، على عكس الهند.

إن انقطاع التيار الكهربائي روتيني في الهند، وما يقرب من نصف الأسر في البلاد تفتقر إلى أي شكل من أشكال التيار الكهربائي، والطرق السريعة الحديثة هناك نادرة. ففي حين يستطيع سائق الشاحنة في الولايات المتحدة أن يسوق حمولة لمسافة ألف ميل في غضون عشرين ساعة تقريبا، فإن الرحلة المماثلة في الهند تستغرق من أربعة إلى خمسة أيام.

ويتمثل السبب الكامن وراء هاتين النقيصتين في واحدة من السمات الأساسية للديمقراطية الهندية، وكل الديمقراطيات في واقع الأمر: القوة التي تتمتع بها الأقليات. في الأنظمة الديمقراطية يتمتع الناس بالحرية في تنظيم أنفسهم، وكثيراً ما يفعلون هذا على أساس من المصالح الاقتصادية المشتركة. وتعمل مثل هذه المجموعات على الساحة السياسية لجلب الفوائد لأعضائها. ولكن هذه الفوائد قد تأتي على حساب الصالح العام ــ وفي الهند كان ذلك سبباً في منع تطوير الصناعات التي تحتاج إلى مهارات متدنية وبنية أساسية عالية الجودة.

ورغم أن الهند زاخرة بالعمال من ذوي المهارات المتدنية (أو بلا مهارات على الإطلاق)، فإن القوانين التي تحكم تشغيل العمالة هناك تجعل من المستحيل بالنسبة للشركات الكبيرة أن تفصل العمال، وهذا يجعلها غير راغبة في توظيفهم في المقام الأول. وتميل الشركات الأكثر كفاءة إلى تجنب الصناعات القادرة على انتشال الملايين من الهنود من براثن الفقر إذا تأسست على نطاق واسع. وعلى نحو مماثل، فإن القوانين المقيدة لاستخدام الأراضي تجعل من الصعب بناء منشآت مثل المصانع والفنادق، والتي يمكنها توظيف أعداد كبيرة من الناس.

الواقع أن نوعاً بعينه من جماعات المصالح ــ النقابات ــ هو الذي يشجع ويدافع عن القوانين التي تثني الشركات الكبيرة عن الدخول في الصناعات التي توظف العمال غير المهرة. وفي حين يستفيد أعضاء النقابات من هذه القوانين، رغم أنهم يمثلون نسبة ضئيلة للغاية من مجموع القوى العاملة، فإنهم يعاقبون الهند ككل. وتعمل جماعات مصالح أخرى على عرقلة نمو الشركات القادرة على خلق فرص العمل. على سبيل المثال، في بعض الأحيان يمنع المحتجون المحليون استخدام الأراضي لأغراض صناعية وغير ذلك من الأغراض التجارية.

وتعمل الأقليات السياسية أيضاً على منع تشييد وتنمية البنية الأساسية للتعليم التي تحتاج إليها الهند باستخدام العملية الديمقراطية لتحويل الموارد نحوها، والتي يصبح من غير الممكن استخدامها بعد ذلك لبناء الطرق أو دفع أجور المعلمين. وتشكل إعانات الدعم بمختلف أشكالها نحو 2.4% كاملة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وجميعها جاءت من خلال إنجازات تشريعية نجحت جماعات المصالح في تحقيقها.

وتشكل البيروقراطية الهندية ذاتها جماعة مصالح كبيرة وقوية وشرهة. وتستهلك رواتبها الموارد التي كانت لتخصص بشكل أفضل لاستخدامات أكثر إنتاجية. ويؤدي الإنفاق على المصالح الخاصة إلى عجز الموازنة، في حين تستنزف القروض اللازمة لتمويل هذا العجز المزيد من الأموال التي كانت لتخصص للبنية الأساسية والتعليم.

لا تستطيع حكومة مودي الجديدة ــ بل لا ينبغي لها قط ــ أن تلغي القواعد الديمقراطية التي تسمح للأقليات بالازدهار. ففي ظل مجموعاتها العرقية والدينية والطوائف المختلفة، ونحو ثلاثين لغة يستخدمها أكثر من مليون ناطق بها محلياً لكل مجموعة (وأكثر من 105 لغة أخرى ينطق بها ما لا يقل عن 10 آلاف شخص)، تُعَد الهند أكثر تنوعاً على الصعيد الثقافي من الاتحاد الأوروبي بالكامل ــ ولكن مع ضعف عدد الناس. ومن دون التركيز على التسويات والحلول الوسط وحل النزاعات سلميا، وحقوق الأقليات المتأصلة في الديمقراطية، فإن الهند الموحدة لن يكون لها وجود.

لذا فإن التحدي الذي يواجه مودي يتلخص في التغلب على العقبات التي تحول دون فرض السياسات الداعمة للنمو بالاستعانة بسبل ديمقراطية. وهنا تجلب لنا الانتخابات خبراً طيباً يتمثل في القوة المتنامية للطبقة المتوسطة الهندية المتنامية، والتي تشكل حليفاً قوياً في قضية ملاحقة الإصلاحات الاقتصادية اللازمة.

وتتألف هذه الطبقة المتوسطة من أشخاص من ذوي الأملاك وآخرين يتقاضون رواتب، ونسبة كبيرة منهم من الشباب، الذين ينظرون إلى الحكومة باعتبارها منفذاً شخصياً للقانون وحكماً محايداً يفصل في النزاعات، وليست مصدراً للتمويل والمحسوبية. وقد ساعدت أصوات هؤلاء الناس مودي في الفوز بالانتخابات. وسوف يتوقف نجاحه في منصبه على قدرته على تسخير قوة الطبقة المتوسطة للتغلب على العقبات السياسية التي تحول دون تحقيق النمو الاقتصادي الذي يطالب به أعضاء هذه الطبقة.

* أستاذ السياسة الخارجية الأميركية في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة. كتابه الأخير، الطريق إلى الرخاء العالمي

http://www.project-syndicate.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/آيار/2014 - 24/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م