نتائج الانتخابات العراقية

تجنب انفصال «إقليم كردستان»

مايكل نايتس

 

في التاسع عشر من أيار/مايو، أعلنت "المفوضية العليا المستقلة للانتخابات" في العراق عن نتائج الانتخابات الوطنية في البلاد التي جرت في 30 نيسان/أبريل، والتي حقق فيها رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي نتائج حاسمة على جبهتين. أولاً، حافظ "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه على موقعه، بفوزه بـ 95 من أصل 328 مقعداً في البرلمان الجديد مقارنةً بـ 89 مقعداً حصل عليها في البرلمان السابق الذي كان يضم 325 مقعداً. وثانياً، تخطى المالكي عدد الأصوات التي فاز بها شخصياً في عام 2010 -22,000  صوت - من خلال حصوله على 721,782 صوتاً هذه المرة. ومع أنّ الأحزاب الشيعية المنافسة والمعارضين الأكراد والعرب السنة حصدوا معاً حوالي 160 مقعداً - أقل بقليل من المقاعد المئة وخمسة وستين الضرورية للموافقة على رئيس وزراء - إلا أنه سيتعين على معارضي ولاية ثالثة للمالكي وضع اختلافاتهم جانباً وإظهار تماسك شبه كامل لعزله عن منصبه. لذا فإن المالكي هو الأوفر حظاً في الوقت الراهن، على الرغم من أن فوزه ليس أمراً مفروغاً منه بأي شكل من الأشكال.  

وإذا ما سارت الأمور بما ينسجم مع مصلحة المالكي، سيصعب على العراقيين الأكراد، الذين حصلوا على 62 مقعداً في البرلمان الجديد، تقبّل إعادة تنصيبه المحتملة. ففي الرابع عشر من أيار/مايو، أكد رئيس "حكومة إقليم كردستان" مسعود بارزاني على معارضته بعبارات شخصية قائلاً: "إنّ المالكي الذي عرفناه قبل توليه الحكم لم يكن نفس المالكي [الذي رأيناه] بعد استلامه زمام السلطة"، مضيفاً أن رئيس الوزراء يتحمل المسؤولية الرئيسية عن "الشمولية" في العراق. ووفقاً لريبوار سيد كول - مسؤول كبير في حزب "الاتحاد الإسلامي الكردستاني" الذي حضر لقاءً في 18 أيار/مايو مع قيادات كردية أخرى في أربيل - "قررت الكتل الكردية أنه إن تمّ ترشيح المالكي لولاية ثالثة، سنجري استفتاء حول الاستقلال والانفصال عن العراق". ومثل هذا الاستفتاء يشبه آلة دمار فحين يطلقون العنان لها فقد لا يمكن إيقافها؛ ويلوّح الأكراد بذلك لأنهم يشعرون باليأس أكثر من أي وقت مضى، إذ أنهم يخشون أن إعادة تنصيب المالكي ستقضي على طموحاتهم. وعلى الرغم من ذلك، يمكن لهذا النوع من التهديد أن يخفف من قدرتهم على إبرام الصفقات مع الكتل العربية في العراق، ولو عن غير قصد.

لقد تزايدت معارضة أربيل بشكل حادّ منذ أن أوقف المالكي إرسال حوالات تقاسم العائدات من الحكومة الفدرالية إلى الأكراد هذا العام. وجاءت هذه الخطوة رداً على رفض الأكراد تسويق نفطهم للمشترين الدوليين من خلال استخدامهم "شركة تسويق النفط الوطنية (سومو)" وحسابات العراق المصرفية في بغداد ونيويورك. وفي حين أن حكومة إقليم كردستان تلقت في وقت سابق ما يزيد عن مليار دولار بشكل حوالات شهرية، لم ترسل بغداد إلا دفعات جزئية لشهرين من أصل الأشهر الخمسة من عام 2014. ففي منتصف آذار/مارس، وافق المالكي على تسديد متأخرات رواتب "حكومة إقليم كردستان" لشهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، واستجاب الأكراد عبر تقديم 100 ألف برميل نفط يومياً إلى بغداد ابتداءً من نيسان/أبريل 2014. وعلى الرغم من أنّ الطرفين يشاركان في اللعبة لعرقلة تدفقات النفط، علّق المالكي الدفعات لأشهر آذار/مارس ونيسان/أبريل وأيار/مايو، وهذا يعني أنّ "حكومة إقليم كردستان" لم تتلقى سوى 1.3 مليار دولار من أصل 4.25 مليار دولار الضرورية لدفع الرواتب لهذا العام. وفي محاولة يائسة لدفع الأجور، تمكنت "حكومة إقليم كردستان" من خلال نشاطات جمع التبرعات من جمع 429 مليون دولار على شكل أموال إضافية، ولكن الاعتصامات التي تطالب بدفع الرواتب تتصاعد في كافة أنحاء المنطقة الكردية.   

وبالفعل، أثارت اقتطاعات الميزانية سخط الأكراد أكثر من أي قرار سبق للمالكي اتخاذه. وكثيراً ما أشار الرئيس بارزاني إلى هذا الاقتطاع بأنه "عمل من أعمال الحرب"، وفي 14 أيار/مايو حذر من أن "من يخفض ميزانية كردستان سيدفع ثمن ذلك القرار".       

وبغض النظر عن المواقف الصائبة والخاطئة التي اتخذتها "حكومة إقليم كردستان"، تعدّ الظروف الحالية من بين أسوأ الأحوال الممكنة لبناء حكومة متعددة الأعراق وجامعة للطوائف. وقبل الانتخابات، توقّع الدبلوماسيون الأمريكيون نتيجة التصادم حول الميزانية وسعوا جاهدين إلى تجنبها، من خلال مساعدة بغداد وأربيل على تصميم نظام مشترك لتقاسم عائدات النفط وتسويقه يلبي احتياجاتهما على المدى القريب. وفي حال اعتماد هذا الاتفاق بشكل كامل فقد يمثل إحدى الخطوات الأكثر إيجابيةً خلال نصف عقد والتي ستدفع بهما إلى الأمام. وحالياً، اكتملت الصفقة من الناحية العملية، بما في ذلك البنى التحتية الخاصة بالتصدير وترتيبات التسويق وإدارة العائدات شبه التلقائية التي من شأنها أن تسمح لـ "حكومة إقليم كردستان" بدفع مستحقاتها لمقاولي النفط. وكلّ ما يحتاج إليه الطرفان في هذه المرحلة هو القليل من الإرادة الحسنة لتفعيل الاتفاق. وحيث أنّ المشاكل الأخرى التي يتخبط فيها العراق لا تقلّ أهمية، لا سيما استخدام الحكومة المتزايد للميليشيات الشيعية في حربها ضد التمرد، إلا أن القضية العالقة بين بغداد وكردستان هي إحدى المجالات التي باستطاعة الحكومة الأمريكية المساعدة في تقديم حل لها في الوقت الحالي.

لقد أضحى إحياء هذه الصفقة اليوم أهمّ من أي وقت مضى، وعلى الدبلوماسيين الأمريكيين أن يجعلوا منها أولوية ملحة في الوقت الذي يسعون فيه إلى البناء على منجزات الانتخابات وتعزيز حكومة مستقرة يمكنها أن تحسن إمكانية إحلال الاستقرار في العراق. إن اتفاق تصدير واقتسام عائدات النفط يمهد الطريق أمام مشاركة الأكراد في الحكومة العراقية المقبلة، وهناك حاجة إليه بغض النظر عما إذا كان رئيس الوزراء المقبل هو المالكي أو شخص آخر. ويمكن للتسويات السياسية، إلى جانب التوصل إلى اتفاق نفطي سليم، أن يمنعوا أربيل من اللعب بفكرة الحصول على استقلالها ويسمحوا للفصائل العراقية بالتركيز على إعادة بناء الوحدة والهدوء والطمأنينة النسبية التي شوهدت قبل انتخابات عام 2010 وتصاعد الإرهاب في غرب البلاد.

* مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن.

http://www.washingtoninstitute.org/

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/آيار/2014 - 23/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م