مخاطر الديمقراطية الشعبوية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ليس سهلا أن تنتقل الشعوب من الاستبداد الى الديمقراطية، يحتاج الامر الى إتقان لقواعد اللعبة، مع استعداد فردي وجماعي لقبول التحول الجديد، فضلا عن الحاجة للفضاء الزمني الكافي، لكي يستوعب التغيير، وتُصنَع القواعد اللازمة لذلك، بخصوص الاستعداد لقبول الديمقراطية، لأن الامر يتعلق بدرجة الوعي، ومستوى الثقافة، والقدرة على تشذيب الفكر، وتنظيف السلوك من العادات المتطرفة العالقة في شخصية الانسان.

بمعنى أدقّ لا يمكن تحقيق ديمقراطية صحيحة من خلال الشخصية المتزمتة!، لسبب بسيط أن التزمت والتطرف، ينم عن درجة وعي متدنية، وتمسّك بقيم جامدة، وأعراف ربما لا تساعد على صنع اجواء التحرر، وهذا يؤدي بدوره، الى فشل في قبول التحوّل، بسبب التمسك بالسلوك الشعبوي المتزمت، وعدم التخلي عن العادات التي لا تتسق مع الراهن المتحوّل، وتعجز عن مواكبة مزايا ومستجدات العصر.

تحقق الامم المتقدمة قفزات مهمة في كل يوم، بحقول العلم والتقانات الحديثة، يتأتى هذا من النهج الديمقراطي السائد في تلك الامم وشعوبها ودولها، إذ يُتاح للفرد فضاء واسع من الابداع، وتوضع بدائل وخيارات لا حدود لها أمام الانسان، عكس ما يحدث لدينا في هذا الميدان، ولذلك فإننا نحتاج الى ديمقراطية حقيقية، وليست ديمقراطية شعبوية تصنعها الإغراءات أو التخويف!، فالديمقراطية الحقيقية، هي التي تأتي بالكفاءات الى مجلس النواب، وليس العكس، بمعنى أوضح عندما يكون الناخب مؤمنا ومتقنا للديمقراطية، فإنه يعي أين تكمن مصلحته، وعلى هذا الاساس يتجنب مخاطر التزمت والتطرف المنعكس عن المنحى السلوكي الشعبوي.

لهذا.. ربما وصل بعضهم الى مجلس النواب العراقي، في دورته الانتخابية الاخيرة، وهو لا يستحق ذلك، كونه يفتقر للكفاءة، وهو غير قادر على الاسهام في ادارة ملفات بناء الدولة الديمقراطية، أما أصحاب الكفاءات فإنهم مبعدون عن المناصب التي يمكن أن تبني الدولة، لأنهم يشكلون خطرا على كل من يفتقر للكفاءة، لهذا هناك عداء مستفحل ودائم، من بعض اصحاب النفوذ، ضد كل من يتحلى بكفاءة عالية، في الفكر او التخطيط والتحليل والانجاز الامثل، من هنا يعاني المتفوقون من التهميش والاقصاء، وقد يتعرضون الى التهجير، وربما التصفية في بعض الاحيان، وهذا قد يعده البعض من مخاطر الديمقراطية الشعبوية.

وعندما نلقي نظرة على الانتخابات النيابية الاخيرة التي جرت في العراق، ونجري دراسة عن النتائج التي تمخضت عنها، فإننا سنلاحظ حتما بعض الاخطاء التي رافقتها، الامر الذي ينم عن خلل في هذه الانتخابات، أفرزه المنحى الشعبوي للناخب، أو بمعنى أوضح، عدم قدرة الناخب على اختيار من يصلح فعلا لتمثيله في مجلس النواب، إذ تحكمت في عملية الاقتراع أمور عديدة، وتدخلت فيها ظروف كثيرة، ولعل الفوائد الآنية البخسة التي فضّلها الناخب، مقابل فقدانه للفرصة الستراتيجية لبناء الدولة، تقف في مقدمة الأسباب التي تقف وراء الخلل الذي رافق الانتخابات الاخيرة، وهذا التمسك بالمنافع الآنية الرخيصة مقابل خسارة الهدف الاكبر، دليل قاطع على عدم قدرة الناخب على التعامل بصورة صحيحة مع ملف الانتخاب.

لذلك يحتاج العراقيون الى ديمقراطية حقيقية، بمقدورها بناء مؤسسات الدولة المدنية التي تحمي الحريات، وتعتمد مبدأ العدالة الاجتماعية، وتنشر حزمة القيم التي تُسهم في ترسيخ قواعد الديمقراطية الصحيحة، مثل تكافؤ الفرص، واعتماد المعايير العلمية في منح المناصب، فضلا عن المؤهلات والخبرات في هذا المجال أو ذاك، بالاضافة الى قيم التعايش، والاحترام المتبادل، واعتماد مبدأ الحوار، وتشجيع مسارات التنوع الثقافي.

خلاصة الامر، يستدعي إنضاج العملية الديمقراطية، تجنب المخاطر التي قد تعكسها، أو تفرزها ديمقراطية شعبوية، قائمة على قواعد مزيّفة، أو ضعيفة، تصنعها مصالح مادية متبادلة (بين بعض المعنيين او الداخلين في الميدان السياسي)، لا تضع في حساباتها أهمية بناء التجربة الديمقراطية بصورة سليمة، ولا تسعى الى بناء الدولة المدنية، بقدر ما تفضل مصالحها الآنية الفردية، على حساب حاضر ومستقبل الجميع، لذا حذارِ من الانحدار وراء المنافع الآنية، وغض البصر والبصيرة عن مخاطر النزعات ذات المنحى الديمقراطي الشعبوي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آيار/2014 - 23/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م