الشعب لايدعم التغيير

زاهر الزبيدي

 

التغيير.. كلمة سمعناها كثيراً خلال الأشهر القليلة الماضية.. تغنت بها حملاتنا الإنتخابية وأصبحت لدى بعض الكتل هاجساً قوياً بنت عليه أجنداتها الإنتخابية وجعلت منه شعاراً لحملاتها واسما لكتلها.. التغيير والإصلاح.. وعلى الرغم من عدم وجود معنى واضحاً لدينا للتغيير أو حتى للإصلاح.. فنغيير مَن وكيف ونُصلح مَن وكيف.. فحتى الكتل التي كانت في الحكومة والبرلمان كانت تدعو للتغيير والإصلاح.. فاختلط الحابل بالنابل ولم يتمكن الشعب من إدراك معنى التغيير قبل الانتخابات وحتى بعدها.

في قراءة سريعة لنتائج الإنتخابات التي أعلنتها المفوضية المستقلة للإنتخابات ولكافة المرشحين في صحف، الأربعاء، نسجل أن الكتل المهيمنة على الرئاسات الثلاث منذ عام 2003 لازالت هي الفائزة بدعم ناخبيها الذين يزيدون أو ينقصون حسب إداء الكتل والأحزاب وإنجازاتها.. ولم يظهر لنا بطل التغيير الذي كانت الأغان تصدح له قبل الصمت الإنتخابي على الرغم من أن 69 نائباً من الدورة السابقة قد حافظوا على مقاعدهم في مجلس النواب في دورته الجديدة وهذا معناه أن 78% من أعضاء البرلمان قد تغيروا كاسم وكشكل فقط، وهذا لايعني أن التغيير سيحصل ؛ لكون أغلب أولئك الذين مثلو تلك النسبة ينتمون الى ذات القوائم الكبيرة التي استحوذت على أغلب المقاعد الـ 328 في مجلس النواب في دورته الحالية وبنسبة قد تفوق الـ87% وهي ذات الكتل المسؤولة عن صنع القرارات في الدولة العراقية والتي شهد جميع أبناء الشعب العراقي طريقة صراعها المحموم على موطأ القدم في أي من السلطات وكيف أن التناحر بينهم أجبر رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان على البقاء في صراع دائم حتى حان شهر نيسان 2014 ولغاية يومنا هذا.. وكيف شهد البرلمان الصراعات وتبادل الشتائم والإستهداف بالأحذية!

أما الكتل الحائزة على النسبة المتبقية والبالغة 13% تقريباً فبعضها كان قد أنشق عن كلتة أم كان برعايتها في الدورة السابقة.. المهم من كل ذلك أن الشعب العراقي قد ألف الوجوه الموجودة وجعل منه قدراً محتوماً عليه مواجهته فمنهم من برر إختياره " بإختيار أحسن السيئين " أو على مبدأ " الشر الذي تعرفه خير من الخير الذي لا تعرفه " أو "الخوف من المجهول" الذي قد يجلبه إختيار وجود جديدة ودعم قوائم صغيرة ظهرت مسمياتها لأول مرة إذا ما فشلت تلك القوائم في إدارة البلد وهو يعيش أزمته الدائمة وحربه المستعرة مع الإرهاب الذي يمثل لنا اليوم قمة التحديات ومنهم من أتبع ما يرتديه من ثوب الطائفية الذي سوف لن نتمكن من نزعه عن أجسادنا وإزاحة ظلمته عن عقولنا مالم يثبت لنا قادة الوطن أنهم ليسوا طائفيين أو أن يثبت كل من يدعي تمثله لطائفة ما، وهذا مشروع جداً في خارطة التنوع العراقي، أنه وطنيّ بما يكفي لتدفعنا ما تبقى من وطنيتنا لإنتخابه.

الشعب لا يدعم التغيير لأسباب عدة لسنا هنا في معرض الإسهاب عنها.. وإلا لكان أبناء شعبنا قد أجمعوا ودعموا بقوة القوائم الجديدة والصغيرة المختلفة التي ظهرت أسمائها وأعلنت عن مرشحيها من الكفاءات العلمية والإدارية من التكنوقراط والشخصيات التي نراها مؤهلة علمياً وسياسياً لقيادة المرحلة المقبلة أو حتى لكانت قد حصلت نسبة من التغيير تزيد عن نصف مقاعد البرلمان لتلك الكتل التي حاولت بشق الأنفس الحصول على موطئ قدم لها تحت القبة التشريعية كبداية قوية لأسس التغيير الحقيقي. ولكن يبدو أن زمننا هذا لا يحتمل التغيير بالمعنى الحقيقي له بوصول تلك الشخصيات التي تؤمن بمبدأ التعايش الذي يكفل السلم الإجتماعي التام وتدفع لتفكيك مسببات كل الأزمات في وطننا.

من جانب أخر فأكثر ما يعتقده أبناء الشعب أن التغيير المنشود في أجندات القوائم المختلفة هو لتغيير شخص واحد لطالما أتهم بكل شيء يحدث في العراق.. الديكتاتورية والتفرد بالسلطة وعدم القدرة على إدارة العلاقات الخارجية الدولية والداخلية والضعف الأمني والإقتصادي والبطالة والفقر وقصور في الخدمات وضعف في تقديم الخدمة العامة وضعف كفاءة الأداء الحكومي وعدم القدرة على إستغلال الموازنات الإستثمارية.. على الرغم من أن الحكومة كانت حكومة شراكة وطنية، على مضض، ومع كل ذلك فإئتلافه لوحده قد حصل على مايقارب الـ 25% من مقاعد البرلمان وحاز ذلك الشخص لوحده على ما نسبته 25.5% من الأصوات الصحيحة في محافظته محلقاً بنصف مليون صوت تقريباً عن أقرب أشد منافسيه، فيما تقاسم بقية النسبة عدد كبير من المرشحين من الكتل الداعية للتغيير.

فوفاءاً لمن أدلى بصوته يجب أن ينال أولئك الذين تشرفوا بثقة الشعب المناصب الرئيسية في البلد وأن نترك المجال لهم، بما منح لهم من ثقة، أن يعملوا وأن ينبري الباقون الى المعارضة السياسية لتشكيل كتلة معارضة قوية تهدف الى التصحيح وتعمل خطوة بخطوة مع من يشكل الحكومة للتغيير والتصحيح بانتظار التوقيت الحقيقي له أو أن تكون تلك المعارضة القوية الموحدة خط الشروع الحقيقي له.. فبدون قرار الشعب بالتغيير لا فائدة من كل شيء.

 فالشعب.. حتى اللحظة لايؤمن بالتغيير أو لم يصل لدرجة منح الثقة لمن هب ودب مهما كانت شهادته أو موقعه في المجتمع العراقي.. فإبن العشيرة وابن الطائفة وأبن القومية هو من سيفوز بغض النظر عن الأهلية الكاملة لمتطلبات المرحلة الحرجة من حياة الوطن وسنظل على ذلك عقود كثيرة حتى يفنى من يفنى ويظهر لنا جيل من الوطنيين يقنعنا حقاً بالتغيير ويرسم لنا ملامح وطن جديد بعيداً عن الطائفية والفئوية الضيقة يعيش ألفة وطنية متميزة تعينه على تجاوز التحديات. حفظ الله العراق.

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آيار/2014 - 23/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م