محاربة التشيع أم محاربة المبادئ الإنسانية

 

شبكة النبأ: من بين كل أحداث العنف الطائفية في العالم، نلاحظ استمرار حالة الاضطهاد والمطاردة والتصفية الجسدية للشيعة حول العالم، وبشكل مستمر وملفت لنظر المراقبين السياسيين وخبراء القانون.. ونظراً إلى المعرفة الكاملة التي وصلها هؤلاء عن التشيع، كأحد ابرز الكيانات الإسلامية في العالم، وما يحمله من مبادئ وقيم مستقاة من منبع الرسالة المحمدية، فان التساؤل يطارد الجميع.. لماذا تستمر عمليات التفجير والاغتيالات في اماكن تواجد الشيعة؟، ولماذا يطارد الشيعة ويتعرضون للضغوط النفسية في أماكن عملهم او سكنهم في المطارات، او حتى في آرائهم التي يطرحونها عبر وسائل الاعلام ومن خلال الكتاب..؟.  

بدايةً؛ يجدر بنا توضيح مسألة تتعلق بالتغطية الإعلامية لمحاربة الشيعة والتشيع في العالم، فيبدو هنالك اتفاق غير مكتوب على افتراض وجود "حرب طائفية" بين الشيعة ومناوئيهم، وما أحداث العنف الدموية وسقوط القتلى والجرحى هنا وهناك، إلا افراز طبيعي لحالة الاقتتال الطائفي بين اتباع مذهبين، وهذا ما تسعى لتكريسه في الاذهان بعض وسائل الاعلام العربية المدعومة خليجياً، ثم الغربية وفي مقدمتها (بي – بي- سي)، لإضفاء حالة من المشروعية على ما يجري من المجازر المريعة التي يتعرض لها الشيعة في كل مكان، وهذا ما يتعارض مع الحقائق على الأرض، فالتجاوزات والاعتداءات والاتهامات تأتي من طرف واحد، متمثلاً في التيار السلفي- الوهابي، كتنظيم دولي مدعوم من السعودية وقطر.

فما الذي يخشاه السلفيون – مثلاً- او غيرهم من الوجود الشيعي في هذا البلد او ذاك، وما الذي يخسروه اذا كان هنالك حضور للشيعة في الساحة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..؟ وبالمناسبة؛ فقد طرح هذا السؤال الجريء، مقدم برنامج تلفزيوني على ضيفه السلفي عن الوضع في البحرين، وتساءل عن الذي يخسروه فيما اذا جرت انتخابات في اجواء ديمقراطية وفاز الشيعة باغلبية المقاعد، كونهم الاكثرية..؟ فكان الصمت هو الجواب.

والحقيقة؛ ان هناك الكثير مما لا يمكن الطرف المقابل التحدث عنه خوفاً من الفضيحة واتضاح الثغرات العديدة في العقيدة والثقافة والفكر الذي يحملوه.. فأول ما يتحدث عنه الشيعة في محافلهم ومجالسهم؛ الحرية والكرامة الإنسانية، فالحرية للتعبير والمعتقد والتفكير للوصول إلى الحقائق وتقبلها دونما إكراه، إنما بمحض الإرادة. وايضاً تحقيق الكرامة الإنسانية من خلال تحكيم القيم الأخلاقية والإنسانية، من خلال التربية والتنشئة على التعاون والتكافل والتعايش والتسامح وغيرها من الفضائل.. نظرة واحدة على الأوضاع الاجتماعية في البلاد التي تعيش تحت وطأة النهج السلفي – الوهابي، ومنها السعودية، وكيف يتعرض الإنسان هناك إلى المهانة والذل والتنكيل من اجل ان يصبح مسلماً حقيقياً حسب المواصفات التي يريدونها..!. وهذا ما لا يوجد عند الشيعة بتاتاً، فلا أحكام بالجلد والتنكيل وتشويه سمعة الانسان لأسباب تافهة، وهي الحقيقة التي توصل اليها العديد من المسؤولين في البلاد التي يقطنها الشيعة، كما وصلت ايضاً إلى نسبة لا بأس بها من المسلمين في العالم الاسلامي، بل إلى جميع سكان العالم، وهذا تحديداً يجعل الطرف المقابل يندفع سريعاً نحو حافة الهاوية، لذا لن يجد سوى الضرب بكل قسوة ووحشية لتفادي السقوط. ومن أبرز الاسلحة التي يشهرونها بوجه الشيعة والتشيع، هو "التكفير" للتمهيد لعملياتهم الإرهابية واعطائها المسوّغ والشرعية امام الرأي العام الاسلامي.

وفي أي مكان تكون الفرصة مؤاتية اكثر لتوجيه الاعتداءات ضد الشيعة، لن يتوانى الطرف المقابل من التحرك وتنفيذ عملياته الإرهابية والإجرامية، ولعل أكثر الساحات هشاشة لدى الشيعة هو باكستان، حيث تحولت إلى اكبر فرصة للإيغال في سفك الدماء وممارسة الضغوط النفسية لتحجيم الوجود الشيعي إلى أقل ما يمكن. فلا تبرح الايام والاشهر تمضي إلا وتشهد باكستان اعتداءً ارهابياً بتفجير حزام ناسف او عبوة متفجرة او غير ذلك تستهدف المساجد والحسينيات واماكن تواجد الشيعة، ابرزها ما حصل في "المسجد الحيدري" في الرابع من آيار عام 2004عندما اقتحم ارهابي – انتحاري بحزام ناسف جموع المصلين، أودى بحياة حوالي (45) شهيداً وعدداً كبيراً من الجرحى، وما يزال الباكستانيون يستذكرون كل عام هذه المجزرة المريعة.

ان العنف والتكفير يمثل بالحقيقة، السلاح الوحيد بحدّين، يحمله التيار السلفي – الوهابي لمواجهة الوجود الشيعي في المنقطة وفي العالم أجمع.. فقد وصلت التعبئة الطائفية الى الشرق الأقصى، حيث ماليزيا واندونيسيا، فهنالك حوالي (300) ألف مواطن شيعي في ماليزيا يتعرضون للمضايقات والاستفزازات بسبب عقيدتهم، رغم كفالة الدستور لحرية الدين والمعتقد، بيد ان هنالك جهات اخرى تضغط بالاتجاه المعاكس، متمثلة بـ "المجلس الوطني للافتاء" مخولة باصدار قوانين طائفية من شأنها التضييق على الشيعة ومحاربة شعائرهم وعقيدتهم، والترويج على أنهم خارجين عن الدين.. وقد تمكن هذا المجلس المدعوم خليجياً، من تطبيق حظر الانتماء إلى التشيع في (11) ولاية بماليزيا من أصل (14) ولاية.

فما هي التهمة التي على اساسها يتم اعتقال الشيعة في ماليزيا..؟

حيازة كتب حول العقائد الشيعية. فخلال عملية اعتقال ثلاثة اشخاص في تشرين الاول عام 2013. وجهت المحكمة تهماً تتضمن حيازة لافتة تحمل أسماء الأئمة الاثني عشر، و(103) نسخة من كتاب "الحوار الشيعي- السني"، وكتاب بعنوان "دموع كربلاء"!!.

وذكرت مصادر اعلامية أن في 28 أيلول 2013 جرت عملية اقتحام للمركز الاسلامي الشيعي في "سيلانغور". وقد قامت السلطات الدينية بمصادرة ممتلكات، وكمية من المال مخصص كتبرعات لليتامى وكذلك مصادرة مواد ثمينة تعود الى الشيعة في ماليزيا.

هذه الصورة نجدها ايضاً في البحرين والسعودية وبلاد اخرى، ربما بأشكال وصور مختلفة، الامر الذي أثار لدى بعض الاوساط الثقافية الشيعية التفكير في طريقة الخروج من هذه الدوامة، و وضع حد لهذه  التجاوزات والانتهاكات السافرة، من خلال الاعتماد على القوة  السياسية وايجاد نوع من "توازن الرعب الطائفي" – إن صحّ التعبير- وهذا ما نلاحظه جلياً في كل من العراق ولبنان وسوريا. بيد ان المعنيين في الوسط الشيعي، لا يعدون هذا المسلك هو الأجدى والأنجع لمواجهة فيروس الطائفية، لأن مواجهة التكفيريين والإرهابيين بنفس السلاح الذي يحملونه، وهو الدعم المالي والسياسي، يعني خوض مواجهة مكشوفة بين جبهتين متقاتلتين، وكل ما يراق من دماء ويحصل من دمار فهو مبرر بالتأكيد أمام الرأي العام العالمي، فكل جهة تقاتل لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية للجهة التي تقف في الخطوط الخلفية، وهي آمنة مطمئنة لا تضلها شظايا الحرب ولا دخان النيران.

لنلاحظ التعبئة الاعلامية المكثفة لعديد القنوات الفضائية والصحف والمجلات والاصدارات، فضلاً عن مواقع الانترنت، التي تدعمها السعودية وقطر تحديداً وبمليارات الدولارات، فهي لا تتحدث عن مسائل عقائدية بين السنة والشيعة، او ان هذا يؤمن بهذا المبدأ وذاك يخالف هذا الحكم، او يقرأ النص الشرعي بهذه الطريقة او تلك.. إنما التركيز على الولاءات السياسية والحروب بالنيابة، طبعاً ما تتحدث عنه وسائل الاعلام هذه، هو بالحقيقة محاولة فاشلة لإخفاء حقيقة الدعم المفضوح والكبير للدولتين للجماعات التكفيرية والارهابية في الدول الثلاث، وايضاً ينحسب الامر على اليمن ومصر ودول الخليج وبلاد اسلامية اخرى.

بمعنى أن ساحة المواجهة المفترضة للشيعة ليست طائفية – سياسية، إنما فكرية – ثقافية، فالسلاح الذي لا تتمكن المليارات والضغوطات السياسية وأي قوة اخرى مواجهته، هو "الحقيقة". فحقائق الدين والتاريخ من شأنها ان تضيء للجميع طريق التوصل الى السلم الأهلي وتكشف لهم بشكل مذهل، إمكانية التعايش والحوار وحقن الدماء، كما هي قادرة على لجم الافواه المعاندة والمتطرفة التي انتهجت سبيل التكفير والإلغاء الى الأبد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آيار/2014 - 21/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م