مشروع "فينكس" لاعادة احتلال ليبيا

ليبيا تشهد إرتداد ثورات الربيع العربي

جاسم محمد

 

اعلن، عقيد في الجيش الليبي في بيان متلفز تلاه "باسم الجيش" يوم 17 مايو 2014"تجميد" عمل المؤتمر الوطني العام، اعلى سلطة في البلاد. وفي بيان تلاه عبر قناتين تلفزيونيتين خاصتين قال العقيد مختار فرنانة، الذي قدم على انه آمر الشرطة العسكرية في الجيش، "نحن ابناء ليبيا المنتمين اليها دون سواها، من منتسبي جيشنا وثوارها، نعلن (..) تجميد عمل المؤتمر الوطني العام وكف يده عن ممارسة اي اعمال او تصرفات تتعلق بسيادة الدولة وتشريعاتها واداراتها". اللواء المتقاعد خليفة حفتر بدأ في التمدد وكسب بعض العسكريين في صفوف قواته، بعد انضمام عدد كبير من ضباط سلاح الجو بقاعدة بنينا الجوية العسكرية في بنغازي ومشاركتهم معه في الهجوم على الإسلاميين.

كشف مصدر أمني تونسي مطلع شهر مايو 2014 النقاب عن أن عددا من أفراد البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية المعتمدة في العاصمة الليبية وصلوا في وقت سابق الى تونس، في عملية “نزوح” أثارت جملة من التساؤلات حول أسبابها، ومغزى توقيتها الذي ترافق مع أنباء متواترة حول استعداد واشنطن لتفعيل برنامج “فينكس” لاصطياد رموز “القاعدة” في ليبيا. وربط مراقبون تلك التحركات بالزيارة المفاجئة لمساعد وزير الخارجية الأميركي ويليام بيرنز لليبيا في 24 أبريل 2014، وبالزيارة المُشتركة لوزيري خارجية فرنسا لوران فابيوس، والمانيا فرانك فالتر شتاينماير لتونس التي تزامنت مع زيارة مماثلة لمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق آن باترسون.

الحرب الاهلية

يخيم شبح الحرب الاهلية على ليبيا حيث تفرض الميليشيات المسلحة نفوذها وتحول دون بناء دولة مستقرة بعد مرور سنتين على سقوط نظام معمر القذافي في اكتوبر 2011. إن الثوار السابقين الذين قاتلوا النظام السابق، اصبحوا بعد بضعة اشهر مصدر تهديد للأمن في البلاد. فبعد ان استلم الثوار السابقين مهمة امن المنشئات ومخازن الاسلحة في اعقاب سقوط القذافي، تحولت هذه الأسلحة الى حساب تلك الميليشيات أكثر من الحكومة الانتقالية.

دمجت الحكومة المجموعات المسلحة، في وزارة الدفاع والداخلية، لتتحول الى تحد كبير في وجه الحكومة الانتقالية، كون هذه المجموعات مرتبطة بمرجعياتها التنظيمية وغير منضبطة، مما عملت على نشر الفوضى. وانتشرت عمليات الخطف والاغتيالات أطالت رئيس الحكومة زيدان في 10 أكتوبر 2013 ثم خطف رئيس المخابرات الليبية، بالاضافة الى عمليات اغتيال ممنهجة ضد العسكر، هذه الاغتيالات ممكن ادراجها ضمن تصفية حسابات والصراع على السلطة. فباتت الحكومة الانتقالية تعاني من فشل حقيقي أبرزها في شرق ليبيا ـ بنغازي التي شهدت مقتل السفير الأميركي سبتمبر 2012.

الجماعات القاعدية

يعود تشكيل الجماعات الإسلامية في ليبيا وشمال افريقيا ـ المغرب العربي، الى بداية التسعينيات، عندما التحق عدد من الليبيين للقتال ضمن تنظيم القاعدة في افغانستان، وليحتلوا الخط الاول في قيادة التنظيم. كذلك يمثل الليبيين قوة ومصادر بشرية اكثر من غيرهم في سيناء وسوريا والعراق وافريقيا مالي ونايجيريا. وقد ظهرت قوة تلك المجموعات في إستعراض امكانياتها القتالية للاطاحة بالقذافي بدعم الناتو 2011. ويعتبر عام 2007، نقطة تحول في المجموعات الجهادية في ليبيا، بعد إعلانها البيعة الى تنظيم القاعدة وزعيمها آنذاك، بن لادن. ليكون فرع القاعدة في ليبيا، التنظيم الثاني في شمال افريقيا بعد الجماعة "الجهادية" في الجزائر، التي اعلنت مبايعتها للقاعدة في يناير2007. وهنالك معسكرات تدريب الى التنظيمات الجهادية، في المناطق الصحراوية النائية التي تغيب فيها سيطرة الحكومات وباتت تهدد فرنسا في مالي ودول الناتو. ويعتبر معسكر او قاعدة الوطية الجوية، غرب ليبيا، احد المعسكرات الرئيسية لتنظيمات وفروع القاعدة في شمال افريقيا، كذلك معسكرات مصراته وبنغازي والجبل الاخضر.

بدأت جماعات جهادية جديدة في الظهور، بعد القذافي، أبرز هذه الجماعات هي أنصار الشريعة في بنغازي بقيادة محمد زهاوي، التي تتمتع بعلاقات مع السلفية الجهادية في ليبيا والتي تمثل جماعة ظل أنصار الشريعة في درنة بقيادة أبو سفيان بن قومو، احد سجناء معتقل غوانتنامو سابقا. وهي تنظيم دعوي اجتماعي مسلح يهدف لتحكيم الشريعة الإسلامية في ليبيا و تأسس في مايو 2012. بعد الأنفصال عن سرايا "راف الله سحاتي "التي شاركت في تأسيسها. ووفقا الى الباحث هارون يزلن ـ معهد واشنطن، فأنه لا يعرف الكثير عن هيكلية التنظيم. ويعتبر محمد علي الزهاوي قائدا للتنظيم، وناصر الطرشاني رئيسا للجنة الشرعية. ويتلك التنظيم، جناح عسكري تحت اسم "الدوريات" تنتشر اكثر في بنغازي.

برنامج "فينكس"

وكان برنامج "فينكس" قد عاد الى واجهة الأحداث بقوة عندما تمكنت وحدة من القوات الخاصة الأميركية من القاء القبض على القيادي في تنظيم “القاعدة” نزيه عبدالحميد الرقعي المعروف بإسم “أبو أنس الليبي” وسط العاصمة الليبية طرابلس خلال شهر فبراير 2014. أعلنت القوات الخاصة الأمريكية في أكتوبر 2013، بانها القت القبض على أبو انس الليبي القيادي في تنظيم القاعدة والمطلوب للولايات المتحدة لدوره في التفجيرين اللذين استهدفا سفارتيها في نيروبي ودار السلام في 1998. العملية نفذتها قوة من كوماندوز البجرية الاميركية. الاسم الحقيقي الى أبو انس هو نزيه عبد الحميد نبيه الراجعي ـ 49 عاما ـ كان ينتمي الى "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة" قبل أن ينضم الى تنظيم القاعدة. ويعتبر من كبار المطلوبين الذين يلاحقهم مكتب التحقيقات الفدرالي"اف بي آي" الذي عرض مكافأة بقيمة خمسة ملايين دولار لمن يساعد في القاء القبض عليه. ويتهمه القضاء الأميركي لدوره في تفجيري تنزانيا وكينيا في 1998، وتم نقله الى الولايات المتحدة.

"الجهاديون" يسيطرون على الحكومة

كشفت الأهرام العربى" عن وجود اربعة عشر من قيادات تنظيم القاعدة في ليبيا، بعضهم أصبح في مواقع مهمة بالدولة الليبية الجديدة. إن الحكومة الليبية مازالت تعتمد على تلك التنظيمات الاسلاموية الجهادية في بسط الأمن، وتتكون غالبية هذه الجماعات من تيارات متباينة يغلب عليها التيار الجهادي، ويحظون بمناصب متقدمة في الحكومة. تشهد طرابلس ومصراته ومدن ليبية اخرى مواجهات مسلحة مناطقية بين فترة واخرى. وتثير هذه المواجهات مخاوف من اندلاع حرب اهلية في بلاد توجد فيها عدة ميليشيات على اساس مناطقي مثل مجموعة مصراتة او على اساس ايديولوجي مثل انصار الشريعة.

ميليشيات ليبية

يصل عدد الليبيين المسجلين في عشرات الميليشيات التي تخضع لسيطرة الدولة شكليا الى أكثر من 225 الفا. ويحصل هؤلاء على رواتب من الحكومة لكنهم يتصرفون باستقلالية ويتلقون الأوامر من القادة المحليين أو من الزعماء السياسيين الموالين لهم ويرفضون حملات لتجنيدهم في صفوف قوات الأمن.

وفي الشرق تتمركز قوة درع ليبيا وميليشيات إسلامية تضم مقاتلين مناهضين للقذافي في المناطق الساحلية الليبية بينما يتحصن قادتهم في مدينة مصراتة في قاعدة معيتيقة الجوية. وتسيطر ميليشيات الزنتان القبلية القوية وهي جزء من اتحاد لجماعات معظمها بدوية في عمق الصحراء على منطقة حول مطار طرابلس الدولي. وتعكس الخصومة بين الميليشيات في ليبيا صراعا في داخل الحكومة الليبية الهشة حيث يسيطر الاتحاد القبلي المدني على وزارة الدفاع بينما تتبع قوة درع ليبيا ذات التوجه الاسلامي وزارة الداخلية.

تمدد القاعدة في أفريقيا

الفوضى في ليبيا تعكس بتداعياتها على دعم التنظيمات "الجهادية" لغرض التوسع والتمدد في المنطقة مستغلة الترابط الجغرافي في المنطقة، خاصة في اعقاب تصاعد خطاب بوكو حرام في نايجيريا بعد حادثة اختطاف الفتيات في ابريل 2014. التداعيات ايضا تأتي مع ختام مؤتمر باريس يوم 18 مايو 2014. قمة باريس طرحت خطة تنص على تنسيق استخباراتي واشراف مركزي على الوسائل ومراقبة للحدود وتسيير دوريات. وتعزيز التنسيق والتعاون الاستخباري.

إن الترابط الحدودي الموجود مابين دول المغرب الإسلامي مع غرب إفريقيا بدون وجود موانع طبيعي مثل البحار والمحيطات سهل الكثير من القيادات في المغرب السلامي بالتسرب الى نايجيريا عبر النيجر والى مالي عبر الحدود الجزائرية وذات الشيء ينطبق على موريتانيا مع دولة مالي. لتكون غرب افريقيا خاصة نايجيريا ومالي اكثر من حديقة جهادية خلفية، تستقطب القيادات القاعدية خاصة المنشقة عن المغرب الإسلامي. إن ظهور القاعدة خلال السنوات الاخيرة في منطقة غرب افريقيا وشمال افريقيا، المغرب العربي الإسلامي، تثير مخاوف الدول الغربية وتهدد أمن المنطقة، منها فرنسا بسبب ماتمثله غرب أفريقيا وافريقيا من أهمية في مصالحها الاقتصادية والسياسية.

إن ليبيا تشهد خطر الانقسام مابعد الاطاحة بنظام القذافي، لتظهر اصوات من داخل ليبيا تطلب بالانفصال، ماعدا ذلك شهد نظام حكم الفترة الانتقالية في ليبيا الى الفوضى بسيطرة الجماعات "الجهادية" على الحكومة من خلال غرف العمليات ومن خلال تواجدهم في المؤتمر الوطني ـ البرلمان، الذي تحول الى شرعنة الى تلك التنظيمات تحت قبة المؤتمر الوطني. لايستبعد ان مايجري في ليبيا يكون قريبا من مشروع "فينكس" المطروح لإحداث التغيير في ليبيا، ومايحدث في ليبيا هو ارتداد الى "ثورات الربيع العربي" التي اعادته مصر الى ليبيا وربما دول اخرى.

* باحث في مكافحة لإرهاب والإستخبار

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/آيار/2014 - 20/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م