الثقافة تصنع الحياة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل هناك مبالغة في عنوان هذه الكلمة؟، وهل الثقافة فعلا قادرة على صنع الحياة؟، وإذا أجبنا عن ذلك بالإيجاب، ثمة سؤال آخر سيطرح نفسه، ما هو نوع الحياة التي تصنعها الثقافة؟، وما هي مواصفاتها، وما هي آليات الثقافة في صناعة الحياة؟، هذه الأسئلة التي تبدو عبارة عن سلسلة مترابطة، أحدها يقود الى الآخر، تحتاج الى إجابة نستلّها من واقع حياتنا الفعلي الذي نعيشه، حتى نستطيع أن نطبّق استنتاجاتنا الواقعية، على حياتنا الفعلية التي نعيش تفاصيلها بصورة يومية.

إن الثقافة وفق المفهوم المتعارف لها، تعد من أهم الوسائل المعتمدة لتحسين نوع الحياة، ودرجة كمالها في الشكل والمضمون، بمعنى أوضح، ثمة دور كبير للثقافة يُسهم في تحسين حياة الانسان، على الصعيدين الخارجي والداخلي، ويشمل الجانب الخارجي كل ما يتعلق بالشكل، كالملابس مثلا، أو ديكور البيت، وتصميم غرفة النوم، والنظام الغذائي، وكيفية تعامل الانسان مع النظافة، وغير ذلك مما يتعلق بالجانب المرئي من حياة الانسان، أما الجانب الداخلي فهو المضمون الفكري للانسان، وكل ما يتعلق بالذات وسماتها وصفاتها، وما ينعكس من ذلك على طبيعة سلوك الانسان وتفكيره.

لذلك يعتقد علماء الاجتماع، أن النمط الثقافي للمجتمع، هو الذي يتحكم بدرجة تحسين الحياة للمجتمع، وأن التحسن سوف يكون شاملا، إذا تدخلت الثقافة المجتمعية الشاملة في صناعة الحياة، وليس الثقافة الفردية التي قد تتوفر للبعض ويُحرم منها الاخرون، أو الاغلبية التي قد تُحرم من التعليم والتثقيف والوعي المتميز، لاسباب تتعلق بالظروف السياسية، والفشل الحكومي في ادارة المال العام وما شابه.

بهذا المعنى يمكن للثقافة أن تصنع عائلة مثقفة، من خلال رب العائلة المثقف، وسعيه الى زرع نمط ثقافي متطور في سلوك وتفكير افراد عائلته، اذن فالثقافة لها دور اساسي في زيادة وعي العائلة، وطالما تمثل مؤسسة العائلة صورة مصغرة للمجتمع، فهذا يعني، كلما تزايد عدد العوائل المتعلمة المثقفة الواعية، كلما اقترب المجتمع من صنع الحياة التي تليق بكرامة الانسان، وحقه في العيش بحرية ورفاهية واستقرار، مع توافر اشتراطات الابداع في مجالات الحياة كافة، فأينما تواجدت الثقافة بفعلها وتأثيرها وعمقها المعروف، يتواجد الوعي، ومن ثم يتواجد المستوى العالي للتفكير، والقدرة على تحسين الانسان لحياته، من خلال ابتكار الافكار الفاعلة، القادرة على رفع مستوى ونوع حياة الانسان نحو الافضل.

هكذا يمكن للثقافة ان تكون عاملا أساسيا لصناعة الحياة، ولكن يتطلب هذا الأمر، كي يتحقق على ارض الواقع، آليات عملية فعلية، لتحويل الأفكار الثقافية الى منتج فعلي عملي، يسهم بصورة حقيقية في تطوير الحياة، هذه الخطوات والآليات، تستدعي تكاتفا شعبيا اجتماعيا مسنودا بخطط تنموية حكومية وأهلية، أي لابد أن يشترك الجهد الحكومي في نشر الثقافية بصورة منتظمة وفاعلة ومخطط لها مسبقا، بالاضافة الى دور المنظمات الثقافية الاهلية، الداخلية والخارجية المستقلة، وقدرتها على تفعيل أنماط ثقافية مبتكرة، يمكنها ان تُسهم بقوة في صناعة حياة أفضل وأجمل.

لابد في الختام، التأكيد على أهمية مواصفات البيئة التي تحتضن الانسان، وما تنطوي عليه هذه البيئة من مسارات مهمة ومتعددة للثقافة، ودوره النمط الثقافي في تحسين بيئة الانسان، ومن ثم نقله الى واقع معيشي أفضل وأحسن، وبذلك تتوافر له في ظل صناعة الحياة اللائقة، فرص كثيرة للتطور والابتكار، وسوف يحدث هذا كنتيجة حتمية لدور الثقافة، في رفع مستوى فكر الانسان وعمله وفعله، وكل هذا يؤدي الى صناعة حياة تحفظ كرامة الانسان ومكانته.

لذلك لابد من السعي المبرمج في هذا الاتجاه، وليس العشوائي، حتى لا تضيع الجهود سدى، وهنا يأتي دور التخطيط المسبق، من لدن لجان وخبراء لهم تخصص وقدرة على تفعيل الميدان الثقافي، وتحقيق قفزة مجتمعية لتحسين الحياة، يشترك فيها جهد المؤسسات الثقافية والتعليمية والتربوية، وكذلك مراكز الدراسات والبحوث والاستبيانات، من اجل معرفة دقيقة، لقدرة الثقافة على صناعة الحياة وتحسينها، واتخاذ الخطوات العملية لنشر الثقافة على نحو دائم ومتواصل، ولابد أن يتقدم الجهد الحكومي في هذا المضمار، من حيث التمويل والتخطيط والتنفيذ الدقيق، من اجل تحقيق نتائج متميزة، تصب في مسار صناعة الحياة الأفضل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/آيار/2014 - 19/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م