بين السياسة الإسلامية والإسلام السياسي

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ثمة فوارق شاسعة بين سياسة الاسلام، والاسلام السياسي، هذه الفوارق أفرزتها التجارب التاريخية والراهنة، لتؤكد للجميع، أن سياسة الاسلام تحتكم الى منظومة من القيم والتعاليم السمحاء التي جاءت بها البعثة النبوية الشريفة، لتغير واقع حال المجتمع الجاهلي في الجزيرة العربية، من الظلام الى النور، استنادا الى العدل والمساواة ونشر روح التعاون والتسامح والتكافل وحفظ حقوق الآخرين، هذه هي السياسة الاسلامية، تقوم على قواعد واسس الانصاف، فلا غبن لأحد فيها، فردا كان او جماعة، والدليل القاطع على ذلك، المبادئ السياسية التي قامت عليها السياسة الاسلامية في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، عندما قدم درسا للانسانية جمعاء، في اعتماد سياسة العدل ومراعاة الكل من دون استثناء.

بينما يرى البعض ان ما يسمى بـ الاسلام السياسي في بعض تجاربه الاخيرة، رهين الفوضى، وغياب التخطيط والاهداف معا، بسبب الانشغال بالفوائد الآنية الحزبية او الفردية، لذلك لا توجد عدالة اجتماعية، وليس هناك اعتماد لمعيار الانصاف، فيحدث الغبن الكبير والظلم وانتفاء العدل بين افراد المجتمع الواحد، حيث الفقر ينتشر مع الجهل والجوع، ويتم تكديس الثروة بأيدي القلة من الطبقة الحاكمة، فيما النسبة الساحقة من الشعب تبقى رهن السياسة الفاشلة.

لهذا يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (اذا قام الاسلام في العراق)، حول هذا الموضوع: إن (الحكم الذي لا يقوم على ولاء الشعب يفقد مقومات البقاء).

ويؤكد سماحته، على حيوية تعاليم الاسلام والقواعد التربوية الاجتماعية السياسية التي ينبغي معرفتها بدقة، ثم الالتزام بها، كونها السبيل الى اعتماد السياسة العادلة والناجحة والقادرة على انقاذ المجتمع، من السياسات القائمة على العشوائية والطيش والمراهقة السياسية التي تدفع بعض دعاة الاسلام السياسي الى الصراع على السلطة والمال بعيدا عن قواعد وأطر السياسة الاسلامية.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه على: (أن كل قوانين الإسلام حيوية، حيث إنها دساتير من قبل إله قدير، رحيم حكيم، محيط بكل الزوايا والخصوصيات الفردية والاجتماعية، النفسية والجسمية، الحالية والمستقبلية).

ماذا تحتاج الدولة؟

من الاسس الجوهرية لبناء الدولة، اعتماد سياسة قائمة على العدالة والانصاف وتكافؤ الفرص وما شابه، وفقا لدستور دائم مستفتى عليه من لدن الشعب، حتى يتحقق التآزر الشعبي لبناء الدولة، خلاف ذلك لا يمكن أن تكون هناك دولة بالمفهوم الحديث لها، بمعنى اذا كان القادة السياسيون عاجزين عن ادارة شؤون الدولة، بسبب ابتعادهم عن قيم ومبادئ وقواعد السياسة الاسلامية الصحيحة، لذا ينبغي مؤازرة الدولة شعبيا، من خلال السياسة الصحيحة المنصفة.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب في كتابه نفسه: (إن الدولة تحتاج إلى أكثر قدر من الالتفاف الشعبي والشرعي حولها ومعاونتها والدفاع عنها.. فإذا لم يتحقق ذلك كانت في طريق الزوال).

كذلك لابد من الاعتدال في ادارة شؤون المجتمع والدولة كافة، واعتماد سياسة التسامح والعفو من اجل كسب اكبر قدر من الناس لمساندة الحكومة وبناء الدولة، كما يؤكد على ذلك الامام الشيرازي في قوله: (إن الرسول صلى الله علية وآله، لم يقتل حتى قاتل عمه حمزة وقاتل بنته زينب وحفيده ـ في قصتين مشهورتين ـ وكذلك الإمام علي عليه السلام عفا عن مجرمي الحرب الذين تم أسرهم في حروبه الثلاثة، أليس في ذلك أكبر العبر وأعظم الدروس للذين يريدون النهضة بالإسلام؟).

وطالما يكون السياسيون بعيدين عن جوهر السياسية الاسلامية، فإن النتائج ستكون عبارة عن مزيد من المشاكل والفساد، واهتزاز أسس الدولة وضعف المؤسسات، وفقدان ثقة الشعب بها، لهذا ينبغي اعتماد السياسة الحكيمة التي تختلف عن بعض اساليب ما يسمى بـ الاسلام السياسي، إذ يعلن هؤلاء تمسكهم بالاسلام ومبادئه الانسانية قولا، لكن افعالهم تختلف كثيرا كما يشير الواقع.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه على: (أن ما نراه اليوم من كثرة المشاكل وزيادة الفساد في كثير من البلاد الإسلامية، سببه ترك القوانين الإسلامية وكبت حريات الناس والظلم الكثير وما إلى ذلك). وهكذا ستسير الامور نحو الانحدار، والسبب دائما، فشل في تطبيق مبادئ العدالة والانصاف بين افراد ومكونات الشعب.

سقوط الحكام المستبدين

عندما تبتعد سياسة الحاكم عن المثل والقواعد الاساسية، للعدل والانصاف، فإن الصوت المعارض سوف يكون حاضرا حتما، واذا لجأ الحاكم الى اسلوب الاستبداد، ولوّث يده بالدم، من خلال قتل المعارضين، فإن هذا الفعل يعد بمثابة المسمار الاخير في نعش السلطة والحاكم المستبد، لسبب واضح، أن سياسة الاسلام ترفض سفك دماء الناس تحت أي مبرر كان، فالرأي في الاسلام مكفول، والحرية كذلك، فلا إكراه في الدين، هذه هي سياسة الاسلام الواضحة، أما الاسلام السياسي فهو يختلف بطبيعة الحال عن السياسة الاسلامية، كونه لا يلتزم بمبادئ الاسلام الاساسية، والحاكم من هذا النوع سوف يلجأ الى إزهاق أرواح الناس المعارضين له، كما تؤكد الوقائع والاحداث التاريخية ايضا، الامر الذي يسرّع في نهايته.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع بكتابه نفسه: إن (سقوط الحاكم المتلوثة يده بدماء شعبه يبدأ من جرائم متناثرة.. فقتل هنا وقتل هناك وهكذا تتراكم حتى يسقط الحكم).

لذلك لابد من اعتماد القيم الاسلامية والقواعد التي حكم وفقا لها الاسلام، فبنى اعظم دولة في التاريخ، ومن اهم تلك القواعد (الاستشارة/ الديمقراطية)، والانتخاب، والتعددية، ونشر قيم الانصاف والعدالة، حتى يتحقق النجاح في بناء الدولة، وهكذا نلاحظ الفارق الكبير بين السياسة الاسلامية وما يسمى بـ الاسلام السياسي، من هنا على الساسة وقادة اليوم، التفريق بين السياستين، واعتماد السياسة التي تحقق نهضة حقيقية للدول الاسلامية، ليس من خلال اساليب ما يسمى بـ الاسلام السياسي، وانما اعتمادا على مبادئ السياسة الاسلامية القائمة على الحرية والانصاف والعدالة وكل القيم الجوهرية التي تنصف الانسان وتقف الى جانبه.

لذلك يقول الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه: (ينبغي على القائمين بالنهضة الإسلامية أن يحصلوا على القدرة النزيهة من النوع الاستشاري القائم على الحرية والانتخاب الحر والتعددية الحزبية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/آيار/2014 - 18/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م