حلقة نقاشية تناقش دور الربيع العربي في تفجير العنف الطائفي

 

شبكة النبأ: فتحت ثورات الربيع العربي الصندوق الذي خبأ كل الاخطار التي تنتظر انسلالها من سجنها، ومن أهمها العنف الطائفي الذي انفلت من قمقمه وابرز كل النوايا التي اخفاها الحرس القديم في اوكاره. فما هو دور الربيع العربي في تفجير العنف الطائفي؟.

هذا السؤال حاول الإجابة عليه مجموعة من الباحثين في حلقة نقاشية عقدها مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حملت عنوان (الربيع العربي والعنف الطائفي) شارك فيها الباحث حكمت البخاتي بورقة جاءت تحت عنوان (ازمتنا.. التكفير في عصر الحداثة)، والورقة الثانية قدمها الباحث علاء حميد وحملت عنوان (ثورات الربيع العربي وحرية المعتقد). وقدم حيدر الجراح مدير المركز ورقة تقديمية جاء فيها:

نحتاج الى مسائلة الربيع العربي، ونحن نشهد هذا الكم المنفلت من العنف ودعاوى التكفير.

الحاجة ملحة، وان كنا لا نستطيع تقديم حلول او اجتراح معجزات توقف هذا النزف المستمر من دمائنا، فعلى الاقل هي تلبية لأسئلة تطرح نفسها بحثا عن اجوبة.

العالم ليس كما عرفناه قبل عشر سنوات.

في 26 ايلول من العام 2006، فتح موقع الفيسبوك أبوابه أمام جميع الأفراد البالغين من العمر ثلاثة عشر عامًا فأكثر والذين لديهم عنوان بريد إليكتروني صحيح.

تغير العالم الذي بدأنا بالتعرف عليه لحظة انطلاق الفضائيات التي فارقت ما تعودنا على مشاهدته باتجاه واحد. اصبح لدينا اتجاه معاكس، ثم عدة اتجاهات.

تغير العالم الذي عرفناه وألفناه. وهذه المرة مع الفيس بوك.

الجمهور الفضائي تعود على حالة من العزلة، هكذا تشترط المشاهدة التلفزيونية. جزر منعزلة داخل المكان الواحد.

الجمهور الافتراضي، يختلف عن ذلك. انه يحاور ويقيم تواصلا مع اخرين، عبر امتداد المعمورة. لا يقبل بالبقاء منعزلا.

هذا الجمهور الافتراضي، هو من قام بالربيع العربي.

اطلق عليه الباحثون تسمية (الفاعلون الجدد) داخل المشهد السياسي والثقافي العربيين تمييزا له عن (المثقفين والاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني).

في كتابه (عصر الشبكات) يبرز ايمانويل كاستل دور الذات الفاعلة في المجتمع الشبكي، حيث يشتغل الفاعلون افرادا وجماعات، ضمن شبكات تقوم بانتاج وتداول ما اسماه القوة والتجربة، وبناء ثقافة افتراضية متجاوزة حدود المكان والزمان، ومتجاوزة في الان نفسه بنى الصراع الطبقي، كما رتبت ملامحه الكبرى الايديولوجيات الاشتراكية.

المواطن الشبكي هو الفاعلية الاجتماعية الجديدة.

في الربيع العربي، مواطنو الشبكة هم المثقفون الجدد، الذين يساهمون في تطوير الفاعلية السياسية في المجتمعات العربية.

بالمقابل، ترافق مع ظهور هذا الفاعل الجديد، عودة للمكبوت الاثني والطائفي، تحت ضغط الانتعاش الذي دفع به الى الواجهة خطاب الهويات في القلب من انتفاضات الربيع العربي.

وهو الخطاب الذي أججه الاسلام السياسي، الذي وجد فسحة كبيرة ليكون ضمن الفاعلين الجدد.

انتقل الى نقطة اخرى، اعتقد انها ساهمت في انهيار السلطة السياسية بالشكل الذي رأيناه، وهي اللغة.

اللغة الرسمية المعترف بها والمعروفة من قبل السلطات السياسية، ساهمت في الواقع بتقوية هذه السلطات. كما يرى ذلك الدكتور نسيم الخوري في كتابه الاعلام العربي وانهيار السلطات اللغوية.

وهو انهيار سبق ظهور الفيس بوك، واقتصر على وسائل الاعلام. والكتاب على اقل تقدير تم العمل عليه قبل اكثر من سنتين او ثلاث سنوات لهذا الظهور المظفر لموقع التواصل الاجتماعي الشهير.

النتيجة التي يصل اليها الباحث، هي ان القوة لا تكمن في صفات المتكلم وقدراته او على الكلام وحسب، بل هي تكمن ايضا في الموقع الاجتماعي والمؤسساتي الذي يعزز سلطة القائل. فالموقع هو الحق بالكلام الذي يصبح الكلام الحق. والموقع هو منبر او مساحة ليست لكل الناس وقد لا يرتادها العاديون. المنبر اذن هو مساحة السلطة.

اقترح مقاربة اخرى للفاعل الجديد وهو المواطن الشبكي، وهي:

المنبر أصبح منابر متعددة، والسلطة تشظت الى سلطات، واصبحت تلك المنابر يرتادها جميع الناس العاديين، مع ادواتهم اللغوية (وهي هنا اللهجة المحكية) التي تتقاطع مع اللغة الرسمية، لغة السلطة السياسية، وهي بانهيارها الاعلامي السابق، حققت انهيارا اخر أكثر تداولا من خلال الفاعلين الجدد، وهو ما ادى الى هذا الانهيار السريع للسلطة السياسية، ولعل العودة الى شعارات المنتفضين في صفحات الفيس بوك او الميادين العامة، تكشف عن العلاقة بين هذين الانهيارين.

انها مجرد مقاربة مقترحة، قد تصيب أو تخطيء.

مفهوم التكفير في العقل الاسلامي

في ورقته أصّل الباحث حكمت البخاتي لمفهوم التكفير في العقل الاسلامي، من خلال تتبعه للجذر الثقافي لهذا المفهوم، يقول حكمت البخاتي في مقدمة ورقته:

لقد كشفتنا تحديات الحداثة كمحفز خارجي على حقيقتنا كاستجابة سلبية، اوضحت تضاداتنا التي هجانا بها الغرب كراع للحداثة مرارا، وهي تضادات تعبر عن حقيقتنا عن ذاتنا في اخر مطافاتها الثقافية التي اعقبت افول نجم حضارتنا.

ويرى البخاتي، ان مايبرر مقولة الجذر الثقافي في أزمتنا هو اننا ذات تكونت على ضوء النص او وفق معطى النص، ليس بشكله اللغوي ولكن بمضمونه الذي تشكل في الفهم والإدراك من خلال العقل الاسلامي الذي كانت تركيباته الاولى او تكويناته هي (اللغوي – الكلامي – الفقهي) وهي تركيبات وان اختلفت في الترتيب لكنها تساوت او توازت في التأثير.

ويعتقد البخاتي، ان الانشطار في الوعي الاسلامي من خلال علاقته بالوحي والتاريخ، انشطرت ذاتنا ثقافيا بين الغيب والشهود، وبين الغائب والشاهد، وهو ما ادى الى يمارس العقل الاسلامي تفسيراته لكل الاشياء من حوله بمنطق الغيب حصرا.

ثم يأخذ الباحث حكمت البخاتي واحدا من العلماء المسلمين، وهو احمد بن حنبل كمثل للعقل الاسلامي، الذي صعد جماعته بالبشري الى المرتبة الإلهية، وكيف قاد ذلك الى ظهور التكفير في المدرسة التي يمثلها.

في القسم الثاني من ورقته، وعنونه (ازمتنا، انشطار ذاتنا والاحياء الهوياتي) يقول البخاتي:

لقد انتهت بنا تلك التضادات التي ترسخت في وعينا الاصولي وثقافتنا الدينية ونحن نعيش عصر الحداثة، انتهت بنا في تراكماتها الى البحث والتنقيب في ثقافتنا التجزيئية اكثر من بحثنا وقراءتنا في ذاتنا وثقافتنا الكلية العربية الاسلامية والوطنية الكلية فيما يتعلق ببلداننا بما هدد هوياتنا الاسلامية والعربية ومن ثم الوطنية تباعا، وفي تصعيدات تهديدات هذه الهويات التي كانت متداخلة ومتضامنة، بدأت الهويات الزائفة (المبتورة) بالتداخل في حياتنا، واخذت تشكل جذبا نحو ثقافات تجزيئية.

في القسم الثالث من الورقة، وهو المعنون (ازمتنا، تاريخنا وتكفيرنا) يذكر الباحث ان مصطلحات التكفير المتبادلة بين المسلمين، والتي كانت تختفي او تختزن في كتب العقائد والحديث، قد تسللت الى حلقات الدرس والمناظرة والجدل الكلامي، وقد شهدت الامة هذا التكفير وبشكل واضح في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، الذي شهد تراجعا في حركة العلم والعلماء، وتراجع دور العقل والدعوة اليه على يد المعتزلة، وتحديدا في ايام المتوكل العباسي.

ان تراجع مدرسة العقل في هذا العصر واصطفاف الدولة الى جانب مدرسة النقل؟، هو الذي سمح لسلطة فقيه النقل ان تنمو وتتسع، وتحاول ان تحكم المسار العام في الاسلام، وتؤسس منذ هذه اللحظة مفهوم التكفير كظاهرة دينية على يد فقيه النقل ومؤسسه الرسمي احمد بن حنبل، حين كان اول قائل بكفر من يقول بخلق القران، ومن لم يكفر صاحب هذه المقالة فهو في زعمه كافر، بل وحكم بكفر كل من لم يقل بقدم القران.

ويضيف البخاتي: كانت صور الانشداد الى التراث من الاقصاء والتهميش الذي ورثناه في جيناتنا الثقافية، لاسيما وان الحواضن التي نشأت فيها ثقافة الاقصاء والتهميش، هي بذاتها الحواضن التي نشأت فيها ثقافة التكفير، ولقد كانت في العراق حواضن السلطة في بغداد هي التي احتضنت التهميش في سياستها الداخلية، ثم احتضنت التكفير بعد خروجها من دوائر السلطة والحكم.

ثورات الربيع العربي وحرية المعتقد

ورقة الباحث علاء حميد والتي حملت عنوان (ثورات الربيع العربي وحرية المعتقد - استعداء الاخر الشريك)، جاء فيها:

فتحت ثورات الربيع العربي جدلا واسعا داخل المجتمعات العربية وخارجها ، فهناك من يرى فيها تخطي غير مسبوق للاستبداد والفساد السياسي الذي خرب النسيج الاجتماعي ، لكن جملة من الباحثين والمراقبين تعاملوا معها بانها فسحت المجال امام قوى الاسلام السياسي للوصول الى السلطة.

خلال ثورات الربيع العربي أعيدت أسئلة قديمة واخرى جديدة ، كشفت عن حال المجتمعات العربية والتحديات التي تواجهها حيث ظل مطلب الدولة ونمط الحياة الاجتماعية هما الابرز من بين تلك الاسئلة ، ربما ساهم تراكم البحث العلمي والعمل السياسي بشكل واضح في تحديد الاجوبة التي يحتاجها المجتمع بخصوص بناء الدولة ومضمونها السياسي ، وماذا تحتاج من مقومات سواء كانت اجتماعية أو دستورية.

ويعتقد حميد، أن اصعب تحدي واجهته المجتمعات العربية، كان في نمط الحياة الاجتماعية وما تتطلبه من حريات مدنية ، والمفارقة أن ثورات الربيع العربي خلصت تلك المجتمعات من الاستبداد السياسي ولكنها كرست الاستبداد الاجتماعي بين المكونات الاجتماعية.

ويقول الباحث: ظل مفهوم حرية المعتقد غير مكتمل المعنى في التصور العربي والاسلامي ، بسبب الاولويات التي وضعها الفكر الاسلامي منذ تأسيس مقولاته الفكرية على ضوء مخرجات أحداث الفتنة الكبرى، حيث كانت تنحصر بين مفهومين أساسيين " صفة الحاكم/العدالة ".

ثم يتحدث حميد عن كيفية ارتباط مفهوم العدالة بضرورة الحاكم والذي جاء تحت عناوين متعددة ، منها " لابد للناس من أمير كان بر او فاجر/سلطان غشوم ولافتنة تدوم " ، بينما ألحق معنى الحرية بالفوضى وغياب الاستقرار ، أثرت ثنائية الجماعة/الفرد في تعيين معنى العدالة والحرية وبالتالي ضمر مطلب حرية المعتقد.

وعن حرية المعتقد يرى حميد انه مفهوم يشير الى حرية الفرد او الجماعة في اعتناق مايعبر عن معتقداتها الدينية والمذهبية مع احترام المعتقدات الدينية للجماعات المختلفة عنها ، حرية الاعتقاد تستند الى احترام مواثيق السلم الاهلي من دساتير وطنية ومعاهدات دولية ، ثورات الربيع العربي كشفت عن ضعف احترام حرية المعتقد ، حيث عاشت الاقليات الدينية والعرقية محنة البقاء في البلدان التي عاشت فيها منذ الاف السنين.

ويستمر في شرحه قائلا: مع ثورات الربيع العربي تغير معنى الضبط الاجتماعي، سابقا كانت تتحكم فيه السلطة السياسية ثم أصبح بيد الجماعات المتطرفة التي حددت معنى الاخر في المجتمعات العربية ، الخاضع لاشتراط تلك الجماعات دينيا واجتماعيا ، لقد امسى الصراع على المجال العام توجهه قوة تلك الجماعات كونها تملك السلاح والاتباع.

وهو يرى ان مخرجات ثورات الربيع العربي وضعت المجتمعات العربية امام خيارات مغلقة لا يمكن الخلاص منها، دارت بين اعادة انتاج الاستبداد ولكن برؤية مغايرة، او استمرار الفوضى التي وضعت النسيج الاجتماعي العربي تحت طائل التدمير وازاحة الاخر الشريك الذي حمل تراث المنطقة لعقود طويلة من الحفاظ على سلامة اللغة العربية الى بذر روح المدنية الاجتماعية. كيف يمكن لنا ان نفسر رجوع مقولات عفى عليها الدهر من قبيل " الجزية ، الذميين ، دار الحرب ودار الاسلام ، تكفير المماثل المختلف مذهبيا ".

ويختم ورقته قائلا: واقع هذه الثورات لا يعطي الطمأنينة المطلوبة لإطلاق مثل هكذا جدل ، ولكن تبقى حركة التاريخ، الرهان الحاضر في إنضاج مطالب المجتمعات.

كانت هناك عدد من المداخلات حول ما قدمه الباحثان من افكار وما طرحوه من اسئلة. المداخلة الاولى كانت من مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، واستهلها بالحديث عن العراق، من خلال استذكار قول لاحد الكتاب العرب بعد العام 2003، حيث شبه ما حدث في العراق بان صندوق باندورا قد انفتح من جديد، وكأن جميع الشرور التي كانت نائمة قد انطلقت بعد هذا التاريخ، وهو ما فرض على الناس طرح سؤال عن الافضل بالنسبة لهم وهو البقاء تحت ظل الاستبداد، ام ملاقاة الفوضى والعيش معها.

ويعزو معاش حالة الفوضى، ليس في العراق وحده، بل في بلدان الربيع العربي كذلك الى مفهوم (الدولة العميقة) وهي اصحاب المصالح الذين تضررت مصالحهم نتيجة للتغيير، ويحاولون اعاقته عن التقدم، اضافة الى ان المجتمعات الهشة كثيرا ما تقع بين سندان الاستبداد ومطرقة الفوضى، مما لا يؤمن الحماية للافراد، فيلجأوون الى (العشيرة – الطائفة –الحركة – التنظيم السياسي) لتحقيق الامان لهم. وهو ما حدث في بلدان الربيع العربي، بعد ان برزت حالات الثأر والانتقام، والتي ترتبط بسلوكيات اقدم من الاسلام.

ويرى معاش، في معرض رده على الافكار التي طرحت، ان المشكلة لاتكمن في المعرفة، بل تكمن في السلطة، التي تستخدم المعرفة لتعزيز شرعيتها المغتصبة، كما حدث في التجربة الاسلامية الاولى، وهذه المعرفة في زمننا الراهن تحولت الى ايديولوجية سياسية، تبحث عن نفس الشرعية.

ويعتقد معاش، ان اوربا نفسها تعيش حالة من ازمة الهوية، تتجلى في صراعات اليمين المتطرف واليسار الاوربي.

في مداخلة اخرى، ركز محمد مصطفى معاش، مدير العلاقات العامة في مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، على مسألة ذهاب الكثيرين من الشباب العراقي، وخاصة الشيعة منهم، الى سوريا تحت ضغط فتاوى لعدد من رجال الدين الجدد، والذين يمتازون بنزعة من التطرف، وما يؤدي ذلك الى ترسيخ ظاهرة العسكرة في المجتمع العراقي بعد عودة هؤلاء الى ديارهم.

واشترك احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات في مداخلة على الاوراق التي قدمت، ورأى ان هناك عددا من المصالح الدولية، تمارس توجيها لدفة الحكم وضبط ايقاعه في الكثير من البلدان العربية. ويرى جويد، ان التفسير والتأويل للنصوص الاسلامية هو احدى الاليات التي تلجأ اليها السلطة لإسقاط الاخر المخالف لها.

وقدم الدكتور خالد العرداوي مداخلة مستفيضة، من خلال قوله ان الثقافة الغيبية التي نظّر لها الكثير من العلماء، واصبحوا متحدثين بلسانها، قد اثرت كثيرا على الثقافة العامة للمسلمين وطبعتها بطابعها، مما ادى الى تغليب الالهي على البشري.

ويرى العرداوي اننا دخلنا الى عصر الحداثة دون الاستعداد الكامل له، وكان تركيزنا قد انصب على الدولة وعلى النخبة القادرة على تشكيلها، لكن ثقافة النخبة هي ثقافة مشوهة لايمكن لها ان تكون بمستوى ما تفرضه الحداثة من تحديات، ورأينا في الربيع العربي كيف ان ثقافة الشارع فرضت نفسها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/آيار/2014 - 16/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م