الانسان في فكر علي عليه السلام

محمد يوسف العرادي

 

الإنسان ذلك الكيان المتمثل بروح وجسد، والذي طالما حاربت الشعوب بكل أطيافها وأسلحتها العقلية والجسدية من خلال البحث عن حريته، وراح المفكرون ينظّرون من اجله لينطلق في فضاء هذه الارض التي خلقت لأجله، ولكن هل تحقق لهذا الانسان حريته في عالم تغلب عليه الأنانية وحب الذات؟

 في السابق وخاصة في العصور المظلمة حين سيطرت الكنيسة على الانسان فأصبح خادما بدل ان يكون شريكا في صنع القرار، وأصبحت الكنيسة معبوده الاول والأخير فلا رأي في قبال رأي المؤسسة الدينية، وبعد سقوط المؤسسة الدينية (الكنيسة) وانتقال الإنسان لعصور النور (عصر التنوير) كما أطلق عليها مفكرو تلك الحقبة الزمنية كان للإنسان ردت الفعل التي تعكس ما عاناه من قيود في ظل الكنيسة فكان مفرطاً وممعناً في رفع كل القيود عن نفسه حتى أصبح كالبهيمة السائبة همها تقممها، فغرق في بحور الملذات غير مهتم بالنتائج.

 واستمر مسلسل البحث عن نموذج يليق بهذا الانسان فجاءت الرأسمالية والتي ادعت انها ستحقق سعادة الإنسان فنظرت له كفرد وليس كجماعة وادعت ان من خلال تحقيق سعادة الفرد ستتحقق سعادة الجميع، فدمرت الشعوب من خلال إبراز طبقات غنية أرستقراطية وأخرى فقيرة مطحونة، وبفشل هذه النظرية ظهرت الشيوعية كردة فعل والتي ادعت أيضاً تحقيق السعادة للبشرية ولكن من خلال عكس الحقائق والتركيز على الجماعة وإهمال الفرد، فأصبح الذي يعمل والذي لا يعمل سيان لا فرق بينهما، ومع فشل تلك النظريات ليس للإنسان الا البحث عن النموذج الأمثل لتحقيق طموحاته، فهل تحققت للإنسان العدالة التي طالما كان يبحث عنها؟

 وفي الواقع لم تحقق حكومة في التاريخ للإنسان ما حققته دولة أمير المؤمنين عليه السلام التي كانت مثالا عمليا لتطبيق العدالة الإنسانية وإقامة العدل والمساواة بين الرعية، َمن ِمن أصحاب النظريات والمفكرين الغربيين والشرقيين أنصف المظلوم كما أنصفه أمير المؤمنين عليه السلام حين يقول {وايم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه ولأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وإن كان كارهاً}، من تراه اليوم يطبق قول أمير المؤمنين عليه السلام {أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشارككم مكاره الدهر؟}.

 ذلك الإمام العظيم الذي ليس همه ان يشبع بطنه او يلبس أحسن الثياب وإنما همه الأول نصرة الإنسان المظلوم الذي لا طمع له في القرص وإنقاذ تلك البطون الغرثى والأكباد الحرّى، لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام منقذ الإنسانية من كل صنوف الظلم والاضطهاد، لقد كان صوت العدالة الإنسانية ومازال للعالم كله وليس للمسلمين فحسب كما كان الرسول الأعظم صل الله عليه وآله للبشرية جمعاء.

 أليس علياً عليه السلام هو القائل {الناس صنفان إما أخا لك في الدين أو نظير لك في الخلق} فقد أحبه الإنسانيون رغم تعدد مذاهبهم وأديانهم، فهذا المفكر المسيحي الكبير جورج جرداق قد أفرد سفراً عظيماً اسماه {الإمام علي صوت العدالة الإنسانية} وأختم مقالي هذا بفقرة من هذا الكتاب العظيم الذي قال فيه جورج جرداق في مقام المتسأل {هل عرفت العقل الجبار يقرر، منذ بضعة عشر قرناً، الحقيقة الاجتماعية الكبرى التي تضع حداً لأوهام لها ألف مصدر ومصدر فيعلن أنه (ما جاع فقير إلا بما مُتع به غني) ثم يردف قائلاً لتقييم هذه الحقيقة (ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/آيار/2014 - 14/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م