في اليوم العالمي للأسرة..

تحية للأسر العراقية الأصيلة

زاهر الزبيدي

 

الأسرة.. تلك المؤسسة العريقة في إنتاج الأفراد وتأهيلهم واللبنة الأساسية في تأسيس المجتمعات التي ينسب لها نجاح الحضارات أو فنائها فالأسرة هي الوحدة المكونة للحضارات الإنسانية على مر العصور فبلا أسر ناجحة في مواجهة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية المؤثرة فيها مع كل محاولات التفتيت الإجتماعي؛ لن تفلح المجتمعات الكبرى في نجاح خططها التنموية الإقتصادية بل حتى السياسية منها.

لايخفى علينا ما تعرضت له الأسر العراقية من تهديدات جسيمة أبان فترات الإستبداد والحصار الإقتصادي والحروب الطاحنة التي ذهب ضحيتها مئآت الآلاف من أربابها ومعيليهم وأبناءهم وكيف ترك أولئك الشهداء الأثر الكبير في مسيرة أسرهم بعد رحيلهم.. وما لاقته من مخاطر جسيمة جراء تردي الوضع الأمني خلال العقد الأخير مع المصاعب الإقتصادية التي واجهة الأسر التي تعاني من وقوعها تحت خط الفقر الوطني وعدم إمكانياتها في توفير مستلزمات الحياة الضرورية للبقاء بكرامة على أرض الوطن.. مع كل ذلك نرى أننا بحاجة لخطط طموحة تساعد على بناء وديمومة البناء الأسري المتكامل إجتماعياً وأقتصادياً ونفسياً للمحافظة على ديمومة النسيج الإجتماعي لأسرنا العراقية الأصيلة التي أثبت أغلبها عدم تأثرهم بالعوامل السياسية الداخلية والخارجية التي حاولت وتحاول النبيل من صمودها تجاه التحديات المصيرية التي تجابهها.

أيام تفصلنا عن الإحتفال الدولي بيوم الأسرة العالمي، والذي أقرته الأمم المتحدة ليكون في الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام، حين تهدف الأسرة الدولية من ذلك بجعله "مناسبة  للتفكير في الكيفية التي يتأثر بها أولئك الأفراد في الأسرة الواحدة بالاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية - وما الذي يمكننا القيام به لتعزيز الأسر استجابة لتلك الاتجاهات."

ربما يكون الفقر أهم التحديات التي تواجه الأسرة العراقية في الوقت الحاضر وقانون الضمان الإجتماعي لدينا لم يصل الى المستوى الذي يكفل بشكل كامل حياة الأسر التي تعاني في الفقر الكبير والذي يفرز نتاجات سلبية مؤثرة في قلب المجتمع أهمها عزوف الأطفال عن الدراسة وتلك أهم عقد المجتمعات بإنتاج عينات غير قادرة على مواجهة التحديات الثقافية التي تطال كل مفاصل الحياة ففي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على بناء مجتمعات المعرفة وتطور تقنات البناء الإجتماعي الحديث وتؤسس لحضارة مجتمعية قادرة على النهوض بالخطط التنموية الحكومية؛ نرى أننا غير بقادرين على وضع أسس الاستراتيجية الحقيقية لبناء التجانس الفكري لأبنائنا ونحن نتركهم وسط تحديات هائلة في الشارع العراقي أقلها الإنحراف الأخلاقي والتأثر السريع بالتقلبات الفكرية الهائلة والمؤلمة التي تجتاح الشارع العراقي فمثلما أفرزت العقود الأربعة الماضية آباءاً لم تكتمل لديهم الصورة الحقيقية لبناء أسر قوية منيعة ضد الفساد، تحب العلم وتتبنى سياسة رقابية قوية قادرة على أن تحييد من الإنحرافات الإخلاقية؛ حينما أخذت الحروب منهم ما أخذت ولهاثهم خلف قوت أبناءهم في فترات الحصار التي جعلت منهم آلة بشرية هدفها إدخال ما يمكن إدخاله في ميزانية الأسرة تاركين على جنب المسؤوليات الأكبر في التربية الإخلاقية الصحية.. وتلك حالة نجدها اليوم في داخل الأزقة والمحلات البغدادية.. جيوش من الأطفال بلا نظام وقتي محدد للعب أو للدراسة أنعكس سلباً على التطور العلمي لهم وهذا ما يعكسه المستو المدني للكثير من أبناءنا في المدارس وبالأخص الذكور منهم.

من جانب آخر فقد تكفل بعض التشريعات، إذا ما استقر الوضع الإقتصادي في البلد، زيادة التخصيصات التي تمنح عن طريق الرعاية الإجتماعية ولكن التهديدات المعلوماتية السلبية بحاجة الى جهد أكبر وقابليات تخصصية عالمية في مجال مكافحة الإنحلال الاخلاقي والجرائم ووجود نظام متكامل يدير المساحات الأمنية للمناطق، جهود كثيرة يجب أن تبذل من قبل كل المؤسسات الحكومية والمدنية والمراجع الدينية على إختلافها للضغط بإتجاه السير بمنهج قويم يتبع القدوات الصالحة في المجتمع.

فما ان تتمكن الحكومات من توظيف القدرات المادية من ثروات متيسرة لتحويلها الى متطلبات مجتمعية تخدم خلايا المجتمع ومفاصله؛ ستكون الغلبة لنجاح السلوك العام للمجتمع والرقي وصولاً الى إدراك الذات أو تحقيقها وهي قمة الهرم الذي أبدع في وضعه عالم النفس الأمريكي ابراهام ماسلو (1908 – 1970) في الدافعية الأنسانية Human motivation، حيث عُدِت تلك النظرية من أهم النظريات النفسية التي تعالج بشكل كبير الحاجات الإنسانية بشكل متصاعد وحتى بلوغه قمة هرمه والتي أسماها تقدير الذات.. حينها سيكون الانسان في قمة عطائه البشري وفي قمة استقراره النفسي وتحقيقه للقيم العليا.

نتسائل دائماً عن ما تنفقه دول العالم المتحضر على الاستكشاف والبحث العلمي؟ ونتسائل كثيراً عن ماتنفقه ذات الدول من مبالغ طائلة على طريق البناء الإنساني لمواطنيها؟ وصولاً الى بناءهم بناءاً صحيحاً ومنذ خروج المواليد من الحاضنات، أو حتى قبل ذلك، تبدأ مرحلة البناء الصحيحة لتلك النفس البشرية التي يحتويها ذلك الجسد الطري.. فالمليارات تصرف من أجل التغذية والصحة والتعليم وصولاً الى حاجات اللهو المتنوعة التي تساهم بشكل كبير في بناء ذلك الأنسان الذي يرسم له مستقبل كبير في أن يكون، على أقل تقدير، صالحاً ـ في مجتمعه وأن لا يتسبب مستقبلاً بخسائر تفوق بآلاف المرات حجم ما صرف عليه من جهد ومال اليوم.

لا مناص من أن نبدأ مرحلة التثقيف الإجتماعي بشتى الطرق وأسهلها وصولاً للأسرة مستهدفين كافة أفردها بحسب أعمارهم وأجناسهم وأن تكون المدارس والجامعات أول طرقنا لنشر الوعي الإجتماعي المتكامل بين أسرنا حفاظاً منا على القيم الإخلاقية الحميدة الموروثة ولجعل الأسرة هي من تزرع النواة الأولى للتقدم الإخلاقي والعلمي في نفوس أبناءها فبأسر رصينة قوية ستنتج لنا عناصر لها القدرة على الإدارة والتعبئة المستمرة بإتجاه الإنتاج لعقول قادرة على المواجهة. حفظ الله العراق.

[email protected]

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/آيار/2014 - 12/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م