عوامل ظهور بوكو حرام في نيجيريا

لماذا عمليات بوكو حرام الان؟

جاسم محمد

 

أقدمت بوكو حرام على اختطاف ثماني فتيات أخريات في قرية شمال شرق نيجيريا بعد يوم من تبني زعيم الجماعة " ابو بكر شياكو" مسؤولية اختطاف 276 تلميذة من مدرستهن في" شيبوك بولاية بورنو" في أبريل 2014 إلا أن 53 منهن تمكن من الفرار فيما مازالت 223 فتاة في قبضة الخاطفين. ويعتقد انهن محبوسات في احد مناطق الغابات الشاسعة التي تمتد بالقرب من تشيبوك وحتى دولة الكاميرون المجاورة. وشنت الجماعة يوم 7 مايو 2014، هجوما على مدينة "غامبورو نغالا" النيجيرية، المدينة القريبة من الحدود الكاميرونية في ولاية "بورنو"ممعقل الجماعة. الاحداث السريعة جائت مع افتتاح "منتدى دافوس" الاقتصادي في العاصمة النيجيرية أبوجا. وتمثل ردود فعل الحكومة بتأكيد الرئيس النيجيري، "غودلاك جوناثان" إن اختطاف بوكو حرام لأكثر من مئتي تلميذة سيكون نقطة حاسمة في التعامل مع بوكو حرام. وكان الرئيس جوناثان يلقي خطابا أمام وفود المنتدى الاقتصادي العالمي في العاصمة أبوجا مطلع هذا الشهر مايو 2014، بعد ان شهدت نيجيريا هجومين من قبل بوكو حرام.

ردود افعال دولية

أعرب مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يوم 9 مايو 2014 عن غضبه الشديد من اختطاف التلميذات في نيجيريا على أيدي مسلحين متشددين مطالبا بإطلاق سراحهن في الحال. وأعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمام النواب أن باريس اقترحت على نيجيريا إرسال "فريق متخصص" للمساعدة في العثور على التلميذات المخطوفات. وقال فابيوس إن الرئيس زودني ووزارة الدفاع بتعليمات، بوضع أجهزة الاستخبارات في تصرف نيجيريا والدول المجاورة. اما بريطانيا قررت مساعدة نيجيريا، حيث أعلن متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني في 7 مايو 2014 عن عزم بريطانيا بارسال فريقا من المستشارين الحكوميين إلى نيجيريا في إطار الجهود للإفراج عن التلميذات المخطوفات. وبالفعل وصل عدد من الخبراء من الولايات المتحدة وبريطانيا الى نيجيريا يوم 8 مايو 2014 للمساعدة في البحث عن الفتيات المختطفات ومساعدة الحكومة النيجيريا بمواجهة ارهاب بوكو حرام. ومن المقرر إن الخبراء البريطانيين يتعاونون مع نظرائهم الامريكيين في قضية بوكو حرام. ووفقا لما تناولته وكالات الانباء "أن الفريق لن يكتفي بدراسة الحوادث الاخيرة بل سيبحث ايضا وسائل مكافحة الارهاب على المدى الطويل لمنع تكرار مثل هذه الهجمات في المستقبل ولهزيمة بوكو حرام." اعتبر الكونغرس الاميركي في تقرير عرض في شهر نوفمبر 2013 ان جماعة بوكو حرام في شمال شرق نيجيريا يمثلون تهديدا مستجدا للولايات المتحدة. وخلص التقرير المؤلف من 28 صفحة والذي وضعه المسؤولون في اللجنة الفرعية حول مكافحة الارهاب والاستخبارات الا ان "بوكو حرام تطورت بسرعة وتمثل تهديدا مستجدا للمصالح والاراضي الاميركية". واكد النواب ايضا ان الجماعة "قد تطور قدراتها الى حدود التطابق على الصعيد الخطابي والعملاني مع القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي وحركة الشباب الصومالية." وشجع التقرير على التعامل بحزم اكبر مع بوكو حرام في مجال الاستخبارات.

التكفير والهجرة عند بوكو حرام

ترتكز ايدلوجية بوكو حرام على "الجهادية، وتتميز بالصلابة والخشونة، وهي تميل الى ان تكون التكفير والهجرة والتوحيد والجهاد، اي تكفير من يخالف عقيدتها واحكامها وهجرة الفساد من منظورها وترك مراكز المدن والميول الى العزلة اكثر من العلن. لذا نجدها تستفيد من البيئة والجغرافية في شمال نيجريا ومعقلها في "بورنو." وأقامت الجماعة قاعدة لها فى قرية "كاناما" بولاية "يوبه" شمال شرقى نيجيريا على الحدود مع النيجر. حيث ينسب إليها سلسلة من التفجيرات والهجمات التى شهدتها المناطق الشمالية الشرقية من نيجيريا. تعتبر بوكو حرام نسخة طالبان بل وصفها الكثير من المعنيين بشأن القاعدة بانها النسخة الاقرب في غرب افريقيا.

 المشكلة التي تواجه وكالة الإستخبارات المركزية والإستخبارات الغربية، انها لحد الان لم تحصل على معلومات كثيرة عن هذا التنظيم، ولا عن الخط الاول والثاني من قياداته. ربما يرجع ذلك الى انعزال التنظيم في المناطق الشمالية من نيجيريا وعدم تواجده في المدن، بالاضافة الى ان المجتمعات هنالك تعتبر من المجتمعات المغلقة. ورغم جهود وكالات الاستخبارات ابرزها وكالة الاستخبارات الفرنسية، التي صعدت عملياتها في مالي لمتابعة بوكو حرام في نيجيريا، كانت تجد صعوبة في ادامة العلاقة بمصادرها وتدريبهم مما جعل الكثير منهم يقع بأيدي تنظيم بوكو حرام.

خطاب بوكو حرام

تعاني المقاطعات الشمالية من الفقر ومن التصحر ومن البطالة والامية، ليمثل نسبة المتعلمين في نيجيريا دون 10%. لذا إستغلت بوكو حرام عدة عوامل في شمال وشرق نيجيريا ذات الاغلبية الإسلامية، لكسب مزيدا من المقاتلين. فاستطاعت جماعة بوكو حرام ايضا استغلال الفساد داخل الحكومة النيجيرية وخاصة الامن والجيش، لتستطيع اقتحام السجون وقتل المئات. استثمرت بوكو حرام ايضا عامل العرق والدين، لتصعيد عملياتها "الجهادية" في المدن ذات الأغلبية المسيحية، وشهدت المناطق الشمالية العديد من المجازر بحق المدنيين على أيدي بوكو حرام. يشار ان القدرات الاقتصادية لنيجيريا وعوائد النفط في يد أصحاب النفوذ مقابل معاناة غالبية المواطنين، حيث يعيش حوالى 60.9 في المئة من السكان البالغ عددهم 170 مليون نسمة، بأقل من دولارين في اليوم، في الوقت الذي يتوقع صندوق النقد الدولي تحقيق نمو بنسبة 7.4 في المئة خلال العام الحالي، مقابل 6.2 في المئة في عام 2013.

 أبرز ركائز بوكو حرام هي تأسيس "دولة إسلامية" في نيجيريا بالقوة المسلحة هي الدعوة إلى التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية في جميع الولايات النيجيرية، وعدم الاكتفاء بتطبيق الشريعة في الـولايات الاثنتي عشرة الشمالية. والهدف المعلن لحركة بوكو حرام هو تطبيق الشريعة الإسلامية في كل ولايات نيجيريا التي يدين نصف سكانها تقريباً بالمسيحية. وكذلك عدم جواز العمل في الأجهزة الأمنية والحكومية في الدولة. وقد صنفت الولايات المتحدة جماعتي بوكو حرام وأنصار المسلمين المنشقة عنها كمنظمتين إرهابيتين. وأمر البيت الأبيض بوقف التعاملات المالية مع المجموعتين وتجميد أصولهما المصرفية في الولايات المتحدة.

 إن ظهور القاعدة خلال السنوات الاخيرة في منطقة غرب افريقيا وشمال افريقيا، المغرب العربي الإسلامي، اثارت مخاوف الدول الغربية وخاصة فرنسا بسبب ماتمثله غرب أفريقيا وافريقيا من أهمية في مصالحها الاقتصادية والسياسية. هذه الأهمية دفعت بحكومة باريس بالتدخل المباشر تحت مظلة الناتو للإطاحة بحكومة القذافي 2011، والتدخل العسكري المباشر في مالي البلد المجاور الى نيجيريا، الذي يعتبر معقل جماعة بوكو حرام، خاصة القسم الشمالي والشمال الشرقي، محاولة منها لفرض سيطرتها على عشرات المدن النيجيرية ذات الأغلبية المسلمة.

مرجعية التنظيم

إن مبايعة بوكو حرام الى تنظيم القاعدة المركزي في 2009، عمل على رسم خارطة جديدة لتواجد القاعدة. إن خارطة دول شمال افريقيا، المعروفة بتربتها القاعدية، أبرزها الجزائر، جماعة ابو مصعب الجزائري وفي موريتانيا تنظيم الحركة من أجل الوحدة والجهاد بزعامة الموريتاني أحمد ود خيرو، ورغم الانشقاقات واختلاف التسميات، لكنها تقاتل تحت مظلة القاعدة وتتضمن في داخلها جنسيات من مختلف شمل المغرب العربي وغرب افريقيا، مالي ونيجيريا وكذلك تنظيم أنصار الدين بزعامة اياد غالي في دولة مالي ـ باماكو. إن تشديد الرقابة في المغرب العربي الإسلامي، دفع ذات التنظيمات بالتمدد الى مالي ونيجيريا، لتكون ملاذ وارض جهاد في نفس الوقت. التقارير الاستخبارية كشفت عن استخدام القاعدة في بلاد المغرب خاصة جماعة" دروكال" فقد اعلن من المغرب الاسلامي فتح معسكرات تدريب واعداد المقاتلين في مالي، وشاركت كتائب ايضا في الحرب الدائرة في سوريا.

إن الترابط الحدودي الموجود مابين دول المغرب الإسلامي مع غرب إفريقيا بدون وجود موانع طبيعي سهل الكثير من القيادات في المغرب السلامي بالتسرب الى نيجيريا عبر النيجر والى مالي عبر الحدود الجزائرية وذات الشيء ينطبق على موريتانيا مع دولة مالي. لتكون غرب افريقيا خاصة نيجيريا ومالي اكثر من حديقة جهادية خلفية، تستقطب القيادات القاعدية خاصة المنشقة عن المغرب الإسلامي.

الجماعات الجهادية في المغرب العربي الإسلامي استغلت الفراغ السياسي والتضاريس الصعبة في دولة مالي، عند مدينة" جاو وكيدال وتيمبكتو" شمال مالي عبر حدود النايجر. ونفس الحال بالنسبة الى تنظيم القاعدة في شمال المغرب الإسلامي عبر الجزائر. التنظيمات القاعدية باتت متورطة في عمليات خطف وتهريب المخدرات والأسلحة. بات معروفا ان التنظيمات تستغل الجغرافية وتتمدد، وهذا مايحصل في غرب افريقيا بتمدد بوكو حرام والتنظيمات القاعدية عبر الحدود، فعندما يضيق الخناق عليها في منطقة تنتقل الى مناطق اخرى، وهو ما ينطبق على مختار بلمختار زعيم تنظيم المرابطون المنشق عن القاعدة وتحركه وتنقله في صحارى غرب افريقيا.

عوامل ظهور بوكو حرام

إن تصعيد بوكو حرام في هذه المرحلة عملياتها المسلحة، ياتي وسط انعقاد منتدى دافوس الاقتصادي في العاصمة النيجيرية أبوجا في 7 مايو 2014 وقرب الانتخابات الرئاسية المقررة عقدها عام 2015. هذه التطورات تعتبر احراج الى رئيس الحكومة وفشله في مواجهة هذا التنظيم لاعن طريق الحوار والتفاوض التي استمرت اكثر من ثلاث سنوات ولا من خلال فرض السلطة التي عادت غائبة خاصة في المقاطعات الشمالية. التنظيمات" الجهادية" تستغل فراغ السلطة والبطالة والفقر والفساد لتصعد خطابها الذي يبدأ بالدعوة وينتهي بفرض تعاليمها والقتل. أعداد العاطلين عن العمل وصلت الى نسبة كبيرة من الشباب، ومن ثم أصبح هؤلاء يمثلون مصدرا للتجنيد ضمن المنظمات المتطرفة في ظل انتشار البطالة والأمية والافتقاد للمهارات، حيث يعانى 40 مليون شاب في نيجيريا من البطالة. الشباب الساخطين والفقر ابرز مواد الخطاب" الدعوي" لتلك التنظيمات "الجهادية" الذي عاد يتناقض مع الحاضنة السلفية الجامية والتقليدية بل يكفرها.

إن نموذج بوكو حرام وظهورها لا يختلف كثيرا عن جغرافية القاعدة في المنطقة ابرزها افغانستان واليمن والعراق وسوريا والصومال، رغم وجود بعض الفروقات بالمسببات، لكنها تشترك دائما بفشل وغياب الدولة والفساد، لذا نجد ان القاعدة لا تظهر الا مع غياب السلطة اي سلطة القانون ومع تفشي الفساد. وما يشجع هذه الفكرة، هو وجود عدد من الدول العربية في المنطقة، تعتبر معقل الى منظري الفكر "الجهادي" لكن تم استيعابها من قبل حكومات تلك الدول ضمن سياسات وبرامج متكاملة عملت على الحد من تشظي هذا "الفكر" الجهادي واحتوائه.

 الدول التي تعنى بسياساتها والتنمية الاقتصادية التي اصبحت ابرز عوامل الامن القومي، وربما اكثر اهمية من العامل العسكري في حماية الامن القومي للدول والى اطراف اقليمية، تكون بعيدة عن الفوضى والتهديدات الخارجية والداخلية. وهنالك عدد من الدول في المنطقة تشهد انتعاشا اقتصاديا وتتجه نحو الدول الاكثر تقدما علميا وعمرانيا اصبحت بمأمن من تلك التهديدات.

المشكلة في نيجيريا ربما تأخذ اهتماما اكثر من غيرها عند واشنطن والدول الاوربية ابرزها فرنسا، كون نيجيريا تمثل اكثر من 80% من مصادر الطاقة للولايات المتحدة. ومن المرجح ان تعتمد واشنطن سياسة التزاوج الإستخباري مع الحكومة النيجيرية اكثر من ارسال قوات واسعة الانتشار، وفقا الى إستراتيجية اوباما بتقليص نشر القوات مقابل تصعيد النشاط الإستخباري في مواجهة التنظيمات القاعدية.

* باحث في مكافحة الإرهاب والإستخبار

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/آيار/2014 - 12/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م