الفقر والاستبداد ثنائية الحرمان والاضطهاد

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يؤكد العلماء المتخصصون، أن هناك ترابطا وثيقا بين الفقر والاستبداد، وهناك دلائل كثيرة تؤكد هذا الربط الوثيق بين الاثنين، فمعظم أو جميع الدول الفقيرة، يقودها حكام طغاة، وحكومات فاشلة، لا تتمكن من ادارة المال العام والاقتصاد بصورة سليمة، بسبب الفساد وضعف القانون، الامر الذي ينعكس على الشعب بصورة مباشرة، فيستشري الفقر والقهر بأنواعه كافة، وحتى تحافظ الطبقة الحاكمة على امتيازات السلطة، تلجأ الى حماية مناصبها بالحديد والنار والقتل والتعذيب، وهكذا تتحد حالة الفقر بحالة الاستبداد والتشبث بالسلطة بصورة مستميتة.

وثمة مشكلة تساعد على قوة الترابط بين الاستبداد والفقر، تتمثل بجوقة المتزلفين والمنافقين والمتملقين، وقد يكون بعضهم من اوساط الشعب، أي من الفقراء، لكنهم يتحولون الى ادوات تعاضد السلطة وتقويها على الشعب والفقراء، وهؤلاء يمثلون مشكلة حقيقية في طريق معالجة الاستبداد والفقر، كونهم من طبقة الفقراء نفسها.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ(الشورى في الاسلام)، حول هذا الموضوع: (ليست المشكلة فقط في الحكام المستبدين والمتزلفين الذين يدورون حوله وينالون من ماله وجاهه، ولذا يسحقون وجدانهم فيطرونه ويكيلون الثناء والمديح له جُزافاً، ويعملون بأوامره حتى في قتل الأبرياء وهتك الأعراض ونهب الأموال. بل الطامة الكبرى في الرحم التي تولّد هؤلاء الحكام، وهي الأمة، فإذا لم تكن الأمةُ ضعيفة وفيها قابلية لتقبل الاستبداد لما كان بإمكان الحكام الطغاة من السيطرة عليها).

الخلل اذن يكمن في الامة نفسها، بمعنى ثمة عجز في مواجهة الاستبداد، لهذا ينتشر الفقر، ويسود تنمّر الحكومات على الشعوب، ويتم التلاعب بالثروات العامة، وتنتشر حالة الفقر، مع حالة الاضطهاد لتشكل الاثنان (الفقر والاستبداد)، ثنائية لا سبيل للخلاص منها، إلا وفق آليات عمل جديدة ومنظمة، تبدأ بتعميم الوعي السياسي والثقافي والحقوقي بين الجميع.

مهمة الوعاة

من الواضح أن مهمة معالجة الاضطهاد، تقع على عاتق وعاة الامة، وقادة النخب كافة، فضلا عن جماعات الضغط والمنظمات والمؤسسات التي يقع عليها دور توعية الناس بحقوقهم المدنية والقانونية، وحتمية استرداد هذه الحقوق وحمايتها، ولا شك أن الاعلام بكل اشكاله له دور كبير في نشر الوعي، ومعلوم للجميع أن مرض الاستبداد، لا يمكن معالجته في ليلة وضحاها، إنما يحتاج الامر الى كفاح وعمل منظّم ومستمر، من اجل إزاحة كل اشكال الاستبداد والفقر والحرمان، اذ يتطلب الامر وقتا كافيا، لكن لابد من الشروع بمكافحة الاستبداد، بصورة مدعومة ومخطط لها.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بالكتاب المذكور نفسه: (من المؤكد أن الجسم الذي تعشعش فيـه المرض مدة طويلة لا يمكن علاجه بمدة قصيرة، أو دواء بسيط، وكذلك جسم المسلمين الذي تعشعش فيه الاستبداد قروناً لا يعالج إلاّ بنشر الوعي العام بكل الوسائل الممكنة الإعلامية وغيرها).

ومثل هذا الدور الكبير، لابد أن تتصدى له عقول لها القدرة على تغيير الواقع، وتثوير الجماهير، بطريقة التثقيف المتواصل، وزج الوعي في العقول، كي يفهم الجميع دورهم في حماية حقوقهم وحرياتهم، وعدم إعطاء الفرصة للدكتاتورية، كي تفرض اهدافها، وتغرس براثنها في مؤسسات الدولة ونهجها، وهذه في الحقيقة مهمة صعبة، يستطيع القيام بها أولئك الوعاة المتميزون بقوة الاقناع والايمان.

لذا يؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال على: (إن مهمة الوعاة رَفعُ مرض الاستبداد عن الأمة حتى لا تستعد لتقبُّل المستبد، وحينذاك لا تجد أثراً منه).

هكذا يمكن للامة أن تقتص من أرباب الاستبداد، ومن ثم القضاء على الفقر وفروعه المتمثلة بالجهل والمرض والحرمان.

فوضى الفقر والبطالة

عندما لا تتاح فرصة التعليم للانسان، ماذا سيفعل؟، إنه لن يبقى مكتوف اليدين، لأن الجهل سيدفعه الى مسالك الفوضى، ثم الثورات والحروب، وهو امر لا مفر منه، في حالة استمرار الظلم، والاضطهاد، بسبب الفقر، ولا شك ان البطالة لها دور كبير في تأسس الفقر ونشره، والبطالة متأتية من سوء الادارة، وهذه تحصل نتيجة لانشغال الحاكم وحكومته بمصالحهما!، لذلك ليس امام الفقير سوى الثورة على واقع الاستبداد.

كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في كتابه القيّم الموسوم بـ (اذا قام الاسلام في العراق) إذ يقول سماحته في هذا المجال: (إن الفقير لا يملك المال لأجل الدراسة، لذلك يبقى في حالة الجهل مما يجعله ينتقل نحو إثارة الفوضى، ثم الثورات والحروب).

وهكذا تكون الادارة الفاشلة لدولة الاستبداد، عاملا لنشر الفقر، فيؤدي ذلك الى جملة من السلبيات التي تتعلق بالوضع النفسي والصحي للمواطنين، وهو امر يفرزه ضعف الدخل لكل فرد، فقد عرف البنك الدولي الدول منخفضة الدخل أي الفقيرة بأنها تلك الدول التي ينخفض فيها دخل الفرد عن 600 دولار، وعددها 45 دولة معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا. برنامج الإنماء للأمم المتحدة يضيف معايير أخرى تعبر مباشرة عن مستوي رفاهية الإنسان ونوعية الحياة "Livelihood” هذا الدليل وسع دائرة الفقر بمفهوم نوعية الحياة لتضم داخلها 70 دولة من دول العالم، أي هناك حوالي 45% من الفقراء يعيشون في مجتمعات غير منخفضة الدخل، أي هناك فقراء في بلاد الأغنياء، ويكتفي هنا بذكر أن 30 مليون فرد يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايات المتحدة الأمريكية (15 % من السكـان).

وهكذا ينعكس الفقر نفسيا على المواطن، فضلا عن ضعف المناعة والاصابة بالامراض المتعددة، بسبب ضعف الوقاية والعلاج، إذ يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (قد يتعقد الفقير العاطل عن العمل نفسيا مما يسبب المرض لأن كلا من البدن والنفس يؤثر في الآخر. بالإضافة إلى انه كثيرا ما يسبب المرض مباشرة، كفقدان وسائل الوقاية والعلاج من المرض وقرحة المعدة والسكتة القلبية وفقر الدم وسائر ما يترتب على الضغط العصبي ـ الناجم عن الفقر والبطالة و.. .ـ والجوع وما إلى ذلك).

هذه بعض نتائج ثنائية الفقر والاستبداد، لذا علينا تحاشي النظام المستبد، حتى نتخلص من عواقبه الوخيمة!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آيار/2014 - 11/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م