انتخاب العشيرة

د. مازن مرسول محمد

 

لعلنا لا نختلف عن كثيرٍ من شعوب الارض وهي تتطلع لغدٍ افضل يمكن ان تُعبَّد ارضه بطموحاتٍ وعمل جاد يمكن ان يصل بها الى ارض وحياة الاحلام، وحينها تصبح تلك الاحلام حقيقة واقعة ولا توجد مزايدة على بطلانها او عدم انوجادها، ولكن لا تصل الى تلك المراحل الشعوب التي بات تخبطها كثيراً ومقلقاً بشكلٍ لا يكاد معه الايمان بأنها ستنهض من جديد، فقد تهدر جميع الفرص التي اُتيحت لها او هي من صنعتها لذاتها من اجل رسم صورة جديدة تؤهلها للمضي بين اقوام البشر الآخرين ومجاراة لعبة الحياة بفنونها ومخاضاتها كافة، وتبقى منكفئة الى الداخل لا تعرف ما تريد ولا تفقه أي استراتيجية ينبغي عليها المضي من خلالها، وفي تلك الحالة سيُكتب التأزم نصيباً مصنوعاً لهذه المجتمعات، ويبقى عليها ان تُكافح لإزالة ما ارتكبته من اخطاء بحق شعوبها اضافة لما لحق بها من تصدَّعات وازمات الحياة.

ان ما ذكرناه يمكن ان يُساق على امثلةٍ كثيرة لشعوبٍ عُرضت او رُسمت لها ملامح تقدَّمها لكنها اضلَّت الطريق وتبنَّت اتجاهات اخرى تركت آثارا مؤلمة في جسدها، فعندما تلمس ان تحديد المصير يكون في يديك انت، عندها يفترض ان تُحسن التخطيط والتدبير لتُحرز مصيراً لا تتراجع من خلاله وتُقهر انسانياً، ولكن عندما تهدر تلك الفرصة فقد حكمت على ذاتك ومستقبلك بالخلاص المأساوي الذي لا ينفع معه لوم او ندم.

قبل فترة قصيرة جرى استحقاق شعب لتقرير مصيره في العراق والمتمثل بالانتخابات، وتم اسدال الستار على الاقتراع يومها آنذاك، وما تم ملاحظته ان المواطن قد مارس حقه والكثير منهم قد فعل ذلك، ولكن على اية اسس قد ادلى بصوته، هل على اساس مصلحة المجموع والمتمثل بمصلحة وطن، ام مصلحة شخصية تقوم على بعض المنافع، ام مصلحة طائفية من باب التحزَّبات والشلليات ؟

من المؤكد وكما تم لمس ذلك ان هناك من اعطى صوته لغرض الارتفاع بهذا المجتمع الى ناصية الرفاهية بكل اشكالها، لذلك لجأ الى من يرى انه بالتعاون مع الآخرين يحقق ذلك، دون مراعاة لطائفة او حزب او تجمع او جهة سياسية معينة، وانما اختار بحس المواطنة ورغبة لمن سيخدم هذا البلد، لكن للأسف هناك من اضاع صوته وانتخب بأسلوب تعاضدي تكاتفي عشائري، انتخب مرشحاً ما لا لأنه الاصلح لخدمة المجموع وانما لأنه قد يكون قريبه او صديقه او حتى جاره وقد تمت التوصية عليه، وتناسى ان الوطن لا يمكن ان ينهض وفق المحسوبية، ولا ضرر ان اعطي صوتي لقريبي او صديقي ان كان ملائماً حقاً ولكن لأنه تابع لي ولشبكتي الاجتماعية التي احيا بها، ذلك ما يسمى خرقاً وهدراً للفرص التي مُنحت لشعبٍ يريد تقرير مصيره.

وعلى الرغم من ان الممارسة الديمقراطية هذه هي حالة صحية ممكن بعد فترة من الزمن تتم بصورها الاكثر نصوعاً، الا انه كان علينا في هذه المرحلة ان ننتخب للوطن الواحد لا للفئة الواحدة وللمصلحة العامة لا للخاصة، كان ينبغي ان تنتفض المواطنة لتبرز بشكلٍ فعال لتُعبِر عن حقوقها وواجباتها تجاه الذات والكل، فمن واجبي ان اساهم ببناء مجتمع لا تشوبه التنازعات والتفرقة والتكالبات على السلطة والثروات، وما فعله اصحاب الحس الشللي هو انهم سيعيدون انتاج التحزَّبات والتجمَّعات التي قد لا تخدم المجتمع وتعود به الى القهقري من جديد، رغم انه ما زال يأن من ويلاتِ ازماتٍ عاصفة قد لا يتعافى منها ان تجذَّر هذا الفعل في المستقبل القريب.

 ...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آيار/2014 - 11/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م