"داعش".. لماذا في دير الزور؟

فرط عقد تحالفات "داعش" في سوريا

جاسم محمد

 

دير الزور: تعرف مدينة دير الزور محليا باسم الدير وهي مدينة سوريّة ومركز محافظة دير الزور وأكبر مدن الشرق السوري قاطبة. انتعشت إبان الحكم العثماني للبلاد مع تحولها الى مركز تجاري على طريق القوافل المتجهة نحو بغداد والقادمة من حلب. أغلب سكان دير الزور من العرب مع وجود أكراد وأرمن، والقسم كبير من العرب خلفيات عشائريّة سيّما قبيلتي البقارة والعقيدات وبني مدلج كما توجد عدد من العائلات السريانيّة. ويقوم اقتصاد المدينة بشكل أساسي على الأراضي الزراعيّة الخصبة المحيطة بها والممتدة على جانبي نهر الفرات في الريف، الى جانب الثروات الباطنية وأهمها النفط والاسمنت.

خارطة الدولة الإسلامية في العراق والشام

إن قرار ابو بكر البغدادي بالتوسع على سوريا جاء ضمن استراتيجية انشاء "إمارة العراق والشام"، ليكون داعش منافس قويا الى التنظيم المركزي. إن اختيار داعش الى جغرافية العراق وسوريا، وربما تمتد الى لبنان شمالا ـ طرابلس ـ جائت الى طموحات ابو مصعب الزرقاوي والتي عجز عن تحقيقها. طموحات البغدادي هي أن يكون بنفسه "امير مؤمنين" لدولة إسلامية قائمة على الارض وليس أيدلوجية متشظية مثل القاعدة المركزي. كان الزرقاوي أول من دعا الى تسمية جند الشام خلال حربه في افغانستان حنى عام 1989، واطلق على تجمع المقاتلين آنذاك "جند الشام" والذين وصلوا من فلسطين ولبنان وسوريا والاردن. أما تشكيله فقد كان في مخيم نهر البارد ـ لبنان عام 2005 وتمدد الى سوريا. ومنذ الاعلان عن تنظيم جند الشام، انضمت اليه العناصر اللبنانية المعروفة بـ "جماعة الضنية"، وهي عناصر مطلوبة من السلطات اللبنانية لجأت الى عين الحلوة بحماية "عصبة الانصار"، لمشاركتها في حوادث الضنية ضد الجيش اللبناني في اوائل العام 2000، وكان يقودها اللبناني غاندي سعيد السحمراني المعروف بأبي رامز الطرابلسي.

 ورغم تغيير الخارطة التي تقف عليها داعش وكذلك المجموعات المسلحة الاخرى وقوات النظام لكنها تمتد داعش في مناطق شمال وشمال شرق سوريا على شكل خط متواصل من كركوك الى دير الزور، الرقة، الحسكة وغربا الى اللاذقية لترسم خطا متواصل يسهل الحركة والتنقل. إن اختيار داعش الى اماكن إنتشارها لم يكن ابدا عشوائيا وهذا يعكس القدرة العسكرية والإستخبارية اضافة الى القوة العسكرية التي يتمتع بها التنظيم، فهي شطرت شمال سوريا من الشرق الى الغرب، عرضا.

حروب دير الزور

انسحب مقاتلو داعش "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في شهر فبراير2014، من كامل محافظة دير الزور في شرق سوريا بعد ثلاثة أيام من القتال مع كتائب مسلحة، بينها جبهة النصرة. وبدأت "داعش" في 26 ابريل 2014 تضرب في دير الزور من جديد، فيما تحاول جبهة النصرة وحلفاؤها استعادة التوازن هناك. باتت داعش قريبة من بلدة الشحيل، أبرز معاقل النصرة في المنطقة. وفي بيان باسم العدناني، متحدث "داعش" قال فيه [كنّا قد أقسمنا إننا عائدون الى ولاية الخير، وها نحن]. وبجدر الاشارة بان "داعش" تسمي دير الزور بولاية الخير لما موجود بها من ثروات طبيعية ابرزها النفط والثروات الزراعية كونها تقع على ضفاف نهر الفرات.

إن "داعش" عازمة على إستعادة دير الزور لربط المناطق التي تسيطر عليها مابين العراق وسوريا، وتتمترس بين معقليها الانبار بعد 100 كلم غرب بغداد، والرقة شمال شرق دمشق عبر مدينة كركوك العراقية شمال غرب بغداد الغنية بالنفط هي خارطة جديدة. لقد رسمت داعش خارطتها على الارض وفقا الى طموحاتها، والتي تمثل من اغنى المناطق في ثرواتها الطبيعية والمعابر الحدودية. السيطرة على دير الزور ومعبر ال بو كمال التي باتت منذ نوفمبر 2012 خارج سيطرة الحكومة. إن ال بوكمال تؤمن الى التنظيم التنقل والحركة وربط مناطقه عسكريا وجغرافيا وأهميتها كونها خاصرة التنظيم بين أهم معقلين هما الأنبار العراقية والرقة السورية.

زج العشائر ـ الصحوات ـ في النزاع

تستغل "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ضعف حكومة بغداد وفشلها وكذلك نظام الاسد، لتفرض سيطرتها على القبائل والمجتمعات التي تسيطر عليها. وهذا مادفع بعض القبائل العربية في داخل سوريا وفي منطقة دير الزور ان تبايع التنظيم لتجنب المواجهة واخرى تحالفت معها مثل عشيرة الجبور، بزعامة صدام الجمل، لتثأر من خصومها باستخدام نفوذ "داعش" وهذا ماصعد سقف الرهان على كسب القبائل عند كلا الطرفين في المقابل اعلنت الجبور في سوريا البراءة من الجمل. فشكلت "داعش" من العشائر في الرقة جيش الانصار في مارس 2014 من اجل حماية الرقة وتمكنها من المناورة بنقل مقاتليها الاصليين من التنظيم من الرقة الى دير الزور. واصدرت "داعش" بيانها المشروط [على من يريد التوقف عن قتالها، تسليم السلاح وعدم مقاتلة النظام في أي جبهة من الجبهات الا بإذن "داعش.]

من جانب اخر كشفت وسائل الاعلام في 20 ابريل 2014 عن تأسيس عشائر دير الزور جيشًا قوامه عشرة الاف مقاتل على غرار صحوات العراق، لمحاربة تنظيم "دولة العراق والشام" في المحافظة. وأكد عضو الائتلاف الوطني السوري درغام هنيدي صحة تأسيس عشائر دير الزور لذلك الجيش. وكان تنظيم "الدولة" قد ارتكب مجزرة في مدينة البوكمال بدير الزور، بحق مدنيين في القرى والبلدات الحدودية، مما دفع مجموعة العشائر المقيمة في المنطقة للاجتماع، وإصدار بيان إهدار دم أي من أبناء القبائل ممن يتعامل، أو ينتمي للتنظيم، وأكد البيان على بيعة قبيلة العقيدات.

إستراتيجية "مسك الأرض" وتكتيك "داعش"

اتبعت "داعش" إستراتيجية مسك الارض في سوريا، منذ بداية اندلاع خلافها مع النصرة وتنظيم القاعدة المركزي في ابريل 2013، وهذا كان وراء إعلانها إمارة الرقة، لكي يكون معقلها المنظر الى الفلوجة تتمترس فيه. واستراتيجيتها هذه في سوريا تقوم على تحالفاتها مع القبائل وكسب مقاتلين جدد لكي تتمكن من فرض سيطرتها على المساحات الجغرافية الواسعة التي تمتد عليها راياتها السود. في هذه المرحلة ماتقوم به داعش هو:

• اسلوب الاقتحامات العنيفة الى دير الزور بالتزامن مع فتح ثغرات على المدينة وذكرت تقارير بان داعش ارسلت 800 مقاتل من البادية لفتح ثغرة على مدينة الزور قبل الهجوم عليها يوم 26 ابريل 2013، هذا مايتعلق في السيطرة على المدن في سوريا وهي ربما تختلف عن سياستها او تكتيكها في العراق الذي يتغير مابين غزوات نقاط التفتيش وغزوات واسعة ضد مؤسسات الدولة وهدم الاسوار، تهريب معتقليها من السجون وشن الهجمات على المقرات الامنية.

• استثمار الموانع الطبيعية في حربها مثل تعويم الاراضي بالفيضانات واشعال الحرائق وتلويث المياه بالزيت.

• الاغتيالات الشخصية لتصفية خصومه في سوريا، فقد شهد شهر ابريل 2014 اغتيال جمال القسوم، قائد لواء رجال الشام التابع لجبهة ثوار سوريا في الجيش الحر، بعبوة ناسفة زرعت في سيارته على طريق خان السبل الدولي دمشق حلب. كما اغتيل أمير جبهة النصرة في محافظة أدلب، أبو محمد فاتح رحمون، في منطقة رأس الحصن قرب حارم في ريف أدلب الشمالي.

دعائم تنظيم " داعش"

• اعتماد مبدأ القدرة والقوة المدعومة استخباريا، يخلق منها خصم غير سهل في العراق وسوريا وربما هذا وراء تماسكها واستمرارها رغم كثرة خصومها.

• تبني الامن والاستخبارات من داخل التنظيم، وهو على غرار مكاتب الامن التي تتبعه الاستخبارات داخل مؤسساتها، بمراقبة منتسبيها بين فترة واخرى واخضاع المرشحين للتنظيم الى نظام معلومات، هذا ينطبق على منتسبي التنظيم داخليا وليس على مقاتلي العشائر او الفصائل التي تتحالف معها. وهذا القسم معني بأمن وسلامة رئيس التنظيم وقيادته وحركتها وتنفيذ أوامرهم. هذه الصلابة التنظيمية والشراسة الاستخبارية، خلقت من داعش تنظيما دمويا، يخسر ملاذاته وحواضنه الشعبية بشكل طردي مع استمرار الازمات. مايحصل في سوريا الان، هو خسارة الى تحالفاتها مع بقية الفصائل ورفضها من قبل الحواضن والقبائل، ومن يقاتل معها اما بدافع التهديد او الترغيب. في سياق متصل أعلنت حركة "أحرار الشام" التابعة للجبهة الإسلامية في بيان لها مساء الجمعة عن الغاء اتفاق سابق بينها وبين تنظيم "داعش" في المحافظة كان يقضي بوقف القتال والتركيز على محاربة قوات الجيش السوري، وذلك بسبب الهجوم الذي قام به "داعش" على مقار الحركة في المحافظة، وقالت الحركة في بيانها "جماعة الدولة الإسلامية جماعة غدر وخيانة قد خفرت الذمة ونقضت العهد". وهذا يعني ان المرحلة القادمة سوف تشهد فرط عقد تحالفات داعش في سوريا تحديدا.

• التمويل، ما تتمتع به "داعش" من تمويل يعتبر استثنائيا، لم يسبق لأي تنظيم ان حصل عليه، التقارير تشير رغم عدم دقتها ان ميزانية داعش تقدر بـ مليون دولار اميركي يوميا، لذا هي تستعرض ارتالا من السيارات الحديثة ذات الدفع الرباعي وبتسلح وصفه الخبراء في الدفاع يرتقي تسلح القوات العراقية. تمويل التنظيم مازال يثير الكثير من التساؤلات، خاصة انه استمر لمدة طويلة. يشار بأن عدم وجود انشقاقات وضعف الوثائق التي تحصل عليها الحكومة العراقية عن التنظيم، عزز قوة التنظيم وجنبته الكثير من الخروقات. لكن خبراء الامن والمراقبون للتنظيم في سوريا، اكدوا بأن نظام الاسد استطاع خرق التنظيم بزج مئات من المقاتلين في داخله من اجل تغيير مساره. يبقى موضوع التمويل وتفاصيل اخرى عن داعش غير مؤكدة بسبب ضعف الخروقات والانشقاقات داخل التنظيم.

من المتوقع ان تواجه "داعش" انحسارا في المساحة التي تقف عليها في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية في سوريا مع تصاعد كفة الجبهة الاسلامية في المنطقة الساحلية المشرفة على اللاذقية. ان سيطرة المجموعات المسلحة المعارضة في سوريا على "كسب" يمنحها دعم جوي من داخل تركيا ويضعف النظام السوري معنويا في معاقله، امام تقدمه عسكريا باستعادة القلمون حتى عرسال.

ماتعانيه الان "داعش" هو العزلة، وهذا يعني ان بقائها في سوريا بات معدودا، يعتمد على قدرات وقوة الجبهة الاسلامية والثوار وغيرها من الفصائل بتوحيد صفوفها مستقبلا ضد "داعش". وربما ما تحصل عليه الجبهة الاسلامية من سلاح نوعي من الدول الداعمة واعداد المقاتلين التي تزيد اضعاف "داعش"، يرجح الرأي بأنها سوف تنحسر في معاقلها الاصلية في الانبار.

اما هجمات داعش في العراق، فمن المتوقع ان تشهد انخفاضا مابعد الانتخابات العامة نهاية شهر ابرل 2014، وربما نتائج الانتخابات وخروج حكومة ذات اغلبية برلمانية تعيد هيكلة اجهزة الامن ورسم إستراتيجيات الامن والاستخبار في مكافحة الارهاب.

* باحث في مكافحة الإرهاب والإستخبار

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آيار/2014 - 5/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م