لماذا يعشق الأمريكيون الحروب الباردة؟

علي الأسدي

 

 أظهر التوتر الحالي في العلاقات الروسية\الأمريكية\الغربية كم هشة هي الأسس التي يقوم عليها السلام العالمي. ويذكرنا هذا الوضع بالسبب التافه الذي كان وراء اشتعال الحرب العالمية الأولى وحينها لم تكن الأسلحة النووية قد أخذت طريقها الى خزائن السلاح في الدول التي شاركت في تلك الحرب. أما اليوم فتوجد منها مايكفي لتدمير كرتنا الأرضية ذات السبعة بلايين نسمة مئات المرات حتى قبل أن تحصل ايران على واحدة منها.

أبطال الحرب الباردة الحاليون ليس أقل حماقة من أولئك الذين كانوا وراء أكثر من عشرة ملايين حياة بشرية أزهقت دون ذنب في الحرب العالمية الأولى وأكثر من خمسين مليونا في الحرب العالمية الثانية. فما حدث خلال الأشهر القليلة الماضية بين الأمريكيين والروس يذكر بالمناوشات التي تحدث بين المراهقين بسبب خسارة فرق رياضية وفوز أخرى.

هكذا هي الحالة في أوكرانيا اليوم التي تسببت في حروب وليست حربا واحدة. فقد شهدنا حربا على الصعيد الاعلامي، وحربا على صعيد العقوبات الاقتصادية، وأخرى على صعيد العقوبات السياسية، وأخرى على صعيد المليشيات، وأخرى على الصعيد الاثني، وأخرى وهي الأبلغ الحرب الباردة التي لا يرغب الأمريكيون مغادرة ساحتها أبدا.

 لأنهم على ما يبدو لم يرتوا بالدماء البريئة التي سفكت خلال تلك الحرب عبر السبعة والستين عاما منذ بدئها عام 1947. وربما لأن جيل الأمريكيين الحالي يصر على ممارستها كجزء من طقوس الامتنان لمخترعها وصانع حروب كوريا وفييتنام وكومبوديا واللاؤس واليونان رئيسهم الأسبق هاري ترومان الذي أباد في ظرف دقائق ما لايقل عن 250 ألفا من البشر عزلا من السلاح بنتيجة قنبلتين نوويتين أمر بإلقائهما على مدينتي هيروشيما وناكزاكي اليابانيتين.

رغم تلك الدروس لم يجر الغاء الحروب من السياسة والعلوم والتربية والاخلاق والوطنية، بل بالعكس يجري الاستعداد لها مرة عبر الحرب الباردة ومرة عبر السلام البارد، وبين هذه وتلك صراعات وحروب محلية تمارس بالنيابة تستهلك الموارد وتفقر الشعوب ولا تتوقف.

فها هي الولايات المتحدة لا تريد أن تنهي حربها الباردة ضد روسيا وتصر على شيطنتها وادراجها على قائمتها السوداء، فتصدر العقوبات بعد العقوبات تصاعديا من العقوبات القاسية الى عقوبات أقسى فأقسى، وتتوعد بتهشيم العظام وكسر الأنوف. التصرف الأمريكي هذا يذكرنا بالفلقة التي كان يهددنا بها معلمونا الأشاوس أثناء دروس الدين والأخلاق.

فمن اطلع على خطاب جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أخيرا التي ألقاها أمام مؤسسة أبحاث بواشنطن حول العلاقات الأمريكية الأوروبية الثلاثاء 29 أبريل/نيسان سيؤيد وجهة نظرنا. حيث قال:

"تمثل الأحداث في أوكرانيا تحذيرا بالنسبة لنا. أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيون حاولوا تحقيق تكامل روسيا مع المجتمع الاورو- أطلسي، لكن خطوات موسكو الأخيرة في أوكرانيا تدل على أنها "تلعب وفق قواعد مختلفة". ان الأزمة في أوكرانيا تدفعنا الى لعب الدور الذي تشكل الحلف من أجله وهو حماية أراضي الحلف وتعزيز الأمن الأطلسي. واشار الى 3 أهداف أساسية ينبغي على الدول الأعضاء الاضطلاع بها. وهي:

أولها حمل حلفاء واشنطن في الناتو على زيادة النفقات العسكرية فعلا. وذكر أنه ليس كل أعضاء الحلف ينفقون 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الأهداف الدفاعية، ودعا هذه الدول الى الالتزام بزيادة النفقات في هذا المجال خلال الأعوام الخمس القادمة.

أما الهدف الثاني، فيتمثل في اتخاذ إجراءات فورية لوضع حد لتبعية الدول الأوروبية للنفط والغاز الروسي.

أما الهدف الثالث، فيكمن في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أعضاء الحلف.

ففي أي عالم نعيش، هل يفتعل الأمريكيون الأزمات مع روسيا لبدء سباق تسلح جديد..؟؟

هل الغرض هو تطوير صناعة السلاح الأمريكية بهدف حل مشكلة البطالة والهرب من المشاكل الاجتماعية التي تسببها..؟؟

هل الغرض هو كسب أصوات أكثر في الانتخابات النصفية لمجلس الكونغرس لصالح الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له الاثنان..؟؟

أم الغرض هو زيادة شعبية الرئيس أوباما التي وصلت الى أدنى مستوى لها خلال الولايتين، والتي اعتبرت الأدنى التي لم يصلها أي رئيس أمريكي سابق منذ الرئيس جيمي كارتر بحسب استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة الواشنطن بوست يوم 29 ابريل الجاري..؟؟

وربما للتغطية على فضيحة الانقلاب الذي نفذوه في كيف بواسطة جماعة " القطاع الأيمن النازية الجديدة. فقد نشرت أخيرا التفاصيل عن التورط الأمريكي المباشر في تنظيم الانقلاب الذي أطاح بحكومة فكتور يانوكيفيج وتنصيب مجموعة موالية لهم بدلا عنه.

 فبحسب تصريح نشرته شبكة " ريزودي فولتير " للمفكر والناشط الفرنسي من أجل السلام والتعاون تييري ميسان ذكر فيه أن مسلحي " القطاع الأيمن " من النازيين الجدد وغيرهم قد جرى تدريبهم على السلاح في بولندا بناء على طلب الولايات المتحدة الأمريكية. وقد جرى ذلك التدريب في مركز لتدريب الشرطة في مدينة ليغيونوفو ببولندا في سبتمبر/أيلول الماضي تمهيدا للسطو على السلطة في كييف وهذا ما حدث بالفعل.

 فقد قامت عناصر القطاع الأيمن بالسيطرة على البرلمان ومقار الحكومة ومكتب رئيس الجمهورية التي كما اعلن لاحقا أنه كان قد على علم بمحاولة الانقلاب مما دفعه للاختفاء حفاظا على حياته دقائق بعد توقيعه الاتفاق مع وفد الاتحاد الأوربي لتشكيل حكومة انقاذ وطنية.

ان منظمة " القطاع الأيمن " النازية هذه تشارك في الحكومة الأوكرانية الحالية بعدة حقائب وزارية، ولم تتحرج من اعلانها الحداد في ذكرى عيد النصر على النازية الذي يصادف يومي 8 و9\أيار القادمين، لأن اندحار ألمانيا النازية بالنسية لهم هو يوم حزن وأسى. ولشدة حقدهم على الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان له الفضل في دحر النازية حذروا السلطات المحلية التابعة لنفوذهم في غرب البلاد من اقامة الاحتفالات بمناسبة يوم التحرير من الاحتلال النازي أو تمجيد رموز الحقبة السوفيتية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آيار/2014 - 4/رجب/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2014م